إعلان “إسلامي” لحقوق الإنسان..ماذا لو كل ديانة كان لها إعلان؟ – شيرين عبادي

مرّت الذكرى السبعين لإعلان الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، بصمت في بلدنا وسائر البلدان العربية والإسلامية، وكان الاحتفاء بها هذا العام كالعادة خجولا، بالاكتفاء بالتذكير بدور سفير لبنان آنذاك شارل مالك في وضع ديباجة هذا الإعلان، إضافة إلى “تبييض” الدولة لصفحتها أمام المجتمع الدولي، بالحديث عن التزام مؤسساتها بحقوق الإنسان وحرياته، في حين تغيب هذه المناسبة عن المؤسسات السياسية والمدنية والاجتماعية والشعبية، لجهة تذكير اللبنانيين وخصوصا أجيالهم المعاصرة بدور هذا الإعلان في إرغام أو ترغيب حكوماتهم المتعاقبة وسلطاتهم الاجتماعية على الاعتراف بحقوقهم المدنية وزيادة منسوب حرياتهم الشخصية ولو ما زالت قاصرة عن أقرانهم في دول باتت بنود هذا الإعلان جزءا لا يتجزأ من دساتيرها وأنظمتها، وتحرص على الالتزام به بسن ما يلزم من القوانين والتشريعات لتطبيقه بطريقة نزيهة وصحيحة.

في هذه المناسبة، كانت قد كتبت الحقوقية الإيرانية شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل، مقالة اضاءت فيها على دور التفسيرات الدينية في إعاقة تنفيذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتخاذها من قبل الحكّام والحكومات ذريعة إلهية لحرمان الناس من بعض الحقوق، في حين القصد هو الاستفراد بالسلطة وعدم تقييدها، كما تتناول بالنقد أداء الأمم المتحدة وعدم كفاءتها في إحراز التقدم المطلوب في مجال حقوق الإنسان، وهنا نص المقالة:

شيرين عبادي

تتحجج في الغالب دول إسلامية غير ديمقراطية، مثل إيران، بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ناشئ بشكل أساسي عن أنظمة القيم الأوروبية، وهو بالتالي لا يتوافق (في نظر تلك الدول) مع الثقافات والأديان الأخرى.

وبافتخار، يدافع مفوض حقوق الإنسان لدى حكومة إيران، محمد جواد لاريجاني، داخل اللجان الدولية عن تنفيذ “العقوبات الربانية”، ومنها قطع أيادي اللصوص والرجم. وفي الوقت الذي أكتب فيه هذه الأسطر يقبع أشخاص في السجن في إيران، لأنهم من أتباع البهائية، أو لمزاعم تحولهم من الإسلام إلى المسيحية، أو لأنهم نساء خلعن الحجاب. والقوانين الإيرانية، التي تُستخدم كمسوغٍ في هذه الحالات، يتم تبريرها من منظور فقهي إسلامي، غير أنها تنتهك حقوق الإنسان.

إعلان القاهرة في 1990

في عام 1990 تبنى وزراء خارجية البلدان الإسلامية إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، الذي صادقت عليه غالبية البلدان الإسلامية، ومن بينها جمهورية إيران. وإذا فهمنا إعلان القاهرة كطريق خاص بالبلدان الإسلامية في تنفيذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنه لا يمثل بذلك أية إشكالية. لكن إذا فهمت تلك البلدان إعلانها كمشروع بديل للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنها إذن تسلك هنا طريقاً خاطئاً.

ويجب على المسلمين، الذين يمنحون أنفسهم الحق في اعتماد إعلان حقوق إنسان خاص بهم على أساس دينهم؛ أن يسمحوا بذلك أيضا لأتباع الديانات الأخرى. وبالتالي سيتم الإعلان عن سلسلة إعلانات حقوق إنسان متعددة: إعلان يهودي، وإعلان بوذي وكثيرين غيرهما. أَمَّا أن ذلك لن يكون متوافقًا مع حقوق الإنسان المعتبرة والقابلة للتطبيق عالمياً، فهذه مسألة واضحة.

تحفظات الدول الملحدة خاطئة أيضا

الدول الملحدة رسميا مثل الصين، مع أنظمة حكم شيوعي، لا تقبل أيضا الصلاحية العالمية لحقوق الإنسان. وحسب وجهة نظرها تكون حقوق الإنسان مبررة في إطار الأنظمة الرأسمالية وقيمها، وليست منسجمة مع القيم الاشتراكية. لكن حتى حجة هذه الدول خاطئة. فحرية التعبير ليست في تناقض مع الاشتراكية، والشيوعية لا تعني الحكم المتسلط، بل هم دكتاتوريون يفهمون الشيوعية على هذا النحو ويطبقونها. وبالتالي فإن الإيمان بالله والاعتقاد بعدم وجود الله ذرائع لقمع الناس.

نواقص لدى الأمم المتحدة

ركزت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى اهتمامها على الحقوق المدنية والحقوق السياسية. ولم تحظ الحقوق الاجتماعية والاقتصادية بالاهتمام الكافي، وهذا أحد أسباب انتشار الفقر في العالم. ونتيجة لذلك، لا تحظ حقوق الإنسان بالاهتمام اللازم من جانب السكان في النصف الجنوبي من العالم، ويمكن للحكومات غير الديمقراطية أن تستهزئ بهذه الحقوق.

كما أن عدم كفاءة الأمم المتحدة، ولا سيما مجلس حقوق الإنسان، حال دون تحقيق تقدم حقيقي في مجال حقوق الإنسان على مدى السنوات السبعين الماضية. عند صياغة ميثاق الأمم المتحدة، كان هناك تفاؤل أكثر من اللازم في أن معظم الدول ستتمتع بدعم مواطنيها، وبالتالي، بوصفها ممثلة لمصالح ناخبيها، ستقوم بتوضيح الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان وإزالتها.

لكن كثيراً من الحكومات ليست منتخبة من قبل مواطنيها، ولا تستجيب لمطالب الرأي العام العالمي. إذن، فكيف نتوقع من البلدان التي انتهكت مراراً وتكراراً حقوق الإنسان أن تشجب انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان الأخرى؟ ولنفكر فقط في عضوية دول مثل المملكة العربية السعودية وسوريا في مجلس حقوق الإنسان.

العدالة جزء من العولمة

ستواجه حقوق الإنسان وقتاً عصيباً ما دام أن من ينتهكونها يمكن أن يفلتوا من العقاب. واختصاص المحكمة الجنائية الدولية يقتصر على الدول الأعضاء فيها. لذلك، يجب البحث عن طرق جديدة لمعاقبة الجناة. وإذا كانت المحاكم المحلية غير قادرة على توفير العدالة، فإن الدول الملتزمة بحقوق الإنسان يجب عليها أن تأتي لمساعدة الضحايا وإعطائهم الفرصة لتقديم شكاواهم.

ولذلك فقد حان الوقت للحديث عن عولمة العدالة. يجب محاسبة الأشخاص الذين ينتهكون حقوق الإنسان في بلدان أخرى. ولن تكون العولمة ناجحة إلا إذا نجحت في عولمة القضاء.

المصدر: DW

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى