السلطان يعقوب .. السراج المعلق في سماء البقاع الغربي

كتب خالد صالح

إن كانت بابل تُعرف بالجنائن المعلّقة، فإن في البقاع الغربي بلدة السلطان يعقوب، يصحّ ‏تسميتها بالبلدة المعلّقة، البلدة التي تقف كالسراج على أعلى نقطة فيه، ناطورة السهل ‏المتجذرة في الأرض والمشرعة صدرها للسماء. ‏

ترتاح ” السلطان يعقوب ” على جبل يتوسط البقاع الغربي على إرتفاع 1400 متراً، وتبدو ‏ليلاً كالمصباح معلّقاً في سماء السهل، وهي قسمان، الأول يرتاح في أسفل الجبل ويُعرف بإسم ‏‏” لوسي “، بينما القسم الثاني يكلل رأس الجبل ويحمل إسم ” السلطان يعقوب “.‏

هذه البلدة الهادئة، التي يغني فيها الريح مواويل السكينة، وتلمسها الشمس فور ولادتها، ‏تجعلك ترى السهل كما لم تره من قبل، في السلطان يعقوب فقط، يكون بمقدورك أن تجمع ‏طرفيه بلحظة واحدة، شرقاً من مجدل عنجر لتعانق راشيا، وغرباً من أبعد نقطة في الشمال ‏لتلامس تلك البحيرة الزرقاء النائمة في أحضان السهل.‏

تحولت البلدة بسبب ” مقام ” السلطان يعقوب، إلى مزار لأهالي البلدة والمنطقة الذين ينذرون ‏النذور لله عن طريق ” يعقوب “، فمنهم من ينذر نقوداً، أو ذبيحة، أو شمعاً، أو زيارة للبلدة ‏والمقام وهو حافي القدمين، ومنهم من يقرأ مولداً (سيرة الرسول) لأنه مر بشدة أو مصيبة، ‏وتضرع إلى الله بأن يفرج عنه بكرامة ” السلطان يعقوب ” نزيل المقام‎. ‎

السلطان يعقوب، هذه البلدة التي إرتبط إسمها بمعركة بطولية خاضتها القوى الوطنية مع ‏العدو الإسرائيلي إبان إجتياح العام 1982، وأصبحت ذائعة الصيت بعدها لاسيما عندما رصد ‏العدو مبلغ عشرة ملايين دولار مقابل الحصول على معلومات عن جنوده الثلاثة الذين فقدوا في ‏هذه المعركة، والتي سقط فيها للعدو حوالى ثلاثين قتيلاً وتدمير عدد من آلياته العسكرية.‏

السلطان يعقوب، ما أصل التسمية، وهل فعلاً أن سلطاناً يدعى يعقوب مدفون فيها ؟، ومن هو ‏السلطان يعقوب ؟، وما هي أعماله، ولماذا إختار تلك المنطقة لإقامته، ولحفر ضريحه فيها ‏فأعطى إسمه لهذه البلدة ؟.‏

السلطان يعقوب هو أحد أشهر ملوك وسلاطين دولة الموحدين التي نشأت في الأندلس على ‏أنقاض دولة المرابطين، إنه أبو يوسف يعقوب بن أبي يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن ‏بن علي القيسي الكومي، الملقب بالمنصور، الذي حكم بلاد الموحدين وهو في سن الثانية ‏والثلاثين من عمره مدة خمسة عشر عاماً، ولد عام 545 هـ وتوفي عام 595 هـ وفق ما كتب ‏على اللوحة فوق مدخل المقام في البلدة وهذا ما أكده يوسف الجاروش، إبن البلدة، في كتابه ” ‏السلطان يعقوب بطولة وتراث “.‏

حرم المقام يتربع فوق أعلى تلة في الجبل الذي يشرف على البقاع، والمقام غرف عدة محفورة ‏في الصخر، وتشير بعض المخطوطات إلى أن السلطان حفرها بنفسه، الغرفة الأولى مصلى ‏طوله ثلاثة أمتار وارتفاعه نحو متر و90 سنتيمتراً وعرضه متران، يبلغها الزائر بعد اجتيازه ‏عتبة صغيرة خلف باب حديدي أسود في زاوية المصلى مكتبة متواضعة جداً، شرق المصلى ‏باب خشبي يؤدي إلى غرفة حُفرت هي الأخرى في جوف صخرة ضخمة، ولها نافذة صغيرة ‏تطل على بلدة السلطان وسهل الفالوج. ‏

في سقف الغرفة المذكورة ” كوة ” يمكن من خلالها رؤية قبة المقام المنحوتة أيضاً في ‏الصخر، وفي قاعدة القبة أمكنة لإيقاد الشموع، ومكان لإيفاء النذور مع الإشارة إلى أن ‏المساحة مغطاة بالسجاد، إلى يمين الباب الخشبي غرفة بيضوية الشكل وضع داخلها ضريح ‏السلطان يعقوب، وأشير إلى ذلك بشاهد حمل إسمه وتاريخ ولادته ووفاته‎.‎

إلى جانب المقام الذي تقوم على خدمته الآن لجنة من أبناء بلدة السلطان، شيد مسجد حديث ‏تداخلت في بنائه فنون العمارة الاسلامية القديمة، مع متطلبات الهندسة الحديثة وأخذ في ‏الحسبان كل ما يختزنه موقع المقام من تاريخ ورموز‎.‎

من موقعها المميز، إلى التاريخ العربي والإسلامي للسلطان الذي تحمل إسمه، إلى تلك ‏المعركة التي ستظل محفورة في تاريخ صراعنا مع عدونا الأبدي، تتركك السلطان يعقوب ‏بحالة نفسية مطمئنة، لطيبة أهلها وخشيتهم وكرمهم، فتحمل وأنت تغادرها وفي داخلك سلاماً ‏لم تكن تشعر به قبل وصولك إليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى