بائع البراويز: من البصرة إلى برج أبي حيدر.. خرّيجون من “كميون” و”ختم أبو عماد” المشهور

زهير دبس

ينشر لوحاته على الرصيف بجانب المستوعب الذي حوله إلى محل للبراويز ويجلس على كرسيه منتظراً الزبائن، وفي أحيان يقفل المستوعب ويترك عبارة سنعود بعد قليل، ليتابع عمله من الصباح حتى المساء.

من البصرة في العراق حيث وُلد عام ١٩٣٢، مروراً بالكويت حيث عاش فترة لا بأس بها، وصولاً إلى بيروت التي حط رحاله فيها منذ العام ١٩٦٦، يصنع عبد الودود نعمة ابراهيم من «براويز» الصور واللوحات حكاية مهنته التي استأنست الجلوس هنا منذ ٤٠ عاماً على أحد الأرصفة في منطقة برج أبي حيدر، وصارت جزءاً من الرصيف وبروازاً جميلاً تتزيّن به ذاكرة المدينة.


عبد الودود الذي تزوج حينها من هيام مناصفي ابنة مختار المصيطبة وأنجب منها ٧ أولاد عمل في مجال تجارة الأحذية قبل أن ينتقل إلى مهنة «البراويز» واللوحات ويستقر هنا على أحد الأرصفة في برج أبي حيدر، والذي أصبح معلماً من معالم المنطقة وجزءاً منها، وقد يصلح لأن يتحول إلى صورة «مبروزة» محفورة في ذاكرة المدينة.

في المستوعب الذي حوله إلى محل للبراويز ويمتلئ باللوحات والصور من كل الأنواع يحكي «أبو عماد» حكايته مع تلك المهنة التي احترفها منذ العام ١٩٧٣. يشير بيده إلى سقف المستوعب والثقوب البادية عليه وتشهد على جولات الحرب في بيروت، ويقول: «لم أغادر هذا الرصيف وشهدت كل الحروب التي مرّت على بيروت، وعند نهاية كل حرب كنت أرمّم المستوعب وأعود لمزاولة عملي من جديد.
يقول عبد الودود: «عملت في البراويز مع شخص يدعى أنطوان خليل من المنصورية، وبعت الكثير من الصور التي كنت أبروزها في العديد من الدول الخليجية، ومن ثم تابعت عملي هنا في هذا المستوعب أعتاش منه».

عبد الودود يقول إنه يبروز للدولة أوسمة ولقوى الأمن وللجيش، و«أسعاري مقبولة». ويتابع «زبائني كلهم «تقالة» يقصدونني من كل المناطق، واسمي أصبح معروفاً، والعديد العديد من الناس لا يشترون صوراً أو لوحات إذا لم يكن «ختم أبو عماد» موقعاً عليها. ويستطرد: «محلي الثاني في بيروت من حيث الترتيب، وهذا «الكميون» (يقصد المستوعب) خرّج ١٠٠ شخص أصبح لديهم الآن محلات براويز».
يقول عبد الودود إن وقوفه في المكان شرعي، فهو يدفع الرسوم للبلدية بشكل دوري، ومهنته مسجلة في غرفة التجارة والصناعة والزراعة منذ ٥٠ عاما. يتابع: «المخالفة الوحيدة التي أقوم بها هي أني أنشر لوحاتي على الرصيف، وهذا فن يجمّل المشهد ولا يشوهه، وأنا أنظف الرصيف كل يوم أكثر من مرة».


أبو عماد الذي يبلغ من العمر ٨٦ سنة لا زال يقود سيارته إلى الآن ولا يشكي من شيء أبداً ويقول: «توفيت زوجتي منذ تسع سنوات وتزوجت من جديد منذ حوالى السنة وأتحدى الشباب أن «يعملوا صواريخ» أفضل مني.

أبو عماد جرّب أن يرسم ولم يفلح في ذلك لكنه يقول إنه يتمتع بذوق فني رفيع ويستطيع إصلاح عيوب في اللوحات، وأشار قائلاً: «الرسم له أربابه ويحتاج إلى الموهبة».

بين العراق والكويت ولبنان اختار أبو عماد بيروت وقال إنها أجمل مدن العام، فعلى رصيفها ينشر لوحاته وفي شوارعها أمضى معظم حياته، وبين أزقتها سيكمل ما تبقى له من عمر.

الرصيف في منطقة برج أبي حيدر يتزين ببراويز عبد الودود، ولوحاته تتشارك مع الشعارات السياسية جدران الشارع، ومستوعبه الذي يحفظ العديد من الصور يحفظ ذاكرة الأرصفة التي يبقى لها مع عبد الودود طعماً آخر والكثير من الحكايا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى