ملكية وسائل الإعلام في لبنان لمن؟!

منظمة “مراسلون بلا حدود” ومؤسسة سمير قصير تطلقان مشروع مرصد ملكية وسائل الإعلام في لبنان.
فيما يُنظر غالباً إلى بيئة الإعلام في لبنان على أنها الأكثر حرية في العالم العربي، إلا أنها تبدو متلاصقة بشكل وثيق مع القوى السياسية المحلية والأجنبية الفاعلة على أرضه. وتستفيد مجموعات سياسية أساسية، بالإضافة إلى عدد من أبرز العائلات، من ضعف الإطار القانوني واختلاله، وسريان ثقافة التساهل في تطبيق القوانين. بالتالي، تمكنت هذه العائلات من الحفاظ على قبضتها مطبقة على فئات من الرأي العام، لا بل عززتها، على مرّ الأحداث الدراماتيكية التي توالت في لبنان وجواره خلال العقود الفائتة.
للمرّة الأولى، باتت هوية هذه الجهات، إضافة إلى مصالحها وهيكلياتها وعلاقاتها، جلية بفضل هذا العمل الاستقصائي الشامل، الذي أعلن عنه في بيروت اليوم. وبات من الممكن الاطلاع على تفاصيل مشروع “مرصد ملكية وسائل الإعلام” في لبنان باللغتين العربية والإنجليزية على الموقع الخاص، http://lebanon.mom-rsf.org، وهو مشروع مشترك بين منظمة “مراسلون بلا حدود” ومركز “سكايز” للدفاع على الحريات الإعلامية والثقافية في “مؤسسة سمير قصير”.

تبيّن أن السوق الإعلامي اللبناني النابض بالحياة ظاهرياً، خاضع في الواقع لسيطرة عدد محدود من أصحاب الوسائل الإعلامية، ذوي الارتباطات السياسية العميقة، من خلال أحزاب أو عائلات سياسية. وتنشأ تهديدات إضافية أمام التعددية الإعلامية بسبب الخطوط التحريرية التي تتحدد وفقًا للاعتبارات السياسية والعلاقات المتقلبة بين الجهات السياسية والثغرات التنظيمية المتعددة.
وقد علّق المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير أيمن مهنا، على إطلاق المرصد قائلًا، “ينعكس التنوّع السياسي والطائفي اللبناني بشكل كبير في وسائل الإعلام. إلا أنه سمح للأنظمة المختلفة في الشرق الأوسط بالتدخل في شؤون لبنان بطرق عدة بما في ذلك من خلال الاستثمار في القطاع الإعلامي اللبناني. ويشهد هذا القطاع، منذ وقوع الأزمة المالية عام 2008 وبدء الربيع العربي عام 2011، تضاؤلاً في هذه الأموال، ولهذا التطور نتائج إيجابية وسلبية في آن”.

من جهته قال أولاف ستينفاد، المدير العالمي لمشروع “مرصد ملكية وسائل الإعلام” في منظمة “مراسلون بلا حدود” أن “الواقع اللبناني نموذج مثير للاهتمام. إذ نلحظ أن غياب القوانين وضعف تطبيقها لا يعنيان بالضرورة التمتع بحرية أكبر. ويصب التساهل في الكثير من الأحيان في مصلحة المتنفذين القادرين على الالتفاف على القواعد وتعزيز سلطتهم”.

أسواق مركزة في أيادي ثماني عائلات وثلاثة أحزاب سياسية
قام مشروع “مرصد ملكية وسائل الإعلام” بتحليل أوضاع 37 وسيلة إعلامية تتمتع بأعلى حصص متابعة في لبنان. وقد بيّن البحث أن المشهد الإعلامي اللبناني يتسم بدرجة تركّز عالية. إذ تستحوذ الشركات التلفزيونية الأربع الأولى، وهي المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناسيونال ش.م.ل (LBCI)، والجديد ش.م.ل، وMTV ش.م.ل، واللبنانية للإعلام (OTV)، على متابعة 8 من أصل عشرة مشاهدين تقريباً (78.1% من نسب المشاهدة). وهي مملوكة على التوالي من عائلات الضاهر-سعد، وخياط، وعون، وغبريال المر.
أما في قطاع المطبوعات، فتبرز حالة تركز مشابهة إذ تستحوذ الشركات الأربع الأولى وهي شركة الجمهورية نيوز كورب ش.م.ل، وشركة النهار ش.م.ل، وشركة أخبار بيروت ش.م.ل، وشركة النهضة ش.م.ل (الديار)، نسبة مشابهة من القراء تبلغ 77.9%. ويتمثل المساهمون الأساسيون في هذه الشركات بكل من ميشال الياس المر، وعائلتي الحريري وتويني، وإبراهيم الأمين، وشارل أيوب على التوالي. في المقابل، يبدو أن قطاع الإذاعات أقل تركزاً بقليل نظراً لأن الشركات الأربع الأولى وهي الشركة العصرية للإعلام ش.م.ل (صوت لبنان 93.3)، وشركة لبنان الحر للإنتاج والبث ش.م.ل (إذاعة لبنان الحر)، ومجموعة المدى ش.م.م (صوت المدى)، والشركة الجديدة للإعلام المرئي والمسموع (صوت لبنان 100.5)، تستحوذ على 72% من المستمعين. ويتمثل حملة الأسهم في المراتب الأربعة الأولى بكل من عائلة الخازن، وحزب القوات اللبنانية، والنائب عن التيار الوطني الحر الياس بو صعب، وحزب الكتائب.
تفرض هذه التوجهات على مستوى تركز المتابعة، مدعمة بمشهد سياسي شديد الانقسام، وغياب السبل السليمة للتنظيم، خطراً كبيراً على التعددية الإعلامية في لبنان.

المعدل الأعلى للتسييس

بالمقارنة بمراصد ملكية وسائل الإعلام في البلدان الـ16 المشمولة في المشروع، يُظهر لبنان المعدل الأعلى للتسييس بوجود 29 وسيلة إعلامية من بين 37 وسيلة مشمولة في الدراسة (78.4%) تعود ملكيتها المباشرة إمّا إلى الدولة أم إلى نواب أو وزراء أو مرشحين نيابيين حاليين أو سابقين أو أحزاب سياسية.
تغطي وسائل الإعلام المسيّسة النسبة الكاملة للمشاهدة التلفزيونية، ونسبة 93.5% من قراء المطبوعات، ونسبة 79.3% من مستمعي الإذاعات. إلى ذلك، تعود ملكية أكثر المنصات الإخبارية الالكترونية إلى أحزاب سياسية ما يفاقم من خطر للتسييس والاستقطاب.
لا يتضمن القانون اللبناني أي أحكام خاصة بتضارب المصالح التي من شأنها أن تمنع الشخصيات الحكومية والنواب أو أفراد عائلاتهم من امتلاك حصص في المؤسسات الإعلامية. ولا يوجد ما يُجبر أصحاب وسائل الإعلام على الكشف عن ارتباطاتهم السياسية مثلًا في السجل التجاري التابع لوزارة العدل.

“نظام الملل السياسية”
يتضمن قطاع البث (التلفزيوني والإذاعي) قيوداً قانونية تحدّ من احتكار ملكية وسائل الإعلام، إلا أن قطاع الإعلام عموماً يبقى حكراً على العائلات السياسية إلى حد كبير. وفي سياق البحث، وجد فريق مشروع “مرصد ملكية وسائل الإعلام” أن 12 عائلة بارزة، على الأقل، منخرطة في قطاع الإعلام. إذ تملك عائلة الحريري أسهماً في وسائل إعلامية عدة، وهي الوحيدة التي تملك حصصاً في القطاعات الإعلامية الأربعة (المطبوعات والإعلام الالكتروني والإذاعة والتلفزيون). ويمثّل جميع الوسائل التي تشترك العائلة في ملكيتها ما لا يقل عن 29.6% من قراء المطبوعات المتداولة في لبنان (صحف المستقبل وذا دايلي ستار والنهار) و7.7% من نسب الاستماع الإذاعي (إذاعة الشرق) و7.8% من نسب المشاهدة التلفزيونية (تلفزيون المستقبل). ويبرز أربع مالكين آخرين لوسائل إعلامية في أكثر من قطاع إعلامي واحد.
نتيجة لذلك، يسيّر قطاع الإعلام وفقًا للمصالح العائلية والسياسية. وتضم 43% من وسائل الإعلام المشمولة في عينة المشروع كحد أدنى أحد أفراد العائلات الـ12 التالية بين مالكيها أو في مجالس إدارتها أو في الاثنين معاً: عون، والضاهر-سعد، وإده، وفارس، والحريري، وخياط، والخازن، وميقاتي، والمر، وفرعون، وسلام، وتويني. كما أن أكثر من ثلث هذه الوسائل مملوك مباشرة من عائلة واحدة من هذه العائلات. وبحسب خلاصات مشروع “مرصد ملكية وسائل الإعلام”، يقوم تصميم هندسات إدارية في بعض الحالات بغية إخضاع وسائل الإعلام لسيطرة عائلة واحدة، في التفاف على القوانين مرعية الإجراء.

ألاعيب الشفافية وحيل قانونية
على الرغم من أن الشفافية واجب قانوني على جميع وسائل الإعلام اللبنانية المسجلة كشركات، إلا أن معظم المعلومات المتوفرة علنياً متقادم. كما أنه من السهل الالتفاف على الأحكام القانونية الموجودة ما يوفر دليلًا آخر على أن إنفاذ القانون يتوقف عند حدود السياسيين المتنفذين. كما خلص فريق “مرصد ملكية وسائل الإعلام” إلى أن بعض الوسائل يعمل خارج نطاق القانون وأن البعض يتجاهل مجموعة من القيود التي يفرضها قانون الإعلام المرئي والمسموع لسنة 1994، أو يقوم بعض أصحاب وسائل الإعلام في قطاع البث والإرسال بانتهاكها بوضوح، وأن أكثر من 60 وسيلة سياسية مطبوعة لا تزال محتفظة بامتيازاتها على الرغم من أنها توقفت عن الطباعة والنشر منذ سنوات. وفي هكذا سياق حيث معظم أصحاب وسائل الإعلام الذين شملهم المشروع هم من السياسيين الممثلين حالياً أو سابقاً في السلطتين التنفيذية والتشريعية، تصبح المساءلة ضرباً من ضروب الخيال لأنهم يضطلعون بدور الحكم والطرف في الوقت نفسه.

مشروع مرصد ملكية وسائل الإعلام
أطلقت منظمة “مراسلون بلا حدود” هذا المشروع بتمويل من وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية ليكون مشروعاً عالمياً للبحوث والمناصرة من أجل تعزيز الشفافية والتعددية الإعلامية في العالم. وفي لبنان، جرى تنفيذ المشروع بصورة مشتركة مع “مؤسسة سمير قصير”. كما سبقت هذه النسخة دراسات في كل من ألبانيا والبرازيل وكولومبيا وكمبوديا وغانا والمكسيك ومنغوليا والمغرب والبيرو والفيليبين وصربيا وسريلانكا وتانزانيا وتونس وتركيا وأوكرانيا. ويمكن الاطلاع على جميع النتائج التي توصل إليها مشروع مرصد ملكية وسائل الإعلام على الموقع التالي: www.mom-rsf.org.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى