أمل والتيار الوطني في مواجهة قارية: الحرب على الاغتراب


مناطق نت
يبدو أن الغمز الذي أطلقه الرئيس بري وأصاب وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل حول عدم تمييزه بين «المغترب» و«المنتشر»، سيكون بمثابة إشارة الانطلاق للسباق الانتخابي والذي سيشكِّل الاغتراب أولى ساحاته. فعلى مرمى أسبوع تقريباً من السابع والعشرين من نيسان موعد المحطة الأولى من الاستحقاق الانتخابي وهي اقتراع المغتربين، تبدو المنازلة بين الرئيس بري والوزير باسيل حول اقتراع المغتربين أبعد من مسألة اقتراع هؤلاء لتطاول الشأن الاغترابي برمته والذي يعتبره الرئيس بري حيوياً بالنسبة إليه، حيث لطالما أولاه اهتماماً خاصاً من خلال الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم التي تعتبر بيت الاغتراب اللبناني وأكبر مؤسسة اغترابية حيث شكلت حركة أمل ثقلاً أساسياً فيها خلال العقود الأخيرة.
السجال انسحب على مراقبة عملية اقتراع المغتربين وشفافيتها في ظل انتشار هؤلاء في ٤٠ دولة تضم ١١٦ مركزا موزعين على 232 قلما وتحتاج إلى حوالى ١٥٠ رئيس قلم ستُجرى العملية من دونهم حيث تعذّر ذلك، وهذا يُعتبر خرقاً فاضحاً للقانون الانتخابي وآلية الاقتراع فيه، وقد يشكّل مادة دسمة للطعن بعملية اقتراع المغتربين الذي نص قانون الانتخاب في مادته الـ ١١٧ على: «يعين السفير أو القنصل بالتنسيق مع الوزارة، بواسطة وزارة الخارجية والمغتربين، هيئة كل قلم على أن لا تقل عن رئيس وكاتب من بين الموظفين العاملين في السفارة أو القنصلية، أو من المتعاقدين عند الضرورة شرط أن يكونوا لبنانيين وتطبق عليهم كافة القوانين اللبنانية ذات الصلة، على أن يُحدد صلاحيات كل منهم». والسؤال هو هل يستطيع ملاك وزارة الخارجية المتواضع في الخارج من سفارات وبعثات دبلوماسية من تأمين هذه الشروط القانونية التي تستوجبها عملية الاقتراع.
المنازلة بين التيارين الأخضر والبرتقالي ستتفاعل بعد الانتخابات وسيكون الاغتراب ساحة رحبة لها، فأداء الوزير باسيل فيما خص الشأن الاغترابي لم ينل رضى الرئيس بري الذي يبدي انزعاجاً واضحاً من ذلك الأداء، وهو ما بدا جلياً خلال كلمته التي ألقاها في اللقاء السنوي للاغتراب اللبناني الذي نظمته حركة أمل وكان جزءاً كبيراً منها موجهاً إلى باسيل حيث قال: « هم يعرفونكم كطائفيين لا كلبنانيين.. هم يعرفونكم كتجار لا يعرفونكم ككادحين.. الحقيقة حتى الآن لا يعرفونكم أنكم لبنان الحقيقي مهما حاول بعض الصاغة التقليد والتزييف».
لقد أدّت المقاربات الملتبسة في الشأن الاغترابي للوزير باسيل وتمظهرت في «لقاءات الطاقة الاغترابية» إلى نفور متزايد للرئيس بري من تلك المقاربة وهو ما كان ينعكس مشاركة خجولة للمكوِّن الشيعي الاغترابي في تلك المؤتمرات، والتي كان يطغى عليها المشاركة الطائفية من لون واحد ومن مناطق محددة دون سواها. ولعل ما جاء في كلمة الرئيس بري الآنفة الذكر كان واضحاً لجهة رؤيته للجهة الصالحة التي عليها التعامل مع المغتربين حيث قال من ضمن التوصيات: «اطلاق فعاليات وزارة المغتربين حسب الاسباب الموجبة التي دعت الى انشائها وتفعيل عمل بقية الوزارات مع بلدان الاغتراب، بما يُشعر المغتربين وكأن هناك حكومة اغتراب كاملة تعمل لاستعادتهم الى لبنان ولاعادة لبنانهم اليهم بدءاً بتحويل المنتشرين الى مغتربين». مضيفاً غامزاً من قناة باسيل «الحمدلله لا يعرفون الفرق بين المنتشرين والمغتربين».
لقد صوّب الرئيس بري من خلال اللقاء الاغترابي المذكور توصياته الاغترابية وصاغ خطاباً خاصاً مغايراً عن الذي يتوجه به باسيل إلى المغتربين إذ قال في رد مبطن على الأخير «ان الاستحقاق الانتخابي يجب ان يشكل فرصة حقيقية لاطلاق ادوار الدولة ولوقف احتفالات التكاذب الوطني وبيع الماء في حارات السقايين على ما يقول المثل المصري، وبيع الاحلام للبنان المقيم والمغترب وتقسيم اللبنانيين تحت مزاعم الطوائف والمناطق، مثل هؤلاء ليس في تاريخهم سوى اللعب على وتر الحساسيات الطائفية والمذهبية التي طالما دمرت لبنان والتي دمرت لبنان منذ عام 1860 مروراً 1958 وصولاً لعام 1975 ومع ذلك لا أحد يتعلم ولا أحد يحفظ الدرس.
لقد شكّلت المقاطعة الشيعية الإفريقية لمؤتمر الطاقة الاغترابية الذي انعقد في أبيدجان خلال الفترة المنصرمة «بروڤة» لما ستؤول إليه حال لقاءات الطاقة الاغترابية التي ينظمها باسيل سنوياً، وتنذر أن توجهاً وخطاباً موازياً سيبدأ العمل فيه فور انجلاء غبار الانتخابات وهو ما يؤشِّر إلى أن الخلافات والمنازلات في الساحة الاغترابية ستشتد وطأتها وهو ما سيكشف عنه الآتي من الأيام.
على صلة: توقعات خجولة لاقتراع المغتربين..والمال الانتخابي يتدفق إلى استراليا