صفحة للنساء فقط .. وزارة ليست حبراً على ورق!
زهير دبس
لم تكن تتوقع فرح أبي مرشد أن الصفحة التي عزمت على إنشائها على الفايسبوك تحت عنوان «مساحة دعم وحب للنساء» (صفحة خاصة) ستلقى كل هذا الإقبال والتفاعل والاهتمام خصوصاً أن الدخول إليها يتم عبر دعوة خاصة، إذ تجاوز عدد المتابعين للصفحة حوالى ٥٣٠٠ متابع كلهن من النساء. ولم تكن تتوقع أيضاً أن الصفحة ستخرج عن إطارها الحواري والمساعدات الاستشارية التي تتعلّق بالنساء، لتتحوّل إلى منصة تفاعلية للتكافل والتضامن الإنساني وتبدأ بعملية إغاثة ومساعدة للعديد من الأسر المحتاجة والأشخاص الذين لا معين لهم.
الانطباع الذي تخرج به بعد اللقاء مع «فرح أبي مرشد ملاعب» لن يكون هو ذاته قبل اللقاء. ستشعر حتماً وتلقائياً أن هناك صدمة ما حدثت وأن طاقة إيجابية كبيرة تسللت إليك، لتحل مكان الطاقة السلبية التي تكتسبها يومياً جرّاء الإحتكاك اليومي مع الناس ومعاناتهم ومشاكلهم. ستتفاجئ بما تقوم به مع سائر النسوة من مبادرات جبارة تثمر إنجازات إنسانية يعود لها الفضل في إبقاء أفراد وأُسر بمنأى عن العوز والجوع.
صناعة الأمل مع هؤلاء النسوة ليس «كليشيهاً» استعراضياً يبقى بلا صدى، بل عمل دؤوب عابر للطوائف والمناطق والاصطفافات السياسية، هدفه واحد أحد وهو تعميم ثقافة التضامن والتكافل الاجتماعي والبر وأعمال الخير من خلال مساعدة الأسر المحتاجة بعيداً عن الأطر «الجمعياتية» التي أفقدت الكثير من تلك الجمعيات مصداقيتها وأفرغتها من مضامينها.
فرح تترأس جمعية «جفرا» في بيصور والتي تعمل على أكثر من مشروع منها برنامج دعم نفسي اجتماعي للأطفال وللكبار وتدريبات والدية وطفولة مبكرة، وأيضاً تمكين مهني – حرفي ودورات محو أمية ومصطلحات زراعية، كذلك لدى الجمعية مجموعة نسوية أطلقوا عليها «نون التضامن» يقوم عملها على جمع نساء من أربعة مناطق متجاورة جغرافياً لكنها مختلفة مذهبياً. الهدف من ذلك هو التلاقي والحوار بين النساء بعد الجروح التي خلفتها الحروب الأهلية وجولات الاقتتال الداخلي التي أدّت إلى قطيعة بين تلك المناطق.
تقول فرح «بادرنا إلى تنظيم عمل تنسيقي نسوي بين المناطق الأربعة أدى إلى نتائج ممتازة من حيث التلاقي والحوار». تتابع فرح: «أدى ذلك إلى حالة إفصاح بادرت بها صبية كانت مقاتلة شاركت في الحرب وتفتش عن ضحاياها، وقد تعاطى معها الصبايا بالكثير من الموضوعية بغية طي صفحة الحرب». إضافة لتلك البرامج أقامت «نون التضامن» مبادرة لتكريم عاملات النظافة في المدارس وكان ذلك في فترة عيد المعلم والهدف من ذلك هو تسليط الضوء على شرائح نسائية مهمشة تفتقد إلى الحد الأدنى من أنظمة الحماية الإجتماعية، وهم حتى في يوم المعلم يكون دورهم جلب الصحون والشوك إلى المكرمين. وفي ذلك اليوم قامت العاملات بالاهتمام بأنفسهن (ماكياج وشعر) وتمت دعوتهن إلى حفل غداء في بيروت وحضور فيلم سينمائي».
«مساحة دعم وحب للنساء»
عن صفحة «مساحة دعم وحب للنساء» تقول فرح إنها تتواجد على أكثر من صفحة تعنى بالنساء والملاحظة الغالبة حسب فرح أن معظم تلك الصفحات تتضمن «نكات» مهينة للنساء وغالبها يتضمن إيحاءات جنسية مبتذلة، لذلك فكرت فرح أولاً «بإمكانية إطلاق فضاء يُطاول النساء المهمشات البعيدين كل البعد عن المنظمات النسائية التي لا تعرف عنهن شيئاً وعن قضاياهن وحاجاتهن، فضاء يعبر عن هؤلاء النسوة». إطلاق الصفحة كشف الهوة السحيقة التي تفصل بين النساء وقضاياهن من جهة وبين المعنيين الرسميين الذين يدعون العمل على مساعدة النساء. فما يجري من تفاعل في الصفحة بين النسوة يعكس حجم هذه الهوة وحجم الغبن الذي يلحق بالنساء اللواتي يمتلكن طاقات هائلة لا زالت مقيدة باعتبارات عديدة.
في ٢٩ آب الماضي أنشأت فرح على الفايسبوك صفحة «مساحة دعم وحب للنساء» ولم تتوقع أبداً أن يقبل هذا العدد «الهستيري» بحسب تعبير فرح على الصفحة. وقالت «كتبت تعريف عن نفسي وطلبت من الآخريات التعريف بأنفسهن، حيث بدأت تتضح حاجة هؤلاء النسوة للإفصاح والتحدث وبدأ يظهر أهمية ما بادرنا من أجله».
الصفحة خاصة ولا يتم الدخول إليها إلا من خلال دعوة وقد تجاوز عدد المنضمات إليها أكثر من ٥٢٠٠ وهناك أكثر من ٨٠٠ طلب دخول بالانتظار. وفي هذا الإطار تقول فرح «إن ما تعرضت له من هجوم كان شرساً حيث اتهمت بأنني أحرّض على الفسق والفجور والمثلية، وأنها «درزية» لديها مشروع مشبوه وغيرها من الاتهامات التي تخطيناها». عن جنسيات النساء في الصفحة تقول فرح إن العدد الأكبر هنّ لبنانيات يعشن بين لبنان والخارج وهناك مشاركة عربية لافتة من عدد من البلدان منها مصر، العراق، اليمن، تونس، فلسطين.
أثناء الثورة في ١٧ تشرين كان التحدي الأكبر للصفحة وأعضائها إذ انعكست الأحداث عليها وانقسمت النسوة بين مؤيدة ومعارضة ومتحفظة، وهنا تقول فرح: «بدأت النقاشات الفعلية وظهرت دعوات إلى النأي بالصفحة عن السياسة وعدم التحدث بها. عندها انتفضت وقلت أنه لا يجوز أن يكون هناك «تابويات» ممنوع التحدث بها ونحن نساء فاعلات في السياسة وفاعلات في هذا المشهد فلماذا ممنوع علينا في الصفحة التحدث بها، ويجب أن نخرج من مقولة أن كل حديث بالسياسة يؤدي إلى خصومة واقتتال».
إلى أين تودون الذهاب بالصفحة؟.. تقول فرح إنها ليست هي من يملك الصفحة. لقد أصبحت ملك المجموعة». تتابع: «إسم الصفحة يعبّر عنها وهي مساحة دعم معنوي بالدرجة الأولى وهي فضاء تفاعلي ينتج عنه ليس حوارات في العمق بل تضامن وتكافل إنساني من خلال أعمال المساعدة التي انتشرت على نطاق واسع في الصفحة وهي بدأت قبل الثورة، وأستطيع أن أتحدث عن عشرات إن لم أقل المئات من المساعدات التي يقمن بها أعضاء الصفحة وسأعطي مثالاً صغيراً هو أننا طلبنا مساعدة في تأمين كرسي متحرك لفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة فتأمنت بأقل من ٢٤ ساعة. هناك نموذج آخر عن فتاة في بيصور تمت مساعدتها وتمكنت من افتتاح مطبخ للصحن اليومي في منزلها. وأيضاً هناك صبية بدأت تبيع الأجبان والألبان على المحلات، وغيرها الكثير».
«في السابق كنا نفضل تمكين النساء من أجل أن يقمن بأعمالهن الخاصة تقول فرح، لكن اليوم وفي ظل الانهيار الاقتصادي وحجز أموال الناس في المصارف تعمّقت الضائقة الاقتصادية وأصبح من أولوياتنا إعانة الناس بكل الأشكال ومنها العينية والمادية والغذائية ويتوقف ذلك على تجاوب أعضاء المجموعة الذين لا يقتصر عملهنّ داخل الصفحة بل ينقلن ذلك إلى خارجها. الأزمة عميقة تتابع فرح والطلب على المساعدة «مرعب» وهو يطاول كل شيء ومنها الدواء «في ناس ما معها حق دوا».
نتابع الموضوع بكل تفاصيله وحذافيره والمساعدات تشمل كل شيء توضح فرح وتشرح: «من أجهزة التدفئة والمواد الغذائية والدواء والألبسة وصولاً إلى قروض بنكية عجز أصحابها عن سدادها وبدل إيجارات، فهناك أشخاص تقطعت بهم سبل العيش وأصبحوا مهددين بسكنهم. هناك حالات كثيرة بعضها مؤلم وهناك مبادرات وتقديمات سخية من لبنان وخارجه، وكله موثق وفق كشوفات شفافة ودقيقة وعلنية».
بعض الصبايا في الصفحة شاركن بشكل فعّال ولافت في أعمال إطفاء الحرائق التي اندلعت في الإقليم وقمن بعمل جبار. في الثورة وفي هذا الإطار تقول فرح: «دعونا للنزول إلى الشارع وقمنا بتحركات كـ «صفحة» والتقينا وشاركنا، وأيضاً حصلت مواقف حادة ومتشنجة وهذا طبيعي». وعدّدت فرح «الأدمين» في الصفحة وهنّ: سارة بو غزالة، يارا حركة، سالي عيد، سينتيا سليمان، ندى ناصيف، رانيا شومان وسيمارد حرب. وأكّدت فرح أنها بالرغم من أنها أنشأت الصفحة لكنها لا تملكها.
تختم فرح: «هناك مجموعة أعراف تمّ وضعها بعد نقاش مع الجميع، وهي تحكم لغة الصفحة، والالتزام بها هو مسؤولية كبيرة. في الصفحة تُعرض مشاكل النساء وحاجاتهنّ وما يتوجب مساعدته يتم الاستعانة بإختصاصيين يلبون المساعدة».
«مساحة دعم وحب للنساء» صفحة تفاعلية خرجت عن إطارها الافتراضي، لتتحول إلى مساحة تفاعل إنساني حقيقي تحاول أن تقوم بما عجزت عنه الدولة والعديد من الجمعيات التي لا نعرف منها سوى أسماء وهمية، تسلّقت على العمل الاجتماعي والانساني واتخذت منه عنواناً للنهب والسرقة، فيما تفتش فرح مع زميلات لها بجهد وكد عن دولة فلا يجدونها، وبذلك يذيلن أعمالهن بتوقيع «بدل عن ضائع».