انخفاض مؤشرات الحرب يكبح الخوف وإيجارات المنازل
فور حدوث الغارة الإسرائيليّة على حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبيّة في 30 تموز (يوليو) الماضي وتوعّد حزب الله بالردّ، قرّر محمّد عيسى أن ينتقل مع عائلته من مدينة صور إلى إحدى بلدات جبل لبنان خوفًا من تطوّر المواجهات. قرار عيسى سرعان ما تبدّل مع دعوة أمين عام حزب الله حسن نصرالله، الأحد الماضي، المواطنين الذين نزحوا إثر هذا التصعيد إلى العودة لحياتهم الطبيعيّة.
وعلى الرغم من عدم تسجيل موجات نزوح كبيرة على غرار ما شهدناه في الاجتياحات والحروب الإسرائيليّة السابقة، إلّا أنّه يمكن ملاحظة بعض حالات النزوح المحدودة من الضاحية الجنوبيّة والجنوب، لا سيّما من مواطنين يملكون منازل في مناطق يعتقدون أنّها “آمنة” أو لديهم أقارب في تلك المناطق.
عودة سريعة
عودة عيسى، لم تكن حالة استثنائيّة، بل كانت ضمن سياق شبيه سار عليه كذلك أحمد عواضة بعد أن قرّر العودة إلى منزله الكائن في حارة حريك بعد أقلّ من شهر على انتقاله وعائلته إلى عاليه واستئجار منزل مفروش مقابل مبلغ 2000 دولار أميركي، فـ”أسعار الإيجارات الجنونيّة وابتعاد شبح توسّع الحرب”، دفعاه للعودة إلى منزله، بحسب ما يقول لـ”مناطق نت”.
على الرغم من عدم تسجيل موجات نزوح كبيرة على غرار ما شهدناه في الاجتياحات والحروب الإسرائيليّة السابقة، إلّا أنّه يمكن ملاحظة بعض حالات النزوح المحدودة من الضاحية الجنوبيّة والجنوب
أمّا محمّد (آثر عدم ذكر اسمه)، القاطن في الشيّاح والذي دُمر منزله في بلدة عيترون الجنوبيّة، فلم يغادر منزله إلّا في الساعات الأولى من صباح الأحد الماضي، وتحديدًا بعد ردّ “حزب الله”. وما أن أعلن “السيّد نصرالله” انتهاء الردّ ودعوة المواطنين إلى العودة “حتّى كنت أوّل العائدين”. ولعّل وجود خيار بديل لعائلته سهّل عليها الانتقال والعودة سريعًا. يقول محمّد “إنّ وجود منزل خالي في بلدة عبيه (قضاء عاليه)، المسافر خارج البلاد حاليًّا، سمح لنا بحرّيّة الانتقال والعودة بسرعة”، موضحًا “ما زلنا جاهزين لإمكانيّة العودة إلى منزل خالي في أيّ وقت، في حال تصاعد الحرب ووصول الاعتداءات الإسرائيليّة إلى الضاحية الجنوبيّة”.
تراجع الإيجارات
وتبقى عمليّة إحصاء أعداد النازحين الجُدد وعودتهم إلى منازلهم شبه مستحيلة في ظلّ غياب أيّ إحصاء رسميّ وعدم وجود مراكز إيواء ثابتة، بحسب تأكيد أحد المطّلعين على ملف النزوح، لـ”مناطق نت” قائلًا: “إنّ عودة النازحين الجُدد كانت سريعة، ويُستدلّ على ذلك بانخفاض كبير في إيجارات المنازل في مناطق محيطة بالضاحية الجنوبيّة أو قريبة منها، والذي سجّل انخفاضًا إلى حدود النصف، وهو يؤشّر إلى تراجع الطلب عليها بعد أن وصلت إلى أسعار قياسيّة جدًّا”.
لم يقتصر هذا الانخفاض على مناطق محيطة بالضاحيّة الجنوبيّة فحسب، بل شمل بلدات جبليّة قريبة من عاليه وصوفر. هذا ما يؤكّده سمير حماده الذي يعمل في مجال تأمين منازل للإيجار، ويقول لـ”مناطق نت”: “شهدت أسعار هذه المنازل طلبًا مرتفعًا بعد استهداف الضاحية، ممّا أدّى إلى مسارعة المواطنين إلى استئجار بيوت لمدّة شهر واحد، على أن يجدّدوا إذا تطلّب الأمر ذلك”. ويتابع حمادة “قرّر معظم هؤلاء العودة إلى منازلهم، مما تسبّب في انخفاض أسعار الإيجارات جزئيًّا في تلك المناطق”.
الحركة إلى طبيعيّة
في السياق نفسه، يؤكّد رئيس اتّحاد “بلديّات الضاحية الجنوبيّة”، محمّد درغام، في حديث لـ”مناطق نت”: “أنّ هناك عددًا قليلًا من العائلات قرّر مغادرة الضاحية، لا سيّما القاطنين في حارة حريك، إلّا أنّ هؤلاء سرعان ما عادوا إلى منازلهم، ويمكن ملاحظة ازدياد زحمة السير في الضاحية مقارنةً مع الأسبوع الماضي”.
ويشير درغام إلى أنّ “القاعدة العامّة هي أنّ الضاحية الجنوبيّة في فصل الصيف لا تكون مكتظّة وخصوصًا في خلال أيّام عطلة الأسبوع، إذ إنّ المواطنين عادةً ما يتوجّهون إلى قراهم في الجنوب والبقاع”، موضحًا أنّ “الجو العام للمواطنين يظهر أنّهم سيبقون في منازلهم إلى أن يتأكّدوا فعلًا أنّ استهداف الضاحية بات وشيكًا، فحينها يلجأون إلى البحث عن مكان آمن”.
من جانبه، لا ينفي مسؤول ملف النازحين في بلديّة النبطية، خضر قديح، أنّ “تكون هناك بعض حالات النزوح قد حدثت، لكنّنا لم نُبلّغ عنها”، موضحًا “ربّما هناك بعض المواطنين ممّن يملكون منازل في بيروت أو لديهم أقارب في تلك المناطق نزحوا عدّة أيام، إلّا أنّهم سرعان ما عادوا”.
ويشير قديح، في حديث لـ”مناطق نت”، إلى أنّ “النبطية ما زالت منطقة آمنة، على رغم بعض أصوات الطيران واستهداف بعض السيّارات من وقتٍ إلى آخر، وهي ممتلئة بأهلها إضافة إلى نازحين من مناطق حدوديّة”. ويؤكّد أنّ “الحركة طبيعيّة في المؤسّسات الرسميّة والخاصّة”.
رئيس اتّحاد “بلديّات الضاحية الجنوبيّة” محمد درغام: الجو العام للمواطنين يظهر أنّهم سيبقون في منازلهم إلى أن يتأكّدوا فعلًا أنّ استهداف الضاحية بات وشيكًا، فحينها يلجؤون إلى البحث عن مكان آمن.
نزوح دون ثلاثة بالمئة
وفي السياق عينه، يُقدّر نائب رئيس اتّحاد بلديات قضاء صور، حسن حمّود، في حديث لـ”مناطق نت”، “عدد المواطنين الذين نزحوا من منازلهم في قضاء صور بعد ضرب الضاحيّة والتصعيد الأخير بنحو ثلاثة في المئة من السكّان”، مضيفًا “أنّ هذا العدد يعتبر قليلًا جدًّا”.
ويلفت حمّود “على سبيل المثال، إلى أنّ النزوح في بلدتي برج رحّال اقتصر على خمس عائلات فقط انتقلت إلى الجبل في عاليه والشوف والمناطق المحيطة، وبعد دعوة السيّد نصرالله عاد أكثر هؤلاء”، موضحًا أنّ “هذا المثال ينطبق على جميع بلدات صور”.
ويؤكد حمّود أنّ “الحياة في صور وقضائها عادت إلى ما كانت عليه قبل التصعيد الأخير، وهي شبه طبيعيّة، والمواطنون يتحرّكون بشكل عاديّ”. ويذكّر “أنّ الاتّحاد لديه وحدة إدارة الكوارث منذ العام 2010، ومهمّتها تكمن في التعامل مع الأزمات”. ويؤكّد كذلك أنّ “هذه الوحدة تحرّكت في موضوع النازحين منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، إذ تقوم بتسجيل النازحين الفعليّين، أيّ المقيمين طوال العام في البلدات الحدوديّة، إذ إنّ كثيرين من أهالي هذه البلدات يقطنون خارج المنطقة الحدوديّة”.
ويختم: “إنّ عدد النازحين إلى قضاء صور بلغ قرابة 29 ألف نازح، بينهم نحو ألف نازح في خمسة مراكز إيواء”.