جامعيّون لبنانيّون محرومون من شهادات دراستهم بسوريا

يواجه عدد كبير من الطلّاب اللبنانيّين ممّن كانوا يتخصّصون في الجامعات السوريّة، أزمة عدم تمكّنهم من متابعة دراستهم الجامعيّة وصعوبة تحصيل شهاداتهم الرسميّة، بسبب الأحداث السوريّة الأخيرة، علمًا أنّ الغالبيّة العظمى منهم في سنتهم الدراسيّة الأخيرة.

وخلال الأشهر الثمانيّة الماضيّة، عاد إلى لبنان من جامعات سوريا حوالي 280 طالبًا، هم من أبناء قرى لبنانيّة عدّة، لا سيّما الجنوب والبقاع، ممّن اختاروا تلقّي تعليمهم الجامعيّ في سوريا، بسبب انخفاض كلفة التعليم هناك وسهولة التنقّل بين البلدين، وغالبيّتهم طلّاب متخصّصون في الطبّ والصيدلة والهندسة.

القصة عندما بدأت

يروي الطالب علي شكر، ابن بلدة النبي شيت في بعلبك تفاصيل قصّته، فيقول: “قبل خمس سنوات انتقلت للدراسة في جامعة الحواش الخاصّة في سوريا، إذ إنّ كلفة دراسة الطبّ هناك منخفضة جدًّا مقارنة بلبنان؛ الأمر كان أكثر تيسيرًا”.

وشكر طالب سنة خامسة وأخيرة طبّ أسنان، يقول لـ “مناطق نت”: “كنت على مشارف التخرج، كما هو حال معظم الطلّاب الآخرين في السنة الدراسيّة الأخيرة، لكنّ الوضع الأمنيّ المستجدّ في سوريا منعنا من إكمال دراستنا وتحصيل شهاداتنا”.

شكر: حاولنا أن ننخرط في جامعة الوطن، لكنّها لم تقبل، لأسباب نجهلها

في نهاية العام الماضي، وتحديدًا الثامن من كانون الأّول (ديسمبر) 2024، سقط نظام بشّار الأسد بعدما أعلنت المعارضة السوريّة سيطرتها على العاصمة دمشق، وإثر هذه التطوّرات، عاد إلى لبنان عدد كبير من الطلّاب اللبنانيّين الذين كانوا يتابعون دراستهم في الجامعات هناك، ولم تسمح لهم الظروف الأمنيّة المتسارعة والعنيفة في البلاد من الرجوع إلى سوريا.

ومنذ ذلك الحين، أيّ قرابة الثمانية أشهر، والطلّاب يسعون إلى حلّ أزمتهم ويرفعون الصوت عاليًا لعلّهم يجدون أذانًا صاغية، وشكر واحد منهم: “حاولنا أن ننخرط في جامعة الوطن، لكنّها لم تقبل، لأسباب نجهلها، في وقت يفترض أن تحتضننا كي نمارس دورنا في المجتمع كأطبّاء ومهندسين وصيادلة”.

خيارات محدودة

وشكر شاب وحيد ولديه شقيقتان، والده متوفٍّ، عانى كثيرًا لتأمين أقساط جامعته وكلف حياته المعيشيّة، فيضيف: “أنا المعيل الوحيد لعائلتي بعد وفاة والدي، لكنّني عاجز عن تحصيل شهادتي حتّى الآن”. وخلال الأشهر الماضية، حاول شكر متابعة دراسته في إحدى جامعات الخارج على رغم الظروف الاقتصاديّة الصعبة للغاية.

وما منعه هو القانون رقم 285 “هذا القانون بمثابة عائق لنا، كون غالبيّتنا في سنته الدراسيّة الأخيرة، وهو يفرض علينا دراسة سنوات سبق ودرسناها وتساوي نصف سنوات الاختصاص” بحسب ما يقول.

من اعتصام الطلاب اللبنانيين أمام مبنى وزارة التربية والتعليم العالي يوم الخميس الـ 31 من تمّوز الماضي
متروكون

يجمع الطلّاب على أنّهم متروكون لقدرهم: “للأسف لم تتجاوب وزارة التربية معنا ولم تخطُ دولتنا أيّ خطوة جدّيّة وعمليّة باتّجاه حلّ مشكلتنا هذه” يقول شكر. علمًا أنّ بعض هؤلاء الطلّاب أنهى دراسته بالكامل لكنّه يحتاج إلى أوراقه الثبوتيّة كي يتمكّن من معادلة شهادته وممارسة المهنة في لبنان، ما يحتاج إلى تدخل الوزارات المعنيّة التي أخفقت حتّى الآن في تحصيلها.

ينتظر شكر حلّ أزمة الشهادات كي يصبح قادرًا على مزاولة المهنة لإعالة عائلته، “معظمنا من الطبّقة الفقيرة والمتوسّطة، ونسعى إلى إنهاء دراستنا حتّى لو اضطررنا إلى بيع منازلنا. مطالبنا سهلة وبسيطة، أن يصدر قرار ما استثنائي لتسهيل أمورنا”. ويختم: “خسرنا عامًا دراسيًّا والعام الجديد بات على الأبواب ولا نريد خسارته”.

ومثل شكر يعاني ابن مدينة النبطية (جنوب لبنان) محمّد عطوي من المشكلة عينها. يُحدّثنا عن تجربة العودة بدون شهادته الجامعيّة، فيقول: “قدّمت مشروع تخرّجي قبل نحو تسعة أشهر، وكنت أنوي إنهاء المواد المتبقّية لديّ خلال الفصل الجديد”، لكن شاء القدر ألّا تسير الأمور كما خطّط عطوي، إذ عاد إلى لبنان مع بداية الأحداث الطارئة في سوريا كما الطلّاب الآخرين.

يقول لـ “مناطق نت”: “لم أتمكّن من تحصيل شهادتي، تأخّر موعد تخرّجي، ولم أستطع من دخول مجال المهنة بلا شهادة رسميّة”، ويؤكّد أنّ “90 في المئة من الطلّاب هم في السنة الدراسيّة الأخيرة”.

حمادة:هناك مرات السابقة تمّت فيها معالجة حالات مماثلة منها العام 2011 بعد عودة الطلّاب اللبنانيّين من سوريا بفعل الأحداث التي بدأت آنذاك

وعطوي طالب هندسة ميكاترونيك، وهو اختصاص نادر وغير موجود في كلّ الجامعات، ما شكّل عائقًا إضافيًّا أمامه، وفاقم من صعوبة الأزمة التي تعصف بهذه المجموعة من الطلّاب، يقول: “تواصلنا مع الجامعة اللبنانيّة وجامعات خاصّة، وقد أجمعوا على ألّا خيارَ لنا سوى دراسة نصف سنوات الاختصاص من جديد”.

ولأجل تحريك القضيّة والضغط باتّجاه إيجاد حلّ لها عبر الإعلام، يطالب عطوي الدولة اللبنانيّة: “بإصدار قانون يُمكّن الطلّاب من التخرّج من دون خسارة سنوات دراسيّة إضافيّة”.

“خلّيكن معنا”

“من حقّنا أن يحتضنّنا وطننا كي لا نخسر مستقبلنا وسنوات دراستنا… كونوا صوتًا لمئات الطلّاب المعلّقين بين الحدود والمصير الأكّاديميّ المجهول”. تحت هذا العنوان اعتصم عشرات الطلّاب أمام وزارة التربية والتعليم العالي في بيروت يوم الخميس الـ 31 من تمّوز (يوليو) الماضي في الأونيسكو ببيروت.

وحمل الطلّاب يافطات كتب عليها: “ثمانية أشهر، مصير مجهول، مستقبل غير واضح، أمّا وزارة التربية فلا جواب”. و”نطمح إلى نظام تعديل ينصف جهدنا، يعكس كفاءتنا، ينهي دوّامة القلق، ويفتح لنا الآفاق”. و”إذا الظروف وقفت ضدّنا، انتو خلّيكن معنا” و”في هذه الظروف الاستثنائيّة، نحتاج إلى استثناء لنكمل مسيرتنا الأكّاديميّة”.

لضرورة تحييد الطلّاب

ومن مكان الاعتصام قال النائب في البرلمان اللبنانيّ إيهاب حمادة إنّ “مستقبل الطلّاب لا يحتمل المماطلة” وبأنّ هذا الملف “يتطلّب معالجة سريعة من قبل الجهات المعنيّة الرسميّة”. مشددًا على “ضرورة تحيّيد القطاع التعليميّ عن الضغوط السياسيّة والإداريّة”.

ويشير حمادة إلى “المرات السابقة التي تمّت معالجة حالات مماثلة منها العام 2011 بعد عودة الطلّاب اللبنانيّين من سوريا بفعل الأحداث التي بدأت آنذاك، وقد وجد المعنيّون مخرجًا لذلك”.

متسائلًا: “كيف يمكن أن تعادل شهادة نهائيّة دون قيد أو شرط ولا تعادل السنوات الدراسيّة؟”، لافتًا إلى أنّ “بعض هؤلاء الطلّاب لبنانيّون ممّن يعيشون في القرى السوريّة أصلًا، وقد خسروا منازلهم ومؤسّساتهم خلال الأحداث الأخيرة لتأتي مسألة الشهادة الدراسيّة وتفاقم أزمتهم”.

مسألة قد تطول

ووفق الخبير والباحث التربويّ نعمة نعمة “هناك آليّة معتمدة في لبنان لمعادلة الشهادات، تكون عبر لجنة المعادلات في وزارة التربية، والتي تنظر في ملفّات الطلّاب لكي يُبنى على الأمر مقتضاه” وهي عانت خلال الفترة السابقة من عدم تسيير أعمالها”.

ويضيف لـ “مناطق نت”: “ربّما يتأخّر تنفيذ الآليّة أحيانًا لعام أو عامين أو ربّما أكثر، وبالتالي يمكن أن تبقى أحوال الطلّاب معلّقة إلّا في حال اتّخذ قرار سياسيّ في هذا الخصوص. وهذه الأزمة نفسها، عاشها الطلّاب اللبنانيّون في أوكرانيا، جرّاء الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة”.

و”هنا يأتي دور وزارة التربية في تسريع المعادلات وفقًا لما تقرّره اللجنة، أو ربّما تتّفق مع نظيرتها في سوريا، لحلّ أزمة الطلّاب”، وفق نعمة. ويردف: “ربّما يتمّ تأمين عودتهم لإنهاء الفترة الدراسيّة المتبقيّة والتي بحسب الطلّاب تحتاج إلى أشهر قليلة، وإيجاد حلّ يمكن تنفيذه لمن لديه عوائق سياسيّة تمنعه من الذهاب إلى سوريا” علمًا أنّ بعض الطلّاب يحتاج إلى وثيقة التخرّج ليس أكثر.

إلى العوائق السياسيّة تضاف العوائق المناطقيّة والمذهبيّة والطائفيّة الدينيّة، فهل يجرؤ ذوو الطلّاب على أرسال أبنائهم إلى دمشق في وقت لا شيء يحميهم من الاعتداء أو الخطف أو التصفيات الجسديّة في ظلّ الفوضى القائمة هناك، ولا سيّما أنّ معظم هؤلاء الطلّاب هم من جنوب لبنان ومناطق البقاع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى