14 و 8 آذار .. إلى الحياة در
كتب خالد صالح
ما يزال الغموض يكتنف الحياة السياسية في لبنان، وما تزال الإستقالة مثار جدل كبير داخلياً وخارجياً، وسط حالٍ من الترقب لما ستؤول إليه الأمور، وسط مخاوف كبيرة عبّر عنها أكثر من طرف سياسي في البلاد.
لكن الملفت في هذا، هو كمية المعلومات، الحقيقية ” ربما ” والمغلوطة ” ربما أخرى “، التي أحاطت بالمشهد اللبناني بشقيه الداخلي والخارجي، فبقيت التكهنات هي الوسيلة المعتمدة في التحليلات والمواقف، بعيداً عن تأكيد كامل أو نفي قاطع.
من هنا يقف لبنان على عتبة مرحلة دقيقة وشديدة التعقيد، ولعل تسارع الأحداث بشكل دراماتيكي، لاسيما وأن قمة وزراء الخارجية العرب الأحد المقبل قد تحمل خطوات تصعيدية كي لا نقول تفجيرية، في حال تبنّت القمة موقفاً سعودياً متشدداً حيال لبنان وحزب الله.
بالتأكيد .. لن يمر موقف رئيس الجمهورية مرور الكرام، رغم محاولات ” أبوصعب ” من تخفيف صعوبته، فالخطاب وضع لبنان برمته أمام خيارات حادة جداً، إما وطن عربي الإمتداد والهوية، أو التخلي عن موقعه وعمقه المحدد في مقدمة الدستور.
غداً الرئيس الحريري في باريس وربما الإثنين المقبل في بيروت، وتطوى صفحة ” عودة الرئيس ” التي حوّرت الأزمة من مكان إلى آخر، فأصل المشكلة ومهما حاول هذا الطرف أو ذاك التخفيف من وطأته، هو التباين بين وجهتي نظر، الأولى هي مدى الإلتزام ببنود التسوية والإبتعاد عن المواضيع الإشكالية وربط النزاع وتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، والثانية التي تعتبر نفسها جزءاً من محور بدأ يتذوق حلاوة سيطرة مشروعه ورؤيته على مساحة كبيرة من الوطن العربي، لا يبدأ من العراق ولا يقف عند حدود اليمن .
لبّ المشكلة هنا، ولبنان كالواقف على ” حدّ الشفرة “، فلا هو بقادر على ” النأي ” الحقيقي، نظراً لإرتباط حزب الله الوثيق بأزمات المنطقة، وهو عاجز عن معالجة هذا الإرتباط داخلياً مما يُعرّض عمقه العربي لإهتزاز ربما يتحوّل إلى أزمة، لهذا كانت التسوية هشّة وسقطت أمام أول مطبّ حقيقي واجهته، نظراً لأن الجواب الكامل على سؤال مركزي لم يتظهّر حتى اللحظة : أي لبنان نريد ؟.
مع نجاح ” حزب الله ” الباهر في إبعاد العيون عن أصل المشكلة، وتسليطه الضوء على نواحٍ أخرى، تقفل هذا النواحي مع اللحظة التي يطأ فيها الحريري طائرته في الطريق إلى فرنسا، فماذا عن بقية الأمور، ماذا عن الإستقالة إن أكدها وبقي عليها ؟، ماذا عن مضمونها وعن سلاح المقاومة ودوره وحدود هذا الدور ؟، ماذا عن موقع لبنان وموقفه من الصراعات الدائرة حولنا ؟. وماذا عن القضايا الداخلية كالحكومة الجديدة والإنتخابات النيابية المقبلة ؟.
أسئلة كثيرة يتم تداولها اليوم، من هنا، فإن العيون ستشخص إلى القاهرة نهار الأحد، وتترقب عودة الرئيس الحريري إلى بيروت بعد ذلك، والتي من المتوقع معها أن يخفت الخطاب العاطفي ” الفاضح ” الذي سيطر على البلاد طولاً وعرضاً خلال الأسبوعين الماضيين، وسيعود الإنقسام العمودي من جديد ليستع، بين من ينظر إلى مضمون الإستقالة وبين من ينظر إلى شكلها ؟ .
هذا الإنقسام سيعود إلى الشارع اللبناني، وقد أسهمت الإستقالة وهشاشة التسوية، في إحياء العظام وهي رميم، لقد أسهمت من جديد في إحياء خطابي 14 و 8 آذار، وستعود الإصطفافات إلى سابق عهدها، لكن هذه المرة مع نزعة حادة أكثر، خصوصاً إذا تأتت القمة العربية بقرارات قد تضع لبنان أمام مفترق طرق أحلاهما مر .
لبنان في عين العاصفة، فهل سيكون هناك تسوية رقم ” 2 ” أم نسخة منقّحة ومعدّلة للتسوية رقم ” 1 ” ؟، وبين هذه وهذه الأمر صدر .. 14 و8 آذار إلى الحياة در !!.