لماذا انتخابات بعلبك الهرمل..هي وحدها ذات معنى؟

حسين حمية

هل هناك قوى إقليمية تريد هزيمة حزب الله في عقر داره؟ هل هناك مؤامرة دولية تريد استثمار نتائج انتخابات هذه الدائرة لنزع سلاح حزب الله؟ هل هي محاولة لدق إسفين بين المقاومة وبين ما يُفترض أنه خزانها البقاعي وعمقها الجغرافي؟ هل هي مرتبطة بشهادة المرشح جميل السيد أمام المحكمة الدولية؟ هل هي لتقويض سلطة الثنائي الشيعي على قاعدته الشعبية؟
الثنائي الشيعي وخصومه من تيار المستقبل والقوات، هم موحدون في إضفاء هذا المعنى على انتخابات بعلبك الهرمل،  ويخوضون المعركة الانتخابية هناك على هذا المعنى. ويريدان فرضه، الطرف الأول يستخدم هذا المعنى للدفاع عن نفسه ويستنهض به أهل المنطقة، ويحذرهم من أن يتحولوا إلى حصان طروادة لتنفيذ المشاريع المشبوهة، في حين خصوم الثنائي الشيعي، في حال حدوث خرق للائحة الثنائي، لن يتوانوا عن تفسير هذا الانجاز بذات المعنى، وتقريشه سياسيا لمصلحة شعاراتهم المعروفة.
لا خلاف، بأن جمهور الثنائي الشيعي من جهة وجمهور كل من المستقبل والقوات وبعض الشيعة الملتحقين بهما أو ممن هم من مخلفات 14 آذار من جهة ثانية، يخوضون الانتخابات بهذه الدوافع، مع فارق يمكن تسجيله، وهو أن الجمهور الأول من مصلحته إظهار المعركة الانتخابية على أنها امتداد للانقسام اللبناني الشهير 8 و14 آذار، في وقت يحاول الجمهور الثاني ممارسة التقية حاليا بانتظار تحقيق الخرق الشيعي للائحة الثنائي، وعندها يوافق الجمهور الأول على معنى الانتخابات.
لكن مع ذلك، هناك معنى لانتخابات بعلبك الهرمل مختلف، عن ذاك الذي يتم ترويجه في الخطابات والمقالات والتحليلات، وهذا المعنى لا يمكن مصادرته بالألعاب الإعلامية او استثارة الغرائز أو التذاكي على الناس، أو بالقدرة على تسويق نتائجه لدى المرجعيات الإقليمية، فالاعتراض الشيعي في بعلبك الهرمل على الثنائي الشيعي، هو عابر للانقسامات اللبنانية التي تولدت بعد 14 شباط 2005، لا بل هو حالة تمرد على هذا التصنيف، ورفض له، ودعوة لجميع اللبنانيين للخروج منه، وإعادة ترتيب أنفسهم وشؤونهم، وفقا لمصالحهم وهمومهم المناطقية والطبقية.
لم يصنع المرشحون الشيعة المنضوون في لوائح بمواجهة لائحة الثنائي الشيعي حالة الاعتراض الشيعي في المنطقة، فما حدث هو العكس تماما، هذه الحالة هي التي وفّرت الحيثية لهؤلاء المرشحين، وهي التي أغرتهم بالترشح، وفرضت عليهم خطابها، ومنحتهم حصانة التحالف الانتخابي مع هذا أو ذاك.
يؤخذ على الاعتراض الشيعي في بعلبك الهرمل، أنه غيرمنظم وليس مؤطرا ولا يملك واجهات سياسية وإعلامية تعبّر عنه، وهذا يعرّضه للاستخدام والمصادرة، لكن وجاهة هذه المآخذ، لا تبرر التخلي عن هذه الحالة أو تحييدها في الانتخابات أو تتفيه دورها، فهي مع ذلك بدأت تؤتي أُكلها على غير صعيد.
حالة الاعتراض في بعلبك الهرمل لا تأبه للمعاني الذي يطلقها هذا الطرف أو ذاك، ولا تريد تحميل الانتخابات القادمة مهمة إنهاء الانقسام اللبناني حيال القضايا المعروفة، لكن تريد إعادة توزيع الأعباء المترتبة عن هذا الانقسام بطريقة عادلة في حال استمراره إلى آجال قصيرة أو طويلة، وترفض أن يبقى هذا الانقسام ذريعة لتوسيع التفاوت بين المناطق والطبقات.
الاعتراض الشيعي في بعلبك الهرمل، هو اعتراض على الثنائي الشيعي، وبقدر ما يمثّل هذا الثنائي السلطة في المنطقة وباعتباره جزءا من النظام المسؤول عن التهميش والحرمان والإدارة الفاسدة للدولة، وهو بهذه الحالة انتفاضة جزئية سلمية أتاحها النظام النسبي الجزئي، لكن نتائج هذا الاعتراض في حال نجاحه ستترك بصمات وطنية واضحة في إعادة ترويض النظام والحد من جموح قوى السلطة في ضربها مصالح الناس بعرض الحائط واستئثارها بخيرات الدولة لمصالحها الحزبية والشخصية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى