بعلبك الهرمل…أكثر من تبدلات انتخابية


حسين حمية –
جولات انتخابية لا تتوقف، حشود تشارك باحتفالات بإعلان اللوائح، كثافة بالإعلانات الانتخابية، صور، يوتيوبات، شعارات، انتشار المكاتب للمرشحين واللوائح في كل البلدات والقرى وأحياء المدن، إعداد برامج انتخابية، لقاءات انتخابية يومية، تشكيل غروبات على الواتس والفيسبوك، استخدام هائل لوسائل التواصل الاجتماعي، حماوة في النقاشات والحوارات حول المرشحين واللوائح، شجارات وإشكالات على الأرض بخلفيات انتخابية، حرب متواصلة بالشائعات ومكاتب إعلامية تعمل 24 على 24، تتولى النفي والتسريب .
منذ الانتخابات الأولى لما بعد الطائف، لم يحدث أن انخرطت بعلبك الهرمل بمثل هذا الحجم وبهذا الشكل في استحقاق الانتخابات العامة، ففي انتخابات ال 2009 وما قبلها كانت المشاركة تتسم بالجزئية والفتور، وكانت الممارسة أقرب للفلكور الانتخابي منها للتعبئة الانتخابية، فكانت النتائج محسومة، بوجود أكثرية شعبية لفريق الثنائي الشيعي وقانون الأكثري الذي يطوّب التمثيل النيابي للمنطقة بأكمله لمصلحة هذه الأكثرية.
لقد أحدث اعتماد القانون النسبي الجزئي والصوت التفضيلي الواحد، تبدلا ملموسا في مقاربة الناس للانتخابات النيابية. نسبية هذا القانون التي كسرت احتكار الثنائي الشيعي للمقاعد النيابية، شجعت الأقلية المعارضة والمختلفة مع هذه الأكثرية على تنظيم نفسها لنيل ما أباح لها القانون الجديد من فرص لحصد مقاعد نيابية، أما الصوت التفضيلي الواحد، فأعاد الاعتبار للناخب ومنحه قيمة غير مسبوقة ذات تأثير مزدوج، اقتراعه للائحة، واقتراعه (وهو الأهم) لمرشح ضمن هذه اللائحة.
القانون الجديد، دفع إلى دائرة التأثير الانتخابي، الأقلية والناخب الفرد مقابل الأكثرية المطلقة التي يمثلها الثنائي الشيعي، وعليه سيكون هذا الثنائي أمام مواجهة مزدوجة، تحجيم حصة الأقلية في المقاعد النيابية من جهة، وضبط خيارات الناخب الفرد لإلزامه باللائحة وايضا بمرشح معين منها من جهة ثانية، لأن أي صوت تفضيلي يمنحه الناخب من خارج الهندسة الموضوعة للائحة يؤدي إلى إهداره، ويصبح في مصلحة الطرف المنافس.
أعاد القانون الانتخابي الجديد ترتيب القوة والنفوذ جزئيا في منطقة بعلبك الهرمل، لكن هذا الترتيب مفتوح مستقبلا على مساحات أوسع من اللحظة الراهنة، فنتائج الانتخابات في 6 ايار لن تعكس أثار الترتيب الجديد، إنما ستحدد اتجاه التبدلات القادمة، وهو اتجاه يخالف ما يحاول الواقع تثبيته حاليا.
لقد بات من المسلم به، أن القانون الجديد، عزّز من دور ما يسمى طوائف الأطراف، اي مسيحيي الأطراف وسنّة الأطراف، وكل التوقعات تظهر أن مسيحيي وسنّة بعلبك الهرمل قادرون على تمرير مقعدين بأصواتهم، وهذا ما يمنحهم أهمية أكبر عند القوى الرئيسة في طوائفهم بعد أن كان يُنظر إليهم جثث انتخابية مصادرة قوتها من فريق آخر، واختلاف هذه الأهمية سيكون له آثار سياسية واجتماعية واقتصادية على المنطقة.
كما أعاد القانون الجديد تعويم دور العائلة والعشيرة خصوصا الكبرى منها، فلم تعد هذه قوة عسكرية توفر ضمانات أمنية لأفرادها في دولة تكاد تنعدم فيها ثقافة احترام القانون وتطبيقه وتعاني من شكوى في أداء أجهزتها الأمنية والقضائية وتسود مجتمعها علاقات الإقصاء والهيمنة، لا بل تحولت العائلة أو العشيرة إلى قوة انتخابية مؤثرة، وبالتالي يمكن تسييسها او اعتبارها ارض خصبة لبناء مشاريع زعامات تحمي مصالح معينة في المنطقة.
كان يمكن الحديث عن دور القانون الجديد في تفعيل فروع الأحزاب السياسية في المنطقة، لكن ما يجعلنا نهمل هذا القضية، هو ذوبان مراكز هذه الفروع في تحالفات سياسية كبرى عابرة للوطن وإعارة تأثيرها وفعاليتها للحزب الأقوى سواء أكان حزب الله أو المستقبل.
مع هذا، يترك القانون الجديد، بصمات سلبية، فالصوت التفضيلي الواحد مع تدني الحاصل الانتخابي يفتح الأبواب على اتساعها أمام المال الانتخابي، خصوصا أننا في مجتمع ليس لديه تقاليد راسخة في الديموقراطية، وفي دولة تفتقد لمؤسسات رقابة ومحاسبة قادرة على مواكبة الانتخابات وحمايتها من التشوهات والعيوب التي تؤثر على ارادة الناخبين وتحرمهم من عملية انتخابية نظيفة ونزيهة وسليمة.
كذلك، سيؤدي القانون الجديد وايا كانت النتائج، إلى تحول في علاقة النائب والمواطن في منطقة بعلبك الهرمل، أو لنقل سيزيد من اعتماد هذه العلاقة على الخدمات الشخصية، هي كانت كذلك، والآن ستضاف إليها جرعات جديدة، لتكريس الزبائنية السياسية مع ما تستدعي تواطؤ هذا النائب مع الفساد والإفساد، لكنه بنظره أقل كلفة من تبني المشاريع الكبرى الشاملة التي تضعه في مواجهات صعبة مع فريقه السياسي أو الأفرقاء الآخرين.