الأطفال الذين ماتوا احتراقا في مخيم اللجوء…هولوكست خارج السمع
خالد صالح
أمام هول الفاجعة تشعر أن الكلمات تفرّ من أمامك، أمام قسوة المأساة لا عبارات تُعينك على إختصار فظاعة المشهد، ثمانية أطفال كالبراعم الندية تأكلهم النيران، وكأن قدَر النازح السوري الهارب من جحيم الحرب، أن يسقط ضحية النزوح والمخيمات الهشة .
في المخيمات عامة تعيشُ الأسر السورية حياة أشبه بحياة القرون الوسطى، أطفال يفترشون الأرض، يستيقظ أحدهم منتصف الليل من البرد حال ما إنتهى المازوت الخاص بالتدفئة من الخيمة، قوارير لحمل المياه إلى الخيام، حمامات جماعية على مساحة صغيرة، الأطفال هنا يعيشون في خيمة سماكتها 1 ملم من القماش، تفصل بينهم وبين السماء، الصقيع يأكل أجسادهم الغضة في الشتاء، والشمس تحرقهم جلودهم الطرية في الصيف.
تتبدى المعاناة الإنسانية بأكثر صورها قتامة، حيث المشاكل التي يتعرض لها أغلب اللاجئين نتيجة عدم القدرة على سد احتياجات هذا الكم البشري من النازحين، مأساة اللاجئين السوريين بات يعجز عنها الجميع بعد تعاظمها بشكل كبير.
لم يكن الحريق الذي أصاب أحد مخيمات النازحين في بلدة غزة البقاعية أول الحرائق، ولن يكون آخرها، في ظل الواقع المتردي الذي يعيشونه خصوصا ونحن في فصل الشتاء، وما يأويهم ” خيمة ” من الخشب والقماش، وحاجتهم للتدفئة تدفعهم للبحث عما يقيهم شر البرد، حتى وإن كان المصير ” حريق “.
بين المطرقة والسندان يعيش النازح السوري، مطرقة ” البرد ” القارس في سهل البقاع في مثل هذه الأيام، وسندان ” الدفء ” من خلال المخاطرة باللجوء إلى وسائل التدفئة التقليدية، كالمدافىء على المازوت أو كانون الفحم، أمران أحلاهم مر، فالإقامة في المخيمات هي مجرّد مظلة لا تفي بالغرض فهي حارة صيفاً وباردة شتاء ولا تعينهم على أبسط مقومات الحياة، فالنازح الذي فقد بيته وأثاثه واصبح في العراء بات بأمس الحاجة الى جميع الوسائل التي تعينه على البقاء، لا سيما وأنهم يعيشون في العراء وسط ظروف قاسية من كل الجوانب.
لم ترحم النيران أجساد الأطفال الثمانية، فغزت بلهيبها خيمتهم لتنتقل إلى الخيم الباقية تباعاً، حتى قضت على 60 خيمة من أصل 90 يتألف منها المخيم، مخلفة ثمانية ضحايا وأربعة إصابات بينها إثنتان بحالة حرجة، هذه الحرائق التي تكررت سابقاً ومن المحتمل أن تتكرر لاحقاً، نظراً لعدم وجود أبسط مقومات الوقاية والحماية، ولعدم تجهيز المخيم بأدوات لمكافحة الحرائق فور نشوبها.
السيد سعد الدين الحمادي وهو جدُّ الضحايا الثمانية قال لـ ” مناطق.نت ” : ” إن حجم الفاجعة كبير وكبير جداً، وقدّر الله وما شاء فعل، نحن في هذا المخيم منذ أربع سنوات قادمين من ريف حمص، لم تمهلنا النار عند إندلاعها، وأخذت تمتد بسرعة هائلة من خيمة إلى أخرى، وساعدت الريح في إندلاعها بقوة أكثر، وأحفادي كانوا داخل الخيم بمفردهم، ونظراً لقوة النيران لم نستطع الوصول إليهم، ولم تنفع محاولات السيطرة عليها إلا بعد أن حلّت الفاجعة “.
أضاف : ” رغم حجم المصيبة ووقعها علينا، إلا أن حجم المساندة الشعبية من أهالي غزة والمنصورة وخصوصاً بلدية غزة إضافة إلى باقي القرى المجاورة كان كبيراً جداً، بالإضافة إلى الأجهزة اللبنانية الرسمية والمنظمات الدولية، فالحالة الشعبية اللبنانية المتضامنة معنا شكلت نوعاً من البلسم لجراحنا البليغة، وخففت من وقع المأساة علينا “.
وناشد الحمادي المعنيين في لبنان من أجهزة رسمية ومنظمات إنسانية، بتجهيز المخيمات وليس مخيم غزة فحسب بالعتاد المناسب من أطفائيات وأدوات لمكافحة النيران، لأن وقوع هكذا حرائق وارد دائماً، نظراً لطبيعة تركيبة المخيمات والتي غالبيتها مصنوعة من الأخشاب والشوادر السريعة الإشتعال، خصوصاً أننا في أوائل فصل الشتاء وحاجتنا للتدفئة تزداد يوماً بعد يوم، خصوصاً وأن عائلاتنا في غالبيتها مؤلفة من الأطفال “.
يوماً بعد يوم تتفاقم مآسي النازحين، وأوضاعهم تزداد ترديا، فلم تعد المساعدات العينية فقط هي السبيل للتخفيف من معاناة النزوح، بل حصولهم على أبسط مقومات الحياة الآمنة، فهذا الحريق ليس الأول من نوعه والمخيمات على إمتداد الوطن مهددة بحرائق مماثلة، فهل من يسمع؟