جمهور المستقبل في البقاع الغربي : ما بين الإستقالة والإطلالة
كتب خالد صالح
إثنا عشر يوماً مرّوا على إندلاع الأزمة في لبنان جراء الإستقالة ” الصدمة ” التي تقدّم بها الرئيس سعد الحريري من الرياض، والتي أثارت جدلاّ واسعاً بشكلها ومضمونها وتوقيتها، وسال حبرٌ كثير عنها وتحليلات لم تنته حتى اللحظة من سياسيين وإعلاميين، وأي شيء يًكتب عنها اليوم يوضع في خانة التوقعات لا أكثر .
في البقاع الغربي وكبقية المناطق اللبنانية ذات الغالبية السنية يحظى ” تيار المستقبل ” بشعبية كبيرة، وله قاعدة وازنة لا أحد بمقدوره غضّ الطرف عنها، ويعتمد التيار الأزرق فيها بالإضافة إلى البقاع الأوسط لتحسين موقعه في بانوراما الكراسي الإنتخابية، خصوصاً أن الكتلة السنية الناخبة في الدائرتين هي الأكبر .
لم تمر إستقالة الرئيس الحريري مرور الكرام، فـ ” المستقبليون ” شمروا عن سواعدهم وإنغمسوا في الشارع ” شرحاً وتوضيحاً ” و ” تبريراً “، بغية إستعادة بعضاً من البريق المفقود منذ الإعلان عن التسوية، هذه التسوية التي ” جف ريق ” رجال المستقبل في الدفاع عنها وتقديم مضمونها على أنه ” ضمانة للبلد “، وإصطدموا بشارع عريض يسأل كيف ولماذا وإلى أين نتجه ؟.
لقد أسهمت الإستقالة، وبعيداً عن ظروفها السياسية وحيثياتها الإقليمية، بإستعادة الرئيس سعد الحريري لـ ” كادر ” الصورة بإمتياز، وضجّت وسائل التواصل الإجتماعي بمواقف متفاوتة ما بين التأييد والتعاطف، وبين العودة من المساحة الرمادية التي وقف بها بعض مناصري التيار ” الحردانين ” جراء التنازلات التي أقدم عليها الرئيس الحريري.
في البقاع الغربي اليوم عودة لمشهدية الرابع عشر من شباط، إلتفاف شعبي كبير حول مواقف رئيس الحكومة، وأسهمت إطلالته المتلفزة مؤخراً في تعبئة محركات المستقبليين بمواد دسمة تعينهم على كسر الجليد المترامي بينهم وبين القاعدة الشعبية منذ عام مضى، وزودتهم بالمعلومات القوية لخوض النقاشات والحوارات لإستعادة الشارع الذي كان قد بدأ يتفلّت من بين أيديهم .
منسق عام تيار المستقبل في البقاع الغربي وراشيا الأستاذ محمد حمود قال لـ ” مناطق.نت ” : ” منذ أن إتخذ الرئيس سعد الحريري خيار التسوية، والدفع بعجلة البلاد إلى الأمام، تابعنا الأمر بجدية بالغة، خصوصاً أن الإستفسارات والتساؤلات كانت كبيرة ودقيقة، لكننا كنا نؤمن بالخيار الذي إتخذه الرئيس الحريري ورؤيته لمصلحة البلاد من خلال ربط النزاع فيه، وكانت حواراتنا حول خياراته الإستراتيجية لشرح التسوية وإيصالها للقاعدة كما يجب “.
أضاف : ” بعد الإستقالة، كانت المفاجئة من القاعدة التنظيمية والشعبية كبيرة، ورغم الإستيضاحات التي كان علينا تبيانها، كان ملفتاً على مستوى البقاع الغربي وراشيا الإلتفاف حول رئيس الحكومة، ولم يتطلب منا الأمر العناء الكبير لشرح الأسباب الموجبة للإستقالة، فقد تلاقينا مع القاعدة الشعبية حول توقيتها ومضمونها، وكأن الناس كانوا يستشعرون مصلحة البلاد ورؤية الرئيس الحريري لها، وأنه قدم الكثير في سبيل إبعاد لبنان عن النيران الملتهبة في المنطقة، وأن نقاط الإختلاف الموجودة في الساحة السياسية هي نقاط في خانة اللبنانية – اللبنانية ونحن بمقدورنا كفريق سياسي التوصل إلى قواسم مشتركة بشأنها مع شركائنا في الوطن “.
بعد الإطلالة الأخيرة للرئيس سعد الحريري من الرياض، كان الشارع في البقاع الغربي متماسكاً أكثر مما كان عليه قبل الإستقالة، وهذا يدلَ على أن الأيام العشرة الفاصلة ما بين الإستقالة والإطلالة، كانت كافية للناس لجلاء حقيقة التسوية التي عمل رئيس الحكومة لأجلها وقدم في سبيلها كل ما في وسعه، فإلتزم بقرار التهدئة الذي عممته الأمانة العامة لتيار المستقبل، وأسقط من يد الذين يدعون العروبة والقومية ما كانو يتوارون خلفه، لأن العمق العربي الذي يريده الحريري، هو الكفيل الوحيد لحماية لبنان من الإنزلاق نحو أتون صراعات المنطقة .
يقول حمود : ” تواصلنا مع كل الفعاليات في المنطقة، وأصدرنا توصيات لكل القطاعات بعدم الدخول في سجالات لا طائل منها، خصوصاً الإبتعاد عن الشارع وعن وسائل التواصل الإجتماعي، وكان تركيزنا منصباً على التمسك أكثر بمطلب عودة الرئيس ومضمون الإستقالة، وهذه الطريقة في التعاطي أدهشت الجميع، لاسيما بعد أن أثبتت كوادرنا عن مناقبية عالية في شرح التسوية وأبعادها والإستقالة ومضمونها، ومرحلة ما بعد الإستقالة وضروراتها “.
وختم حمود : ” نحن بإنتظار عودة الرئيس المحتملة خلال أيام، لإستيضاحه عن كل التفاصيل، والعمل بتوجيهاته لتكريس حالة الوعي الكبيرة التي إستنهضتها الإستقالة، خصوصاً أن صدى الشارع اليوم جداً إيجابي، وعملية الحفاظ على الصورة الحالية مسألة مهمة لنا، ونحن على أبواب إستحقاق كبير متمثل في الإنتخابات النيابية المقبلة “.
بين الإستقالة والإطلالة، أمور كثيرة تبدلت في صورة البقاع الغربي وراشيا، والشارع الذي كان متراخياً عاد من بعيد ليؤكد حضوره الوطني في مؤازرة ودعم أي سياسة ممكنة لحماية لبنان والدفع بعجلة العهد نحو نقل البلاد إلى موقعها الطبيعي .