البقاع الغربي .. التفاح يحتضر .. والدولة تتفرج
كتب خالد صالح
يقول المثل الشعبي : ” قصة عنتر بألف بيت .. وبيت بيغني عن ألف “..
والبيت الذي يختصر التفاح اللبناني، مزارعين وبساتين وإنتاجا، يُقال بعبارة واحدة، التفاح اللبناني يصارع للبقاء ..
في البقاع الغربي وأسوة ببقية المناطق اللبنانية، يرزح مزارعو التفاح تحت أعباء هائلة لقاء المحافظة على هذه الزراعة، ويحاولون الإستمرار بها رغم التحديات التي يواجهونها ، لكن مع الخسائر التي يتعرضون لها عاماً تلو آخر، ومع غياب أي آفاق يلجأ البعض من أصحاب البساتين إلى اقتلاع الأشجار وإستبدالها بمزروعات أقل كلفة، وهذا قد يساهم في تصحّر المنطقة بشكل مخيف، وعندما تسألهم عن هذا يقولون : مكرهٌ أخاك لا بطل.
لم يكن ما سمّي بـ ” الربيع العربي ” ربيعاً على التفاح اللبناني، فقبل سنوات كانت ليبيا تستورد ما يقارب الـ 50 في المئة من الناتج المحلي، وكان السوق الخليجي متاحاً أمام سيارات النقل اللبنانية، ومع بداية الأزمة السورية خسر لبنان بوابة عبوره البرية نحو الدول العربية، ولم تكن الوسيلة البحرية ناجعة لغلاء كلفتها، وبالتالي تعرّض المحصول وعلى مدى السوات الثلاث الأخيرة للتلف، أمام عيون المزارعين الذين لا حول لهم ولا قوة.
التفاح في البقاع عموماً والبقاع الغربي على وجه الخصوص، كان من الأمور التي تزيّن السهل، وتمتد بساتين التفاح على مساحات واسعة من طريق الشام الدولي وصولاً حتى بحيرة القرعون، وتعتبر شجرة التفاح ” البقاعية ” فريدة بمميزاتها من ناحية الحجم والنوعية، لاسيما بعد أن دخل عليها أصناف جديدة مثل الـ ” غولدن سميث – الفوجي أو PINK LADY ” هذا عدا الأصناف التقليدية ” غولدن – ستاركن “.
ونظراً للعوامل الطبيعية ( التربة – المناخ ) تعاني شجرة التفاح في البقاع من هجمات متكررة للآفات، كـ ” ذبابة البحر المتوسط ” و ” حفار الساق ” و ” اللفحة النارية ” وغيرها، وهذا الأمر يتطلب متابعة دقيقة لحماية الأشجار وبالتالي حماية المحصول، ويحمّل المزارع أعباء مادية كبيرة لقاء عملية المكافحة هذه .
السيد غازي غازي شرح لـ ” مناطق.نت ” المعاناة التي يعيشونها في كل موسم، فقال : ” لم تعد زراعة التفاح في لبنان كما كانت قبل عقود، والسبب يعود لغلاء كل الأمور المرتبطة فيها، من غلاء الأسمدة والأدوية المبيدة للآفات والكيماويات الضرورية، عدا عن غلاء اليد العاملة والمحروقات، إضافة إلى فقداننا للقدرة على تصريف الإنتاج، حتى الدولة عندما قررت صرف التعويضات على مزارعي التفاح، أعطتهم ” من الجمل دينتو ” ومجزأة أيضاً “.
أما نجله السيد محمود غازي فقال : ” يعاني مزارعو التفاح في لبنان أزمة تصريف إنتاج حقيقية منذ سنوات، فهم يدفعون ضريبة إقفال المعابر البرية نتيجة الأوضاع في سوريا، إضافة إلى غياب أي تصور رسمي واقعي لعملية التسويق الخارجي، على الرغم من أن الكثيرين منهم يعتمدون على هذه الزراعة لتأمين لقمة عيشهم، وهذا العام زادت المعاناة خصوصاً مع مشكلة التعويض الذي قدمته الدولة مقابل كساد الإنتاج حيث لم يؤمن أي أرباح لمعظم هؤلاء المزارعين، بل لم يصل لتعويض بعض الخسائر التي تعرضوا لها “.
أضاف : ” التكلفة باهظة جداً، تبدأ من تشجييب الأشجار وتنتهي بالتخزين، مروراً بالعناية اللازمة والري والقطاف والتوضيب الذي يتم وفق أعلى المعايير، وكل هذا خسائر تتراكم فوق كاهل المزارع، لأن مردود الناتج لا يغطي جزءاً بسيطا من التكاليف، لهذا ترى بعض المزارعين يضطرون للهروب من بساتين التفاح عبر إقتلاع الإشجار والإستفادة من الأراضي التي تشغلها في زراعات أخرى، ولا أستبعد اليوم الذي نفتقد فيه شجرة التفاح في منطقتنا “.
ومع هذا الواقع كثرت المناشدات للدولة والمسؤولين بتأمين أسواق خارجية بدعم التفاح اللبناني، وبالتالي الوقوف إلى جانب المزارع والمساعدة على تصريف إنتاجه، على أمل نجاح التجربة وفتح أبواب أخرى لتصدير آلاف الأطنان من التفاح اللبناني، وبالتالي مساعدة المزارع اللبناني كي يستمر بالانتاج في أرضه ويتمسك بها أكثر عبر تحقيق الإكتفاء.
على مدى سنوات، إتخذت الحكومة إجراءات موقتة لحل أزمة إنتاج التفاح، أختُتمت العام الماضي بتقديم تعويضات بقيمة 40 مليار ليرة لبنانية للمزارعين، وذلك رغم وجود حلولٍ إيجابية طويلة المدى يُطالبُ بها المزارعون في سبيل حماية التفّاح المحلي، من أهمها إنشاء معامل في الأقضية المنتجة لهذه الزراعة بهدف إنشاء صناعات مشتقّة من التفاح، عصير أو ” شيبس ” أو كحول طبّية أو خلّ أو غيرها من المنتجات، مثالاً لا حصراً، فأين أصبحت وعود المسؤولين بتقديم الدعم المطلوب للإنتاج الزراعي اللبناني وحمايته من المنتجات المستوردة ومن التلف ؟.