أحداث خلدة.. الفوضى الموعودة!
قسم كبير من اللبنانيين لن يستطيع متابعة أحداث ما يجري في خلدة من اشتباكات وسقوط ضحايا وقطع للأوتوستراد الساحلي بسبب غياب الكهرباء. وقسم كبير أيضاً لن يستطيع ذلك بسبب انشغاله بتأمين المحروقات والدواء ولقمة الخبز وغيرها من مستلزمات الحياة المفقودة. في السابق كان اللبنانيون يتسمّرون أمام شاشات التفلزة عند وقوع أي حدث يتابعونه كجزء من يوميات حياتهم المكتظة بالأحداث والمليئة بالتفاصيل. يومها كان الدولار سعره ١٥٠٠ ليرة لبنانية والكهرباء متوفرة سواء كانت دولة أم إشتراك. لم يكن هناك من أزمة بنزين وطوابير ذل أمام المحطات. الدواء كان متوفراً بسخاء وأيضاً الرغيف ومعه اللحوم والدجاج وسائر المواد الغذائية.
اليوم، الأحداث تدور وكل ذلك غير متوفر وأوله الكهرباء لكي يشاهد اللبنانيون من على شاشات التلفزة ويعرفون ماذا يجري من أحداث. الذي يحصل اليوم في خلدة هو نتيجة طبيعية وحتمية لدولة تلاشت وتمزقت وفقدت مقومات وجودها المرتكز أساساً على إرساء مجموعة مفاهيم من أنواع الأمن والتي هي نتاجه في المحصلة.
الفوضى الأمنية نتيجة حتمية
تفتقد الدولة أي من أنواع الأمن والذي يأتي في مقدمه الأمن الاجتماعي الذي انفرط عقده جرّاء الانهيار المريع الذي يشهده البلد. بالتوازي مع الانهيارات المتتالية في أنواع الأمن الأخرى، ومنها الأمن الاقتصادي والمالي والغذائي والصحي والبيئي. وهي تشكل بمجموعها الأساس المتين للأمن بمفهومه العام الذي يستمد قوته من صلابة وقوة تلك المفاهيم.
التحذير الدائم من الدخول في فوضى أمنية والذي ترافق الترويج له مع بدء الأزمة، لا يستند بالضرورة إلى معلومات أو معطيات أمنية محددة، بل هي نتيجة حتمية وطبيعية لواقع أن الأرض تموج تحت أقدام اللبنانيين. وذلك لن يتوقف قريباً وقد نشهد سيناريوهات للذي حصل في خلدة في مناطق أخرى.
الفوضى الأمنية في أحداث خلدة اليوم ليست بالضرورة نسخة جديدة ومنقحة عن الحرب التي شهدنا فصولاً دامية منها سابقاً. وهي لا تعتبر أقسى ما نصل إليه. بل هي محطة ربما ستكون من بين محطات عديدة سنشهدها أثناء معايشتنا للانهيار الذي نحن فيه. الفوضى الأمنية لن يجدي لها نفعاً معالجات موضعية يتدخل فيها العسكريون المنهكون أصلاً . تحت وطأة الانهيار والذي حوّل قيمة رواتبهم إلى بضع عشرات من الدولارات. ولن ينفع معها بيانات تدعو إلى درء الفتنة تصدر من هنا وهناك. كل ذلك يحدث تحت عنوان واحد هو تفكك الدولة واضمحلالها.
رشة ملح على طريق الانهيار
غداً سيستفيق مطلقو النار من كلا الطرفين على واقع تناسوه لفترة وجيزة من الوقت. وهو أن جوعاً يتقاسمونها معاً، وأن الحد الأدنى من الخدمات ومقومات الحياة يفتشون عنه ولا يجدونه. سيستفيقون على واقع أنهم قذفوا بخشبة خلاص لكي يلتقطها المسؤولون عن إفقارهم وإذلالهم. لكي يقولوا لهم تناسوا كل شيء الآن فالأمن خط أحمر ويعلو على كل ما عداه من أنواع الأمن الأخرى.
أحداث خلدة اليوم رشة ملح على طريق الانهيار والذي يبدو أنه لا زال مفتوحاً على مصراعيه. وهي على الرغم من خطورتها لن تستطيع التغطية والتعمية على الجريمة الكبرى التي ارتكبتها تلك المنظومة في ٤ آب والتي تهل ذكراها بعد أيام. وقد تكون جزءاً من عملية محو آثار تلك الجريمة والتغطية عليها.