البلدات الجنوبيّة تخسر أحراجًا وأربعين ألف زيتونة بحرائق القصف الإسرائيلي
بين ليلة وضحاها، تحوّلت مساحات شاسعة في جنوب لبنان، كانت مكسوّة باللون الأخضر، إلى بقع سوداء قاحلة، تغطّيها طبقات من الرماد، بعدما عرّت حرائقُ القصفِ الأشجارَ المعمّرة من حياتها وثمرها، وقد كانت ضاربةً جذورُها في غور الأرض، منذ قرون عدة، وتعاقبت عليها أياد وزنود وأجيال، حتّى ترعرعت وكبرت وأثمرت .
فمنذ التاسع من تشرين الأوّل/ أكتوبر المنصرم، وبسبب القذائف الفوسفوريّة الحارقة، التي تلقيها المدافع الإسرائيليّة على الأحراج والبساتين، تلتهم النيران وبشكل يوميّ، أشجار البلّوط والسنديان والبطم والصنوبر والزيتون واللوز والأشجار الحديثة، على التلال والوديان، وفي الحقول وحدائق البيوت، في البلدات والقرى الجنوبيّة المترامية على طول أكثر من مئة كيلو متر، تمتدّ من “اللبّونة” في بلدة الناقورة الساحليّة، إلى أعالي مرتفعات كفرشوبا وكفرحمام وشبعا، المتاخمة للأراضي السوريّة، المحتلّة من إسرائيل منذ العام 1967.
خسائر فادحة وضخمة مُني بها الجنوبيّون المتملّكون والقاطنون على طول القرى الحدودية، لم يسبق أن شهد مثلها جنوب لبنان المتميّز بتضاريسه الخضراء وثروته الشجريّة المنتشرة على مساحات واسعة من تلاله وهضابه ومرتفعاته الشامخة ووهدانه، إلى جانب تميّزه بأحراج السنديان المسيّجة غالبيّة البلدات والقرى المحاذية للحدود، والتي تشكّل توازنًا بيئيًّا وطبيعيًّا وصحّيًّا، ونطاقًا أمنيًّا ساهم في تعزيزه الواقع المستمرّ منذ العام 1948 وكذلك منذ العام 1967.
الزيتون والسنديان أكثر الخسائر
تقدّر السلطات اللبنانيّة والجهات الرسميّة المعنيّة، المساحات المحروقة على مدى أربعين يومًا وأكثر منذ بدء المعارك، بما يزيد على خمسة ملايين متر مربّع، من بينها ما يفوق أربعة آلاف دونم مغطّاة بالأشجار الحرجيّة، غالبيّتها من السنديان، وأكثر من ألف دونم مغروسة بأشجار الزيتون. وتتوزّع هذه المساحات في كلّ من الناقورة وعلما الشعب والضهيرة وعيتا الشعب ورميش ويارون، وصعوداً نحو عيترون وبليدا وميس الجبل، ثم تصل إلى منطقة ومرجعيون، وشبعا وكفرشوبا في منطقة حاصبيّا.
حصدت بلدة علما الشعب في منطقة صور، النصيب الأكبر من هذه المساحات المحروقة، وعلى وجه الخصوص بساتين الزيتون القديمة والمعمّرة، المواجهة لمستعمرة “حانيتا” الإسرائيليّة، في داخل الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، ثم تأتي بلدة كفرشوبا، التي احترقت فيها مئات الدونمات.
تقدّر السلطات اللبنانيّة والجهات الرسميّة المعنيّة، المساحات المحروقة على مدى أربعين يومًا وأكثر منذ بدء المعارك، بما يزيد على خمسة ملايين متر مربّع، من بينها ما يفوق أربعة آلاف دونم مغطّاة بالأشجار الحرجيّة، غالبيّتها من السنديان، وأكثر من ألف دونم مغروسة بأشجار الزيتون
تشكّل فرق الدفاع المدنيّ اللبنانيّ، بإمكانيّاتها “اللوجستيّة” المتواضعة، الدرع الحقيقيّ في مواجهة تلك الحرائق وإخمادها قبل امتدادها وتوسّعها، تؤازرها فرق محلّيّة أخرى، على نحو الدفاع المدنيّ في كشّافة الرسالة الإسلاميّة، والهيئة الصحيّة الإسلاميّة، إلى جانب مشاركة طوّافات الجيش اللبنانيّ، وأحيانًا من قوّات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان.
ويشار إلى أنّ أضرار الحرائق هذه وما يرافقها من قصف مستمرّ، لم تقتصر على الأشجار والنباتات وما بينها من حيوانات برّيّة وطيور فحسب، بل طالت السكّان المجاورين، وقد أصيب العديد منهم بحالات ضيق في التنفّس واختناق، جراء دخان الحرائق والقنابل الفوسفوريّة المحرّمة دوليًّا، تقوم المدافع الإسرائيلية بإطلاقها وقصفها.
الزراعة: احتراق 40 ألف زيتونة
أعلنت وزارة الزراعة اللبنانيّة، في وقت سابق، عبر المكتب الإعلاميّ لوزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عبّاس الحاج حسن، عن خارطة الحرائق في جنوب لبنان، والتي يتمّ تعديلها يوميًّا.
وأَطلَع الوزير الحاج حسن الوزراء، على الأضرار في المناطق الحرجيّة المحترقة، التي تتابعها لجنة خاصّة في وزارة الزراعة، مشيرًا إلى أنّ “مساحتها تعدّت 550 دونمًا، وتخطّت 40 ألف شجرة زيتون معمرة، نجمت من 130 حريقًا جرّاء القصف الإسرائيليّ بالقذائف الفوسفوريّة المحرّمة دوليَّا”.
وطالب بـ”ضرورة إقرار آليّة عاجلة من أجل مساعدة المزارعين المتضرّرين، لإنقاذ الثروة الحرجيّة، وإعادة الغطاء الحرجيّ والنباتيّ في أسرع وقت، والتعويض على المزارعين خسارتهم”. وثمّن “جهود وزارة الخارجيّة والمغتربين التي تقدّمت بشكوى إلى الأمم المتّحدة، معتمدة الإحصاء الذي أجرته وزارة الزراعة”.
خسائر علما الشعب لا تقدّر
نالت بلدة علما الشعب، المجاورة للناقورة (من الغرب)، والضهيرة (من الشرق)، قسطًا كبيرًا من الأضرار، جراء احتراق مساحات واسعة من أرضها المغروسة زيتونًا وأشجار سنديان. وتظهر مخلّفات الحرائق مليًّا للعيّان، وتنتشر على طول البلدة وعرضها، خصوصًا في المنطقة الجنوبيّة، التي لم يتمكّن أصحابها من الوصول إليها، لجني محصول الزيتون، الذي يشكّل دخلًا موسميًّا جيّدًا لعائلات كثيرة بسبب القصف المستمرّ.
في هذا السياق، يؤكّد راعي أبرشيّة علما الشعب المارونيّة الأب مارون غفري، وهو يتابع شؤون البلدة، “أنّ علما تعرّضت لخسائر كبيرة في ثروتها الزراعيّة والحرجيّة، لا سيّما بساتين الزيتون المعمّرة وغير المعمّرة ومنها بساتين تابعة للوقف المارونيّ، إضافة إلى احتراق مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بأشجار السنديان التي تشتهر بها البلدة، في اللبّونة والحميض والكشك” .
وقال لـ”مناطق نت”: “لا يوجد لدينا إحصاء دقيق حول حجم المساحات الجغرافيّة التي تعرّضت للحريق وأكلتها النيران، ومنها أشجار الزيتون والليمون والأفوكا، خصوصًا وأنّ الحرائق داهمت منازل البلدة وحدائقها ناهيك عن أشجار الصنوبر على جانبيّ الطريق العام” .
متجذّرون تمامًا مثل الزيتون
حصدت الحرائق في بلدة الضهيرة، التي لا يزيد عدد أبنائها على ثلاثة آلاف نسمة، مساحات كثيرة من الأشجار والممتلكات. وسبّبت اختناق العشرات من سكّانها جرّاء تنشّق دخان قذائف الفوسفور الأبيض، الذي تعمّد الإسرائيليّون استخدامها بغية إشعال الكروم وبساتين الزيتون، التي لم يجنِ منها أصحابها حبّة واحدة.
ينظر علي السويد، ابن الضهيرة، بحسرة نحو الحقول المحروقة، ويحبس دموعًا كادت تفرّ من عينيه على “رزقنا الذي راح”. ورزقُ عليّ هذا، له معانٍ حميمة في ذاته “ليس لأنّنا نعتاش من مواسمه الدافقة في كلّ عام فحسب، بل لأنّه كذلك إرث من جدّي إلى أبي ومن أبي إليّ وإلى أخوتي” على حدّ قوله.
ويؤكّد “أنّ مئات أشجار الزيتون في البلدة، التهمتها الحرائق الناتجة عن الاعتداءات الإسرائيليّة”. ويضيف لـ”مناطق نت”: “إنّني واحد مثل عشرات الأهالي، أمتلك بستانًا للزيتون في خراج البلدة، وقد نال نصيبه من العدوان، واحترقت فيه مساحة تزيد على خمس دونمات”. لكن هذا الأمر المرير بالنسبة إلى جميع أبناء القرية “سيجعلنا متشبّثين بأرضنا أكثر فأكثر، تمامًا كأشجار الزيتون المتجذّرة في التراب، والتي ستولد من جديد”، يختم السويد.
ينظر علي السويد، ابن الضهيرة، بحسرة نحو الحقول المحروقة، ويحبس دموعًا كادت تفرّ من عينيه على “رزقنا الذي راح”. ويقول: “ليس لأنّنا نعتاش من مواسمه الدافقة في كلّ عام فحسب، بل لأنّه كذلك إرث من جدّي إلى أبي ومن أبي إليّ وإلى أخوتي”.
يارون أخمدت حرائقها قبل انتشارها
لم تكن المرّة الأولى التي تتعرّض فيها بلدة يارون (جارة بنت جبيل) وأحراجها للقصف المعادي ولاشتعال الحرائق فيها؛ إذ بدأت هذه الاعتداءات عليها منذ مطلع السبعينيّات من القرن الماضي. وقد جعلت التجارب المستمرّة، البلدة وقواها المحلّيّة في حال تأهبّ لمواجهة أيّ خطر، لا سيّما خطر الاعتداءات الإسرائيليّة.
ويشير موظّف في بلدية يارون، إلى “أنّ البلدة تغتني بأحراج كبيرة من السنديان المعمّر مئات السنين” ويؤكّد أنّ “الأضرار في هذه الأحراج لم تكن كبيرة، وذلك بفعل جهوزيّة الدفاع المدنيّ والبلديّة والمتطوّعين، الذين هبّوا لإطفاء هذه الحرائق المشتعلة من القصف الإسرائيليّ بالقذائف الفوسفوريّة، قبل انتشارها”.
كفرشوبا: القصف يهجّر ويحرق
التنقّل سيرًا على الأقدام في أزقّة كفرشوبا وطرقاتها يشبه السير في مدينة أشباح. فالبلدة التي تقع في القطاع الشرقيّ الأعلى من جنوب لبنان، في منطقة العرقوب، خالية، ومن النادر أن تلتقي بأحد في الشارع، إذ تعتبر من أكثر الأماكن سخونة منذ اندلاع المعارك على الحدود.
كفرشوبا المعانية من الاعتداءات الإسرائيليّة المستمرّة، منذ أكثر من أربعين يومًا، اضطرّت الغالبيّة العظمى من أهلها وسكّانها إلى النزوح عنها، إلى مناطق قريبة أو بعيدة، تاركين خلفهم أكثر من ثمانين ألف شجرة زيتون وأشجار متنوّعة تنتشر في حقولها وعلى تلالها وعند سفوحها، رهينة القصف المتجدّد والمتواصل بشتّى أنواع القذائف، ومنها القذائف الفوسفوريّة الحارقة، ما أدّى إلى احتراق مساحات كبيرة من بساتين الزيتون وأشجار البلّوط وتلف مئات الدونمات المزروعة فاكهة وخضارًا .
“تتعرّض كفرشوبا لاعتداءات يوميّة، تطاول البشر والحجر والزرع”. هذا ما قاله مختار كفرشوبا محمّد قصب لـ”مناطق نت”. وأضاف: “لقد مُنيَ القطاع الزراعيّ بخسائر فادحة، خصوصًا وأنّ الأهالي لم يتمكّنوا من جني محاصيل الزيتون. إلى جانب ذلك، فإنّ العديد من بساتين الزيتون، لا سيّما في حارات ومحال عذرائيل وبسطرة وحلتا وخلّة زهير ووادي خنسا وشانوح وغيرها، قد احترقت بفعل القصف الإسرائيليّ بالقنابل الحارقة”.
ويؤكّد المختار قصب “أنّه وفي ظلّ الوضع الصعب، واستمرار العدوان على البلدة وخراجها وأطرافها، ونزوح أصحاب الأراضي والكروم والبساتين وصعوبة الوصول إليها، لا يمكن إحصاء المساحات المتضرّرة”. مشيرًا إلى “أنّ الأضرار طاولت كذلك أحراج السنديان وبساتين الكرز والخرما والتفّاح وغيرها من الأشجار المثمرة”.
اضطرّت الغالبيّة العظمى من أهالي كفرشوبا إلى النزوح عنها،تاركين خلفهم أكثر من ثمانين ألف شجرة زيتون وأشجار متنوّعة رهينة القصف المتواصل بشتّى أنواع القذائف، ومنها القذائف الفوسفوريّة الحارقة، ما أدّى إلى احتراق مساحات كبيرة من بساتين الزيتون وأشجار البلّوط وتلف مئات الدونمات المزروعة فاكهة وخضارًا.
من جهته، يفيد المزارع أحمد الزهران، “أنّ مئات الدونمات، التي تعود له ولأقاربه في مشروع زراعيّ ينتشر في محلّة وادي خنسا التابع عقاريًّا لبلدة كفرشوبا، أصيبت بتلف مزروعاتها، من الخرما والبندورة والباذنجان والفليفلة، إلى جانب احتراق أشجار زيتون تعود إلى أبناء البلدة، في وادي خنسا وبسطرة وحلتا وسواها”. مناشداً “الدولة اللبنانيّة تصويب جهودها نحو المزارعين لتمكينهم من الصمود في أرضهم وتعويض خسائرهم”.
الحركة البيئيّة تتابع وتحذّر
تتابع الحركة البيئيّة في لبنان منذ اليوم الأوّل للحرب والقصف على الحدود الجنوبيّة، المسائل المتعلّقة بالأضرار البيئيّة الناجمة من القصف واستخدام القذائف الحارقة والفوسفوريّة. وتضمّ الحركة 65 جمعيّة ومؤسّسة بيئيّة.
يؤكّد المهندس سليم خليفة رئيس “جمعيّة شعاع البيئة”، أن “الحركة البيئيّة في لبنان تراقب عن كثب حجم الأضرار البيئيّة التي تخلّفها الاعتداءات الإسرائيليّة على الأراضي اللبنانيّة بواسطة قذائف الفوسفور الأبيض، منذ بداية الحرب”.
ويقول لـ”مناطق نت”: “إنّ الحرائق، أتت على أكثر من أربعة آلاف دونم، ثلاثة آلاف منها أحراج سنديان كثيفة، والباقي أشجار زيتون غالبيتها معمّرة، يفوق عمر الكثير منها خمسمائة عام” .
يضيف خليفة: “شملت الحرائق 54 بلدة وقرية على طول الحدود البالغة نحو مئة كيلو متر”. ويردف: “إنّ العدوّ يدّعي ملاحقة المقاتلين والمقاومين، لكنّه بالحقيقة ينتقم من أهل الجنوب، والغطاء الأخضر المنتشر على التلال وفي الأودية، لا سيّما أحراج السنديان، التي تشكّل غذاءً وحماية للحيوانات البرّيّة المتعدّدة والكثيرة”.
وحذّر خليفة من “أنّ القنابل الفوسفوريّة تؤدّي إلى تلوّث التربة وحرق الأشجار، وتؤدّي كذلك إلى فسادها وجعلها غير صالحة للزراعة”. كاشفًا عن “أنّ الحركة البيئيّة وبالتنسيق الكامل مع وزارتي الزراعة والبيئة والمجلس الوطنيّ للبحوث العلميّة، ترفع الصوت عاليًا في المحافل الدوليّة لوقف هذه المجازر البيئيّة التي تصيب الأشجار المعمّرة”. ويَعِد بالمقابل “أنّه وبعد توقّف العدوان، سيتمّ العمل على إعادة زراعة أشجار السنديان، التي تحتاج بين 5 سنوات و6 سنوات كي تتكوّن وترتفع”.
الأشجار المعمّرة مهددة بالفوسفور الأبيض
يلفت رئيس تجمّع مزارعي الجنوب الدكتور محمد الحسينيّ إلى “أنّ المعطيات المتوافرة حاليًّا، تتحدّث عن احتراق أكثر من أربعين ألف شجرة، لكن لا يوجد رقمٌ دقيق، وربّما أكثر بكثير، إذ لا يمكن معاينة المناطق التي تعرّضت للأضرار بسبب المخاطر الأمنيّة، وهذه الأشجار تنتشر وتمتدّ من علما الشعب إلى رميش ويارون وعيترون وميس الجبل، وحتّى أقصى أعالي القطاع الشرقيّ في كفرشوبا وشبعا” .
ويشير الحسيني إلى “أنّ الأشجار المعمّرة التي لم تحترق مباشرة باتت مهدّدة، إذ إنّ دخان الفوسفور الأبيض، يؤدّي إلى يباس الشجر”. مشدّداً على “دور وزارة الزراعة في مؤازرة المزارعين الذين عجزوا عن قطاف مواسمهم من الزيتون. وهم يعتاشون منها”.
محمد الحسيني: المعطيات المتوافرة حاليًّا، تتحدّث عن احتراق أكثر من أربعين ألف شجرة، لكن لا يوجد رقمٌ دقيق، وربّما أكثر بكثير، وهذه الأشجار تنتشر وتمتدّ من علما الشعب إلى رميش ويارون وعيترون وميس الجبل، وحتّى أقصى أعالي القطاع الشرقيّ في كفرشوبا وشبعا.
قصف بقصد الحرق
يوضح الناشط البيئيّ الدكتور هشام يونس “أنّ المساحة المقدّرة من الأراضي الحرجيّة والزراعيّة المحترقة، تبلغ حوالي خمسة ملايين متر مربّع، وهي بالتأكيد حصيلة غير نهائيّة”.
ويضيف يونس لـ”مناطق نت”: “إنّ الحرائق تركّزت في علما الشعب– الناقورة، وكفرشوبا، بشكل ممنهج، لحرق الغطاء الأخضر. والدليل على ذلك أنّه في كلّ مرة كان الدفاع المدنيّ يتمكّن من إطفاء حريق، كان العدوّ يعيد إطلاق القذائف الحارقة كي يشتدّ من جديد، وهذا ما دفعنا لاستنتاج القصد الإسرائيليّ في تدمير الغطاء الأخضر بالكامل” .
الفوسفور خطر على كلّ الحياة
حذّرت جمعيّة “الجنوبيّون الخضر”، المهتمّة بالشأن البيئيّ، “من كارثة بيئيّة متأتّية من القصف الإسرائيليّ بقنابل الفوسفور الأبيض المحظور بموجب الاتّفاقيّات والمعاهدات الدوليّة، بما في ذلك اتفاقيّة جنيف للعام 1980، بهدف حماية المدنيّين”.
وأحصى “الجنوبيّون الخضر” المواقع والتلال المستهدفة على النحو الآتي: “إنّه وبدءًا من العاشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر، ولغاية اليوم، فإنّ من بين تلك المواقع المستهدفة: تلال كفرشوبا، سهل الماري، المجيديّة، يارون، الناقورة، علما الشعب، عيتا الشعب، رميش، يارون، الضهيرة، يارين، البستان، القوزح، بيت ليف، بليدا، ميس الجبل، حولا؛ الواقعة في أقضية صور وبنت جبيل وحاصبيّا ومرجعيون. وأنّ هذا القصف استهدف بشكل أساسيّ ومتعمّد مناطق مدنيّة وكذلك المناطق الحرجيّة والزراعيّة” .
ونبّهت مصادرها إلى أنّ “الاستخدام المفرط من قوّات الاحتلال للقذائف الفوسفوريّة يؤدّي إلى تدمير الموائل الطبيعيّة في تلك المواقع، وقتل أو إصابة الأنواع المختلفة، بما في ذلك الثدييّات والطيور والحشرات التي تضمّها. كما يؤدّي إلى فقدانها لملاذاتها الآمنة”. وتضيف: “كذلك، من شأن استخدام الفوسفور الأبيض تلويث مصادر المياه، وتهديد النظم البيئيّة المائيّة للأحواض والأنهر والجداول، وبشكل أكثر خطورة نظام الأراضي الرطبة، ما يؤدّي إلى تدهورها وإصابة أو نفوق الأنواع المائيّة من أسماك وطيور وحشرات وبرمائيّات”.
لم تحدّ بيانات التحذير، وشكاوى لبنان أمام مجلس الأمن الدوليّ، والتقارير المنبثقة عن المنظّمات والجمعيّات العالميّة والأهليّة والمحلّيّة من تقصّد العدو الإسرائيليّ قصف المناطق الحرجيّة والزراعيّة، في عشرات البلدات الجنوبيّة، ما يُظهر النوايا العدوانية عن سابق إصرار وتصميم، في ضرب الثروات الإنسانيّة والبيئيّة والحياتيّة ومصادر عيش الجنوبيّين.
وكانت منظّمة “هيومن رايتس ووتش” قد أكدّت في تقرير نشرته في 12 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم استخدام إسرائيل للقنابل الفوسفوريّة “من دون أن يدفع ذلك المنظّمات الدوليّة إلى اتّخاذ أيّ موقف أو إجراء فعّال لوقف الانتهاكات من قبل القوات الإسرائيليّة”.
مع استمرار الاعتداءات الإسرائيليّة والقصف بالقذائق المحرّمة والممنوعة، يهدّد الحقد “الأسود” بحرائقه المفتعلة المزيد من المساحات الجنوبيّة الخضراء والثروة الحرجيّة والشجريّة والبيئيّة، فهل يتمكّن لبنان وجمعيّاته ومنظّماته عبر المحافل الدوليّة من وقف هذا العدوان القاتل المصحّر؟
هذا التحقيق أُعدّ بالشراكة مع: