اللاجئون السوريّون في الجنوب تحت مطرقة النزوح والاتّهامات بالعمالة
يواجِه اللّاجئون السوريّون النازحون من القرى الحدوديّة الجنوبيّة، جرّاء الحرب الدائرة هناك، خطرًا جديدًا من رحلة تهجير أو نزوح آخر. يسرد النازح السوريّ “أكرم” لـ”مناطق نت”، رحلة النّزوح من مكان إقامته في بلدة عيتا الشعب مع عائلته إثر اندلاع الحرب في جنوب لبنان، “ففي الأسبوع الأول توجّهت مع عائلتي إلى بلدة رميش الحدوديّة، لكنّنا تعرّضنا للضرب هناك من بعض أبناء البلدة، ومُنعنا من الدخول بقرار من البلديّة، ومن ثم توجّهنا إلى بلدة عيتيت حيث مكثنا فيها نحو ساعة ونصف الساعة، لتبلغنا البلديّة بعدها برفض بقاء النازحين السوريّين في البلدة”.
من عيتيت يتابع أكرم تفاصيل رحلة نزوحه مع عائلته فيضيف: “توجهنا إلى بلدة ميس الجبل وفيها مكثنا قرابة أسبوع و نصف ومن ثم طُلب إلينا المغادرة، فانتقلنا إلى بلدة مشغرة في البقاع الغربيّ، وفي أقلّ من أسبوع طُلب إلينا المغادرة، لنعود مرّة أخرى إلى بلدة صريفا الجنوبيّة وكان مصيرنا الطرد مجدّدًا، لتنتهي بنا الحال إلى الاستقرار مع عديد من العائلات السوريّة النازحة إلى منطقة صبرا في ضاحية بيروت الجنوبية”.
لجوء بعد لجوء
يفيض أكرم في الحديث عن “المعاناة والإذلال بحقّنا ومعاملتنا كمطلوبين، وأنّنا نشكّل خطرًا في تواجدنا في الجنوب”، ويقول: “كنت أعمل مياومًا في البلدات المحاذية لعيتا الشعب، وأستطيع من خلالها تأمين معيشة كريمة لأولادي الخمسة، وكانوا يتابعون دراستهم في مدرسة عيتا الشعب الرسميّة، لكنهم الآن يتلقّون التعليم عن بعد، يتقاسمون هاتفًا واحدًا لمتابعة دروسهم عن بعد، وإذا طال أمد الحرب من الممكن أن يتعذّر عليهم المتابعة “أونلاين”. فنحن نعيش مرارة ثانية بعد هروبنا من الاقتتال في سوريا”.
تعتمد معظم القرى الجنوبيّة على اليد العاملة السوريّة ممّن يعملون في أعمال البناء على مختلفها، إضافة إلى شغلهم في المواسم الزراعيّة التي يعتاش غالبيّة الجنوبيّين من محصولها، إضافة إلى أعمال أخرى كنواطير للمباني ومربّين في مزارع الدواجن والأبقار.
كانت النازحة السوريّة فاطمة محمد المصطفى تقطن في مرجعيون وتعتاش من عملها في الزراعة، في سهل مرجعيون، اضطّرت إلى النزوح إلى مخيّم للاجئين السوريين في بلدة سعدنايل البقاعيّة، تقول لـ “مناطق نت”: “لقد خسرت عملي والاستقرار المادّيّ، كما خسر أولادي الثلاثة متابعة دراستهم، جراء الحرب، فقد سكنت مع أحد أقاربي في الخيم وتدهور وضعنا، وليس لديّ امكانيّة لاستئجار بيت في البقاع”. ووفق النازحة فاطمة “المساعدات الماليّة من الأمم توقّفت من دون أن نعرفَ أسبابها”.
90 ألف نازح سوريّ في الجنوب والنبطية
بعد موجة النزوح التي سبّبتها الحرب المندلعة في سوريا منذ العام 2011، انتشر اللاجئون السوريّون على الأراضي اللبنانيّة كافّة، إذ يفوق عديدهم بحسب تصريح للمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي مليوني لاجئ.
بعد موجة النزوح التي سبّبتها الحرب المندلعة في سوريا منذ العام 2011، انتشر اللاجئون السوريّون على الأراضي اللبنانيّة كافّة، إذ يفوق عديدهم مليوني لاجئ.
وقد لحظ تقرير الحقائق الصادر عن المفوّضيّة العليا للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين الصادر في آب، أغسطس 2023، وجود نحو 796 ألف لاجئ سوريّ في لبنان، نحو 90 ألفًا منهم في محافظتي الجنوب والنبطية، 59 ألفًا منهم في محافظة الجنوب و30 ألفًا في محافظة النبطية.
قُبيل الحرب في الجنوب، كانت بلديّات المناطق الجنوبيّة تقوم بتسجيل اللاجئين السوريّين المتواجدين في البلدات، وتفاصيل عن عائلاتهم وعملهم، وقد لجأت بلديّات أخرى إلى تحديد أنواع الأعمال التي يتوجّب عليهم ممارستها، من أجل عدم تضارب اليد العاملة مع العمّال اللبنانيّين، إضافةً إلى تحديد ساعات تجوالهم في البلدات والمدن.
يقول لاجئٌ آثر عدم ذكر اسمه: “إنّ البلديات لم تعدّ لهم الأحقّيّة في تأمين أماكن ينزحون إليها، وعليهم اللجوء إلى المنظّمات الدوليّة والجمعيّات لمساعدتهم”.
إلى أين نتوجّه؟
مع بداية الحرب الدائرة في الجنوب، كان لا بدّ من السؤال: إلى أين سيتوجّه النازحون السوريّون المنتشرون في تلك المناطق؟ وفي حين انحصر دور الدولة عبر وحدات إدارة الكوارث بتسجيل العائلات اللبنانيّة النازحة، وتأمين مراكز إيواء لهم، وتقديم مساعدات رمزيّة من قبل الهيئة العليا للإغاثة والمنظّمات الدوليّة، لم تلحظ خطّة الطوارىء التي وضعتها الدولة اللبنانيّة أيّة تدابير تتعلّق باللاجئين السوريّين. وفي هذا الإطار علّق مدير وحدة الكوارث في الجنوب مرتضى مهنا، لـ”مناطق نت” بشكل مقتضب: “ليس لدينا معلومات عن عددهم ولا إلى أيّ مكان ينزحون، حيث مراكز الإيواء المستحدثة تضمّ فقط نازحين لبنانيين”.
بعد اندلاع الحرب بشهر واحد، اقترح وزير الشؤون الاجتماعّية هيكتور حجّار على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الطلب من المنظّمات الدوليّة ومفوّضية اللاجئين إنشاء مخيّمات للنازحين من الجهة اللبنانيّة للحدود مع سوريّا لإيواء نحو 86 ألف نازح يعيشون في مناطق الجنوب، معيدًا السبب إلى استحالة استقبالهم في مراكز إيواء مشتركة كالمدارس أو مؤسّسات اجتماعيّة أخرى.
لكن الطرح لم يُبتّ به. وهذا ما أكّدته محافظ النبطية الدكتورة هويدا الترك إذ قالت لـ”مناطق نت”: “حديث وزير الشؤون الاجتماعيّة طُرح كرأي وهو محقّ، لكنّ الموضوع بحاجة إلى قرار من الحكومة وبحث مع المعنيّين لتأمين خطّة متكاملة لأيّ مخيّم يجب أن يُنشأ للنازحين، خصوصًا بعد الجهد الذي تقوم به البلديّات والمحافظات بعد تعاميم صادرة من وزارة الداخليّة بضبط وتسجيل النازحين السوريّين المتواجدين في البلدات الجنوبيّة وغيرها بطرق قانونيّة وتسجيل عقود الإيجار، وعدم استقبال أيّ نازح سوريّ يدخل بطريقة خلسة أو غير قانونيّة”.
وتشير الترك إلى أنّ “النازحين السوريّين في الجنوب إمّا ظلّوا في أماكانهم، أو نزحوا إلى أماكن أخرى خارج المحافظتين، ولم نتبلّغ من قبل البلديّات عن حالات نزوح سوى ما ندر، كمناطق الوزّاني ممّن نزحوا برفقة أرباب عملهم”.
ولا تغفل الترك عن ضرورة مراعاة الجوانب الإنسانيّة في مثل هذه الأزمات، “لكنّ الظروف الأمنيّة في الجنوب اللبنانيّ أوجبت تضافر الجهود من أجل تأمين عيش لائق نتيجة الحرب. لكنّ أمر السوريّين يُترك للبرامج المتخصّصة باللجوء السوريّ المُستمر كمفوضيّة اللاجئين، ومنظّمة الغذاء العالميّ، وغيرها من المنظّمات”.
إصابات بصفوف النازحين السوريّين
لم يُوفّر العدوان الإسرائيليّ باستهدافاته اللاجئين السوريّين، وآخرها كانت إصابة ثمانية عُمال سوريّين جراء الغارات الإسرائيليّة التي استهدفت مصنع في الغازيّة قرب صيدا في 20 شباط/ فبراير الماضي. في حين وثّقت وزارة الصّحة سقوط ثمانية جرحى سوريّين منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر في التقرير التراكمي للطوارىء الصحيّة التي تُصدره الوزارة يوميًّا.
ومن ضمن الاعتداءت التي طالت البلدات الجنوبيّة خلال خمسة أشهر ماضية، فقد أغار الطيران الإسرائيليّ على سيارة “رابيد” في خراج بلدة عيترون، يستقلّها عمال سوريّون كانوا في طريقهم لتفقّد مزرعة دجاج قرب عيترون ما أسفر عن سقوط جرحى بينهم. وكذلك طال القصف الإسرائيليّ منزلًا يقطنه أفراد سوريّون في بلدية ياطر لم ينتج عنها وقوع إصابات.
ثمّة تعتيم رسمي يوازيه تعتيم إعلاميّ عن حالة الجرحى من النازحين السوريّين، وهذا قد تعذّر على “مناطق نت” الوصول إلى الناجين السوريّين في الغارة على بلدة الغازيّة، لمحاولة معرفة أوضاعهم الصحّيّة وكيفيّة تلقيهم العلاج..
لا تحبّذ مفوضية اللاجئين إنشاء مخيمات
تقول ليزا أبو خالد المتحدّثة باسم المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في مقابلة مع “مناطق نت”: “إن الأحداث الأمنيّة في جنوب لبنان أدّت حتّى الآن إلى نزوح أكثر من 89.817 فردًا غالبيتهم من اللبنانيّين، وتحت أعين الحكومة، وبالتنسيق مع وحدة الحدّ من مخاطر الكوارث في محافظة النبطية تواجدت مفوّضيّة الأمم المتّحدة للّاجئين لاحتياجات النازحين اللبنانييّن واللّاجئين منذ بداية الأزمة”. وتؤكد أبو خالد، “أنّنا نحتاج اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى إلى الوقوف بجانب شعب لبنان في هذه المحنة الجديدة، وبالرغم من تضاؤل الموارد تلتزم فرق المفوضية بتوفير الدعم الأساس للنازحين”.
ومن ضمن أعمال المفوّضيّة دعم إعادة التأهيل، وتقسيم العائلات على الملاجىء الّتي تستضيف النازحين، فضلًا عن توزيع موادّ الإغاثة الأساسيّة وتقديم المساعدات النقديّة الطارئة. إذ تم دعم خمسة ملاجئ جَماعيّة تستضيف حوالي 650 نازحًا لضمان الوصول إلى مرافق المياه والصرف الصحّيّ والنظافة الشخصيّة”.
وفي تعليقها على إمكانية استحداث مخيّم للنازحين السوريّين من الجنوب، تقول أبو خالد، “لا تُعدّ مخيّمات اللاجئين الخيار الأمثل لدى المفوضيّة، فدائمًا ما تكون الملاذ الأخير. أمّا على الصعيد العالميّ، تتجنّب المفوضية إذا أمكن ذلك إنشاء مخيّمات للّاجئين، في حين تسعى إلى إيجاد بدائل للمخيّمات التي تضمن حماية اللاجئين ومساعدتهم بشكل فعال”.
من ضمن أعمال المفوّضيّة دعم إعادة التأهيل، وتقسيم العائلات على الملاجىء الّتي تستضيف النازحين، فضلًا عن توزيع موادّ الإغاثة الأساسيّة وتقديم المساعدات النقديّة الطارئة.
وتضيف: “وفقًا للموقف الرسميّ للحكومة اللبنانيّة، يعيش اللّاجئون السوريّون في مناطق متحضّرة أو في مخيّمات صغيرة غير شرعيّة. وبالتالي فهو حلّ أفضل بكثير لأنّه يسمح للّاجئين أيضًا بالمساهمة في الدورة الاقتصاديّة، كما يمكن للدعم المخصّص لهم أن يفيد المجتمعات المضيفة من خلال مشاريع الدعم المجتمعيّ. ومن غير المستحسن إنشاء مخيّمات في المناطق الحدوديّة كي لا يكون المخيّم وسكّانه عرضةً لمخاطر أمنيّة إضافيّة”.
ونشير إلى أنّ الأسئلة التي توجّهت بها “مناطق نت” إلى مفوّضيّة اللاجئين لم يتمّ الإجابة عليها كلّها، أبرزها عن عدد النازحين السوريّين في الجنوب، وإلى أيّ أماكن نزحوا؟
تحريض مستمر على السوريّين
خسارات متتالية يعيشها السوريّون مع ازدياد شعورهم بالخوف، لا سيّما من قرّر منهم البقاء في القرى الجنوبيّة، كحالة العامل السوريّ فايز الأحمد الصامد مع عائلته في بلدة كفرا، فلا مكان يمكن أن يتوجّه إليه، وحاله كحال أهل البلدة.
يقول رئيس المركز اللبنانيّ لحقوق الإنسان وديع الأسمر في اتّصال مع “مناطق نت”: “ما يحصل هو عمليّة تهجير ثانية غير واضحة معالمها، فالسوريّون يخسرون المحيط الذي تأقلموا واعتاشوا منه والحماية التي كانت توفّرها مفوضيّة اللّاجئين. إذ يتمّ التعاطي مع النازحين السوريّين بكيديّة حسب طبيعة الأجهزة الأمنيّة والمواقف السياسيّة، فيتمّ التعامل معهم كأنّهم مسبّبون للأزمة وليسوا ضحاياها”.
ويضيف الأسمر: “حملات التحريض حاضرة وممنهجة ومنها إسقاط تُهم العمالة على اللاجئين، حيث يتمّ تعريض حياة السوريّين للخطر، لا سيّما أنّها بأغلبها اتّهامات غير مبنيّة على أدلّة قضائيّة. فتهمةُ العمالة هي عمليّة افتراء يعاقب عليها القانون كجرم جزائيّ، ولا تندرج تحت إطار التعبير عن الرأي”.
وبحسب الأسمر، “الخطاب ضدّ السوريّين قبل الحرب وبعدها مماثل للخطابات التي كانت حاضرة تجاه اللاجئين الفلسطينيّين في العام 1975 وأدّت إلى حرب أهليّة، فهناك محاولة من افرقاء سياسيّين لإعادة التاريخ إلى الوراء”.
UNHCR Lebanon Operation South Response_26 February 2024 AR (1)