جريمة أنصار.. القضاء قال كلمته
أمام المدخل الرئيس لقصر عدل بيروت، يقف مختار بلدة أنصار زكريّا صفاوي، ربّ العائلة التي قتلت منذ أقلّ من سنتين، والمؤلّفة من طليقته باسمة عبّاس، وبناته ريما (22 عامًا)، تالا (20 عامًا)، ومنال صفاوي (16 عامًا)، على يد ابن بلدته حسين فيّاض (37 عامًا) وصديقه حسن الغنّاش (22 عامًا) وهو من التابعيّة السوريّة، منتظرًا أن ينصره القضاء اللبناني.
وما هي إلّا ساعات قليلة، حتّى انهمرت دموعه، بعدما أنزلت محكمة الجنايات في بيروت، برئاسة القاضية زلفا الحسن والقاضيين لما أيّوب وميراي ملاك، عقوبة الإعدام على المتهمين الاثنين بجريمة قتل النساء الأربع في أنصار، التي أُطلق عليها تسمية “مجزرة أنصار”.
العودة إلى الجريمة
كان القضاء اللبناني قد باشر بتحقيقاته، بعدما تقدّم زكريّا صفاوي بشكوى إثر اختفاء عائلته عدة أيام، ليتبين لاحقًا أنّ الجريمة حدثت في الثاني من آذار العام 2022، بعدما وافقت العائلة على تلبية دعوة إلى العشاء من الشاب حسين فيّاض من أنصار، الذي تقرّب من العائلة لرغبته في الزواج من الشابّة تالا، الابنة الثانية لزكريّا.
لكن المفارقة، أنّ دعوة العشاء تحولت إلى “مجزرة”، قتلت فيها الأم وبناتها الثلاث، بعدما أطلق فيّاض وصديقه السوريّ حسن الغنّاش رشقات من الرصاص على أجسادهن في داخل مغارة كبيرة في بستان يقع في وادي “عين التين” ويمتدّ بين بلدتيّ أنصار والزراريّة.
ووفقًا للمعطيات التي توصّل إليها القضاء اللبنانيّ، بعد أكثر من عام على وقوع الجريمة، فإنّ العائلة تجهّزت للذهاب مع فيّاض إلى صور من أجل تناول العشاء. اصطحبهنّ بسيارته السوداء “المفيّمة”، وأقنعهنّ بمرافقته إلى المغارة الأثريّة. وبعد وصولهنّ، توجّهوا سيرًا على الأقدام نحو المغارة، وما هي إلّا لحظات، حتى اقترب الغنّاش وفيّاض من الوالدة وبناتها، وأطلقا رشقات من بندقيّة “بومب أكشن” ومسدس حربيّ، ما أدّى إلى مقتلهنّ وسقوطهن في حفرة جهّزت سابقًا.
في أعقاب ذلك، قاما بدفن الجثث في الحفرة، بعدما سلب الغنّاش أغراضهنّ الخاصّة، من هواتف محمولة وحقائب يدّ، ثمّ ردم الاثنان التراب والصخور والحجارة إضافة إلى مادّة الإسمنت فوق أجسادهنّ. ولم يعثر على الجثث إلاّ بعدما بدأت تتحلّل، وساهمت “رائحة الجريمة” في كشفها بعد نحو 20 يوماً على اختفائهنّ.
في بداية التحقيقات، اختلفت رواية الغنّاش عن صديقه فيّاض، وتقاذفا التهمة، وسيطرت المماطلة على هذه القضية. لم تعرف دوافع هذه الجريمة، وتضاربت الروايات منذ اللحظة الأولى لاختفاء الأم وبناتها، إلّا أن التحقيقات القضائيّة أوضحت بأنّ بعض المراسلات التي وجدت على هاتف فيّاض وتمحورها حول اتّهامه لتالا بخيانتها له، أفضت إلى توقيفه، واعترافه بتنفيذ الجريمة بالاشتراك مع رفيقه الغنّاش.
في بداية التحقيقات، اختلفت رواية الغنّاش عن صديقه فيّاض، وتقاذفا التهمة، وسيطرت المماطلة على هذه القضية، إلّا أن التحقيقات القضائيّة أوضحت بأنّ بعض المراسلات التي وجدت على هاتف فيّاض أفضت إلى توقيفه، واعترافه بتنفيذ الجريمة.
نص الحكم بجريمة مدبّرة
وعليه، أنزل القضاء اللبنانيّ عقوبة الإعدام عليهما بعد التأكّد أنّ الجريمة كانت مقصودة ومدبّرة، وأن فيّاض شارك في جريمة القتل، وقام بدفع اثنتين من النسوة إلى الحفرة، وأطلق عليهما النار، كما دفع الغنّاش اثنتين أيضًا وأطلق رشقات عليهما، وأنّهما حاولا إخفاء هواتف الضحايا بعدما حاولا الهرب.
وفي ما يلي نص الحكم:
أصدرت محكمة الجنايات في بيروت حكمها في جريمة أنصار المروّعة التي راح ضحيّتها الأمّ باسمة عبّاس، وزهراتها الثلاث: ريما، منال، وتالا زكريّا صفاوي، الخميس في 16 تشرين الثاني 2023، والذي قضى بإنزال عقوبة الإعدام بحقّ كلّ من اللبنانيّ حسين جميل فيّاض، والسوريّ حسن علي الغنّاش، وإلزامها بدفع مبلغ مليوني دولار أميركي تعويضاً عن العطل والضرر.
وفي التفاصيل، أنّه بعد الإستماع إلى ممثل النيابة العامّة، تقرّر ما يلي:
- تجريم المتّهمَين حسين جميل فيّاض وحسن علي الغنّاش، المبيّنة كامل هويّتهما آنفاً، بجناية المادّة 549/فقرة أولى من قانون العقوبات، وبإنزال عقوبة الإعدام فيهما سنداً لها، وبإدانتهما بجنحتي المادتين 72 و73 من قانون الأسلحة وبحبسهما لمدّة سنتين، وبإدغام هاتين العقوبتين عملاً بالمادة 205 من قانون العقوبات بحيث تنفّذ في حقهما العقوبة الأشدّ وهي عقوبة الإعدام.
- إلزام المتهمَين حسين فيّاض وحسن الغنّاش بأن يدفعا بالتكافل والتضامن في ما بينهما، إلى المدّعِين زكريّا صفاوي وعلي وبسّام عبّاس ونشميّة غازي، مبلغاً قدره مليونا دولار أميركيّ/2،000،000/ د.أ، أو ما يعادله بالليرة اللبنانّية وفقاً لسعر الصرف المتداول بتاريخ الدفع الفعليّ، تعويضاً عن العطل والضرر اللاحق بهم بنتيجة قتل المغدورات باسمة عبّاس وتالا وريما ومنال صفاوي.
- رد سائر الأسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة.
- تضمين المتهمين الرسوم والنفقات كافّة بالتكافل والتضامن في ما بينهما.
“العدالة تحقّقت بعد مماطلة طويلة”
في حديث لـ”مناطق نت” مع والد الضحايا مختار أنصار زكريّا صفاوي، اعتبر “أنّ القضاء اللبنانيّ أنصف الضحايا وأهالي بلدة أنصار، وأنّ العدالة تحقّقت بعد مماطلة طويلة”، لافتًا إلى “أنّه بانتظار المرحلة المقبلة ليتحوّل الحكم الأخير إلى حكم مبرم”. وفي ما يتعلّق بعلاقته مع عائلة فياض، شرح بأن “ما من علاقة تجمعه مع العائلة، وأنّ عقوبة الإعدام تليق بالمتّهمين، خصوصًا بعد التأكّد من أن الجريمة كانت مقصودة وأنّهما قرّرا قتل أربع نساء من دون أدنى مبرر”.
استقبل أهالي بلدة أنصار الخبر “بدموع الفرح”، إذ يؤكّد الوكيل القانونيّ للعائلة ماهر جابر “بأنّنا وضعنا ثقتنا بالقضاء اللبنانيّ وكنّا على أمل في أن يتمّ إنصاف الضحايا وتحقيق العدالة لهنّ وهو الأمر الذي حصل”. وبما يتعلّق بالمسار القانونيّ المقبل، يوضح جابر: “نتوقّع أن يتّجه الوكلاء القانونيّون للمتّهمين إلى تمييز هذا الحكم لدى محكمة التمييز”. وقال: “سوف أتابع هذه القضية إلى حين يصبح الحكم جاهزًا للتنفيذ، وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء على توقيع الحكم في ظلّ الشغور الرئاسيّ وغياب رئيس الجمهوريّة”.
بين التمييز وتنفيذ الحكم
وعن مصير كلّ من فيّاض والغنّاش بعد إقرار عقوبة الإعدام لهما، تقول المحاميّة والخبيرة في القانون الدولّي، ديالا شحادة: “إنّ الحكم يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهوريّة كي ينفّذ، علمًا أن عقوبة الإعدام توقّفت في لبنان منذ حوالي 19 عامًا”. وأشارت إلى “أنّ المتهمَين سيبقيان خلف القضبان إلى مرحلة غير محدّدة، ولن يتمكّنا من الخروج إلّا في حالات استثنائيّة، كصدور عفو عام (يحتاج إلى قانون من مجلس الوزراء)، أو عفو خاص (بحاجة إلى مرسوم رئاسي)”.
المحامية دالا شحادة: الحكم يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهوريّة كي ينفّذ، علمًا أن عقوبة الإعدام توقّفت في لبنان منذ حوالي 19 عامًا.
وحول مسار تمييز الحكم، تضيف المحاميّة شحادة: “سيكون على الشكل الآتي: “من البديهيّ أن يتقدّم الوكيل القانونيّ للمتهمَين بتمييز هذا الحكم، وعليه من الممكن أن تُعاد المحاكمة، أيّ أن تُتابع القضية منذ التحقيقات الأوّليّة والقرار الاتّهاميّ. ومن الممكن أن تطلب محكمة التمييز حضور مجموعة من الشهود وهذا الخيار يعود لها”.
كما وأكدت أن “الخيارات مفتوحة، وما من أحد قادر على معرفة قرار محكمة التمييز، إذ إنّها قد تتّجه إلى التصديق على الحكم، أي الموافقة عليه، أو إلغاء هذا الحكم أو تخفيفه”. وتوضح شحادة أنّ عقوبة الإعدام لم تنفّذ في لبنان منذ نحو عقدين “لأنّ الدولة اللبنانيّة تلتزم بالمعايير الدولية ومعايير الدولة الحديثة”. وتنتهي إلى “أنّ مهلة التمييز هي 15 يومًا فقط، ومن بعدها يُبرم الحكم ويُصبح قابلًا للتنفيذ، ولكنّه بحاجة إلى توقيع من رئيس الجمهورية اللبنانيّة.