سائقة الباص زهرة مروّة: واجهت التنمّر والقيادة ليست حكرًا على الرجال
أكثر ما كان يزعج زهرة مروّة، سوّاقة الباص المدرسي، هو كلام التنمر الذي كانت تواجهه، فقط، في خارج بلدتها الزراريّة (الزهراني)، التي يفتخر أهلها بعمل زهرة، مثلما تفتخر هي ببلدتها وناسها.
مرّت عشرون عامًا، بالتمام والكمال، وزهرة مروّة تقود باصًا مدرسيًّا تتولّى من خلاله نقل تلامذة من بلدتها، إلى المدرسة الإنجيليّة في النبطية ذهاباً وإيّاباً، متصالحة مع نفسها في هذا العمل الذي يعتبره كثيرون حكرًا على الرجال .
بإرادة وتصميم كبيرين، فرضته الحاجة إلى العمل، اختارت زهرة مروّة، عملّا “شاقًّا وغير مألوف”، ويكاد أن يكون فريدًا من نوعه في الجنوب اللبنانيّ. لكنّ زهرة، تبدو أكثر إصرارًا من أيّ وقت مضى، على مزاولة هذه المهنة، وتطمح إلى شراء باص كبير (بولمان) يستوعب أكبر عدد ممكن من التلاميذ .
زهرة التي ترشّحت في موسم الانتخابات البلديّة والاختياريّة الأخيرة، في العام 2016، إلى منصب مختار، ولم يحالفها الحظّ، كسبت خلال عقدين متتاليين من مهنة قيادة الباص ثقة التلاميذ وأولياء أمورهم، لما تتمتّع به من مسؤوليّة تجاه أولادهم، إذ تعاملهم وكأنّهم أبناؤها .
بدأت زهرة مروّة رحلة نقل الأولاد التلامذة إلى مدارسهم مع أولادها الثلاثة، إذ كانت توصلهم إلى مدرستهم في وسط بلدتها الزراريّة، بسيارة مقفلة من نوع “رابيد”. بعدها أستحسن جيرانها الفكرة، وقرّروا مؤازرتها وتشجيعها بتولّيها إيصال أبنائهم إلى المدرسة، انطلاقًا من الثقة التي يبادلونها إيّاها، وهم الذين يعرفونها تمام المعرفة، ولا يقلقون على أولادهم معها، كي تقلّهم من بلدتهم إلى مدرستهم الإنجيليّة الوطنية في النبطية، التي تبعد أكثر من 15 كيلومترًا عن الزرارية.
عملت مروة على مدى خمس سنوات، وخصوصًا في عطلات الصيف على اقتناء “فرنيّة صاج“ وبيع الخبز والمناقيش وسائر انواع المونة البلدية، سعيًا إلى تطوير مهنة القيادة ونقلها من سيارة “رابيد” إلى شراء باص جديد، يوفّر الراحة لها ولتلامذتها، الذين يؤثرون الانتقال معها إلى مدرستهم، كونها تعاملهم بلطف ومسؤوليّة، إلى جانب قيادتها المتأنّية المتّزنة، بحيث لا تعمد إلى مزاحمة السائقين الرجال.
عملت مروة على مدى خمس سنوات، وخصوصًا في عطلات الصيف على اقتناء “فرنيّة صاج“ وبيع الخبز والمناقيش وسائر انواع المونة البلدية، سعيًا إلى تطوير مهنة القيادة ونقلها من سيارة “رابيد” إلى شراء باص جديد.
شجّع حسين زرقط زوجته زهرة ودعمها في إنطلاق عملها وتطوير مشروع النقل المتواضع، الذي صار جزءًا من حياتهما، ولم يكن أبناؤهما أقلّ تحفيزًا لمسيرة والدتهم، إذ ترعرعوا شيئًا فشيئًا على أمّهم “شوفيرة الڤان المدرسيّ”. بيد أنّ مسيرة زهرة لم تمرّ من دون التنمر ليس من قبل الرجال فحسب، بل من بعض النسوة. بأذنها كانت تسمع الرجال يردّدون: “ليش انقطعت الرجال حتّى تسوقي باص؟”؛ “روحي اشتغلي كوافيرة، أو ازرعي ملوخيّة. لكنها تؤكّد أنّ “مثل هذا الكلام، أصبح من الماضي، وباتت كلّ الامور طبيعيّة جدًّا، بفعل تطوّر النظرة إلى المرأة ودورها في سوق العمل.”
تقول زهرة مروّة لـ”مناطق نت”: “كان ردّي على هؤلاء، بالتصميم والمثابرة على عملي، الذي يعتمد في أساسه على المسؤولية، تجاه الأولاد وأهاليهم والمدرسة”، وتزيد تأكيدها “أن النساء قادرات، على القيام بكلّ الأعمال متى توافرت لديهنّ الإرادة والعزيمة، ولا يوجد عمل، مصنّف أو مطوب للرجال فقط” .
وتضيف: “عند الخروج عن المألوف، نشعر بقوّتنا إلى أقصى الحدود، وكسر ما يعرف بالتقاليد والأعراف البالية، التي تقوّض عمل النساء، وتبقيهن أسيرات في مجتمعاتهن”.
وتدعو مروّة المرأة “في عيدها الذي يصادف في الثامن من شهر آذار إلى مواجهة تحدّيات الحياة. أنا من خلال عملي كسائقة باص مدرسي، أسابق الوقت منذ ساعات الصباح الأولى لتجميع التلامذة من بيوتهم ونقلهم إلى مدرستهم في النبطية”.
وتقول: “أنا لا أشعر بأيّ دونيّة بين أقراني ومحيطي الاجتماعيّ، ولا حتّى بين الرجال السائقين، المعروفين بمزاحمة بعضهم البعض في القيادة للوصول قبل دقائق إلى المدرسة، اذ لا يراعي كثيرون منهم معايير السلامة المرورية، التي هي الأساس والمعيار الحقيقي لهذه المهنة المتعبة والشاقّة”.
وتعلن مروّة عن طموحها مرّة أخرى في خوض تجربة انتخابات “المخترة”، خصوصًا وأنّها لم توفّق في المرة السابقة بأصوات قليلة كانت تحتاجها لتصل. آملة من النساء وأيضًا الرجال الناخبين، دعم تطلعاتها من أجل خدمة أبناء بلدتها.