عشرات مزارع الدواجن في الجنوب تم التخلي عنها…والسبب تجّار العلف!!
إيمان العبد
ثلاث مزارع للدواجن في بلدة عيترون، هي فقط التي استمرت ملكيتها لأصحابها من أصل ما يقارب الخمسين المزرعة، والبقية إما تم إقفالها أو انتقلت ملكيتها مؤقتا أو نهائيا للغير. كذلك بلدة بليدا، هي الأخرى طالتها موجة الإقفال، فخلال سنتين توقف العمل في 3 مزارع من أصل 12 مزرعة هناك خشية على مصيرها.
ما يحدث في البلدتين قد يختصر محنة العاملين في هذا القطاع في غير مكان من لبنان. وطرح هذه المشكلة ليس حصرا للدفاع عن أصحاب المزارع المنكوبة والتعويض عن ارزاقهم المهدورة، إنما أيضا مطالبة الدولة بجهازيها التشريعي (مجلس النواب) والتنفيذي (مجلس الوزراء) بضبط اللعبة الاقتصادية في البلد كله وتوفير الحمايات المطلوبة للمصالح والرساميل الصغيرة أمام جبروت الرساميل الكبيرة التي تُقفل باحتكاراتها أبواب الرزق أمام الآخرين. وما ينقله المزارعون العاملون في قطاع تربية الدواجن، يكشف عن تسيّب كامل في إدارة أمور هذا القطاع، وتركه أو إهماله لمنافسة متفلتة من كل الضوابط، تحاكي ما يجري في أعماق البحار من افتراس الأسماك الكبيرة لتلك الصغيرة والضعيفة.
وفي معرض توصيفهم لتشكّل أزمتهم، يقول مربو الدواجن في البلدتين، القصة تبدأ مع تجار بائعي علف الدواجن، وهم اربعة (نتحفظ عن ذكر أسمائهم وهم معروفون) والمزارع الجنوبي مضطر للتعاقد معهم بحكم احتكارهم بيع هذه السلعة في المنطقة، وهذا ما يضع مربي الدواجن بين مطرقة السعر الزئبقي للسوق من جهة، وسندان كلفة تربية الدواجن التي تخضع لمشيئة تجّار العلف، والمفترض أن تبقى منخفضة و ألا تتجاوز ال 1.40 $ للكيلو.
في آخر سنتين 2017-2018 لم يتخط سعر تسليم الكيلو الواحد للسوق ال 1.50 $ لا بل هبط في بعض الأحيان الى أقل من دولار (90 سنتا)، وإذا كان سعر التسليم خاضع لقوانين السوق، هناك مشكلة قبل التسليم، والمقصود بها كلفة التربية أو الإنتاج، وهذه يمسك بزمامها بائعو العلف.
فالعلف يلعب الدور الأساسي في القصة. وهو بحسب التسعيرة الرسمية للدولة اللبنانية يتراوح كحد أدنى 470$ للطن الواحد وحد أقصى 520$ . غير أن التجار المحتكرين لهذه السلعة بإمكانهم التفلت من هذا الهامش، وأحيانا يرفعون سعر الطن الواحد الى 600 دولار، والمزارعون مجبرون على الشراء لانعدام البديل أو صعوبة العثور عليه أو المخاطرة بالتعامل معه.
إلى سعر كلفة العلف وتجاوزه للهوامش الموضوعة، يعاني المزارعون من مشكلة أخرى مع تجّار الأعلاف، وهي نوعية العلف وجودته، فأحيانا يتم بيعهم علفا يفتح شهية الدواجن، فتأكل ضعف ما كانت تتناوله عادة. وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع كلفة الانتاج على المزارع، وتخفض ربحه إن كان موجودا وتكبده خسائر فادحة. بالإضافة للعلف أعطى المحتكرين في سنة 2018 دواجن للمزارعين بجودة متدنية جدا تم تهريبها من سوريا فتفشت الأمراض في فوج الدواجن وتحمّل المزارعون وحدهم الخسائر الناجمة عنها من دون أن يتحمّل البائعون أي تبعات مالية على هذا “الغش”.
خلال السنتين الأخيرتين استعان تجّار العلف – على ما يقول مزارعون في هذا القطاع – بمختلف الطرق لزيادة كلفة الإنتاج، بقصد تعجيز المزارعين ومضاعفة خسائرهم، ودفعهم إلى الخيار الصعب “التخلي عن مزارعهم” مع معداتها لإبراء ذممهم المالية أمام التاجر وشطب ديونهم المتراكمة.
يقول أحد المزارعين من بليدا أنه تكبد خسائر بقيمة 8 آلاف دولار خلال شهرين فقط، لكنه تدارك الأمر وعرف أن المشكلة في غذاء (العلف) الدواجن وتعاقد مع شركة لبنانية أخرى، وبحسب قول المزارع أن أحد تجّار المنطقة، حاول إفشال تعاقده مع الشركة مشوها سمعته وسمعة المزارعين في المنطقة لكنهم لم ينجح”.
55 عائلة في بلدتي عيترون وبليدا فقدت موارد رزقها، في وقت تتضاءل فيه فرص العمل على مستوى الوطن كله، ويلوح في الأفق احتدام الضائقة الاقتصادية، وبالوقت الذي يتغنى فيه المسؤولون بتقليص أحياء الصفيح في المدن ومنع الهجرات الداخلية والبقاء في القرى لاستغلال الأرض وتكبير حجم الأعمال، يُترك مصير هؤلاء الناس لبضعة تجّار استثمروا على تغاضي الدولة عن تجاوز القوانين وتقصيرها في سن التشريعات الكفيلة بحماية مصالح صغيرة تترزّق منها عائلات لا حول ولا قوة إلا مثل هذه الفرص.
ما يمكن التأكيد عليه، أن مطالب المزارعين، التي تتلخص بداية بنقطة واحدة هي فرض الرقابة على سعر مبيع العلف والدجاج وكذلك التحقق من جودتها لحمايتهم، وإعادة التوازن في العلاقة التي تربطهم بتجار العلف وتفريغها من ألاعيب الابتزاز المعروفة.