مصريّون ومقدسيّون وأتراكٌ وأَلبَانٌ في صور.. قاسمهم المشترك “حيّ المصاروي”
تحضر مصر، في مدينة صور الساحليّة، بأسماء منها قديم، يعود لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، في عهد الفينيقيّين، ومنها حديث نسبيّاً، وهو التاريخ الذي قاد به إبراهيم باشا، حملة على العثمانيّين في بلاد الشام، بأمر من والده محمّد علي باشا، الذي كان قد اعتلى عرش مصر، وذلك في العام 1831 ميلاديّ، وكان من أسباب الحملة المباشرة، رفض عبدالله باشا والي صيدا، طلب محمد علي باشا بإرجاع نحو ستّة آلاف مصريّ هاجروا فراراً من الضرائب والخدمة العسكريّة الإلزاميّة، بحجّة كونهم رعايا عثمانيّين تحقّ لهم الإقامة لديه، ما أغضب محمّد علي باشا.
مكانان في صور، المدينة التي طالما ارتبطت تجارتها البحريّة القويّة مع مصر، يحملان ما يشير إلى مصر، الأوّل “المرفأ المصريّ”، الذي صار أثراً بعد عين، ويقع حاليّاً مقابل مبنى الجامعة الإسلاميّة في صور، جنوب المدينة، والثاني حيّ “المصاروي” أحد أحياء صور القديمة، التي تشكّل النطاق الجغرافيّ للمدينة، قبل تمدّدها راهناً، وعددُها بحسب سجلّات النفوس والقوائم الانتخابيّة، عشرة أحياء هي: الجورة، الحسينيّة، المنارة، الجامع، المصاروي، الكاثوليك، الموارنة، الروم، البساتين، والشبريحا.
ظلّ المرفأ المصريّ، يعمل من العام 400 قبل الميلاد، وحتّى العام 1500 (ميلاديّاً)، وصار بعد ذلك واحداً من المواقع الأثريّة، التي تحتويها صور، المليئة بالأماكن الاثريّة والتراثيّة. وسبق أن أطلق على المرفأ، أسم المرفأ المصريّ، على خلفيّة وجهته إلى مصر، القريبة من الساحل الجنوبي، فكانت تنقل عبره البضائع والمؤن المتبادلة.
جذور العائلات الصورية، وحكاية حي المصاروي
لا يوجد شيء مُؤرّخ أو مُدوّن، يرتبط بقدوم عائلات مصريّة الأصل إلى مدينة صور، لكن ما يتفق عليه كثيرون من المهتمّين، وما تتوارده الأجيال في هذه المدينة، يشير إلى أنّ غالبية العائلات الصّوريّة “السنّيّة” حلّت في صور، تزامناً مع حملة إبراهيم باشا، حيث كان يحارب، ضمن حملته العسكرية، جنودٌ من مصر والسودان وبلاد الشام وألبانيا وتوسكانا وغيرها.
من أبرز تلك العائلات، التي تقطن في حي “المصاروي” الذي أطلقت عليه هذه التسمية، كونه شكّل موئلاً لعائلات جنود مصريّين، كانوا في عداد حملة إبراهيم باشا، عائلات: زعتر، الملاح، قدادو، صبّاغ، سعد. وهذا الحيّ وفق مختار حي المصاروي وليد الملاح، “تقطنه أكثريّة شيعيّة، بحسب سجلّات النفوس، بينما تتوزّع العائلات الأخرى في أحياء ملاصقة، منها أحياء: الحسينيّة، الجورة، والجامع، المتجاورة في مساحة جغرافيّة صغيرة، غالبية منازلها من الحجر الرمليّ، مؤلفة من طبقتين، ولا تدخلها السيّارات، نظراً لطرقاتها الضيّقة، حيث يقتصر الدخول اليها على المشاة والدراجات”.
ويقول الملاح لـ”مناطق نت”: “بحسب معلوماتي، فإنّ أسم حي المصاروي، الممتدّ إلى تخوم الكلّيّة الجعفريّة والجامعة الإسلاميّة، ويُطلق على أجزاء منه حاليّاً، منطقة الرمل، يعود إلى تردّد التجّار المصريّين إلى المنطقة والمبيت فيه للراحة، بعد عناء السفر في البحر. وأيضاً هنالك رواية أخرى تفيد بأنّ إسم الحيّ، مرتبط بسكنه من قبل عائلات جنود مصريّين، كانوا ضمن حملة إبراهيم محمّد علي باشا، ومن أبرز هذه العائلات الصوريّة المنتشرة في أحياء عدّة، ذات الجذور المصريّة وغير المصريّة: قهوجي، الرفاعي، حلواني، دمياطي، صعيدي، الدادة، قندقجي، محفوظ، شاكر، جودي، بوّاب، بيضاوي، شعلان، خالد، تركيّة، شام، زهير، أرناؤوط، سعيد وداموري ومملوك وفران والشيخ والنويري وغيرها”.
أصول مصرية ومقدسيّة وتركيّة وألبَانِيّة
يصل رأي محمود الرفاعي “أبو سليمان” (85 عاماً) إلى حدّ الجزم، حول أصول وجذور أكثريّة العائلات السنّيّة، وارتباط قدومها بحملة إبراهيم باشا، ومن بينها عائلات من أصول مصريّة على وجه الخصوص، مثل آل الرفاعي ودمياطي ومحفوظ والملاح وحلواني وشعلان وخالد والصعيدي وزهير وسعد وعفريتي وتمساح وعوض وزعتر وجام ونويري والحلبي..
ويضيف الرفاعي لـ”مناطق نت”: “هناك عائلات من غير أصول مصريّة، قدمت على الأرجح، مع حملة إبراهيم باشا، من بينها آل قندقجي، التي تعود أصولها إلى تركيّا، كذلك عائلة قدادو، وهي من كبرى العائلات، تتحدّر من أصول ألبانيّة، وعائلة توسكا، من توسكانا في إيطاليا”.
ويتابع الرفاعي: “إنّ عائلتنا في صور، هي من أصول مصريّة، وتحديداً من دمياط. وقد جاء جدّ جدّي، مع حملة إبراهيم باشا إلى المنطقة، وسكن في صور، وهناك قبر وشاهد في مقبرة “الخراب”، يدلّ عليه. وقد حفر جدّي ووالدي على الشاهد أبياتاً من الشعر منها: هناك كلّ الرفاعيّ نزل بعد الصبر والعناء حلّ”. مضيفاً: “إنّ جدّ جدّي، هو واحد من الجنود الذين جاؤوا مع عائلاتهم من مصر إلى صور، وسكنوا في الحيّ، الذي صار يحمل أسم حي المصاروي”.
وأصول مقدسيّة
تعدّ عائلة جودي، من أكبر العائلات السنّيّة الصوريّة، ويؤكّد أحد أبناء هذه العائلة، مدير أوقاف “دار إفتاء صور” سابقاً، أحمد فهد جودي (70 عاماً)، “أنّ عائلة جودي، جاءت إلى صور قبل حوالي مائتي عام، من خلال جدّ جدّي ويدعى مصطفى، الذي انتقل من القدس في فلسطين إلى لبنان في خلال الحقبة العثمانيّة في العام 1845، وكانت في حينه جزءاً من بلاد الشام، لا تفصلها حدود جغرافيّة”.
ويضيف: “إنّ احد أبناء عمومتي ويدعى يوسف جودي، وكان متزوجاً من ابنة عمّي سعاد جودي الصّوريّة الأصل، بقي في القدس المحتلّة، حتّى العام 1967، عندما كانت لا تزال تحت السيطرة الأردنيّة. وبعد احتلال القدس الشرقيّة، من قبل العدوّ الاسرائيليّ، عاد إلى صور، وأكمل حياته فيها مع عائلته، التي تحمل الجنسيّتين اللبنانيّة والأردنيّة”.
قهوجي: أصولنا من القدس
تحفظ ذاكرة محمد قهوجي “أبو يوسف” البالغ 95 عاماً، الكثير الكثير من الأخبار والمعلومات، ويعيد جذور عائلة قهوجي، أكبر عائلات صور، إلى مدينة القدس الفلسطينية. ويقول قهوجي لـ”مناطق نت”: “ترجع عائلة قهوجي في صور، إلى سبعة جدود، وبالتالي هي عائلة، سبق وجودها هنا حملة إبراهيم باشا”. مضيفاً: “إنّ أصول العائلة هو “السلال”، وقد جاءت من اليمن إلى القدس، ومن بين أفراد العائلة، أتى منها إلى صور رجلان، الأول كان صاحب مضافة للقهوة، وصار كلّ واحد من أبناء المدينة، يردّد: “رايحين عند القهوجي”، ومنذ ذلك الحين، حملت العائلة اسم قهوجي. أمّا الرجل الآخر وهو شقيقه، فكانوا يردّد قاصدوه: “سنذهب إلى بيت القدسيّ”، نسبة إلى القدس، التي جاء منها، وبذلك أصبح أحد فروع العائلة في صور يحمل عائلة قدسي”.
حلواني من حلوان المصريّة
كغيرها من العائلات الصوريّة السنّيّة، قدمت عائلة حلواني على الأرجح من مصر، في مرحلة حملة إبراهيم باشا، قبل نحو مائتي عام، وهي من ضمن سجلّ نفوس حي الحسينيّة المجاور لحيّ المصاروي. يلفت علي حلواني “أبو حسين” إلى “أنّ عائلة حلواني منتشرة في أكثر من منطقة لبنانيّة، ومنها العاصمة بيروت، وكذلك في دمشق وغيرها. إنّ جذور عائلتنا في صور، بحسب ما هو متوارد من معطيات، من جمهوريّة مصر العربيّة، وقد يكون نسبة إلى مدينة حلوان في مصر”.
عائلة المملوك “الأغاويّة”
ارتبط اسم هذه العائلة إلى حدّ كبير، بمرحلة الحكم العثمانيّ، في بلاد الشام. ووفق صفحة رسميّة باسم آل المملوك على “”فيسبوك”، فإنّ العائلة “من أصول مصريّة وشاميّة، وهي من الأسر البيروتيّة الإسلاميّة، وقد مارست السلطة في الحقبة العثمانيّة، وإنّ أحد أجداد الأسرة هو علي بك المملوك، تولّى ولاية مصر، كما كان لهذه العائلة نفوذ في مدينة صور في حقبة الوجود التركيّ”.
ويقول علي مملوك: “إنّ يوسف آغا المملوك، كان واحداً من الشخصيّات الصوريّة البارزة في صور، بين العامين 1870- 1890، كما تولّى سعيد آغا المملوك رئاسة بلديّة صور من العام 1914 وحتى 1918”.
ويلفت مملوك إلى “أنّ جذور العائلة، تعود إلى مدينة القاهرة المصريّة، وقد سبق وجودها في صور حملة إبراهيم باشا في العام 1881 بسنوات طويلة”. مشيراً إلى وجود أقارب في فلسطين، “وتحديداً في مدينة عكّا”.