أزمة تصدير تعصف بمشمش بعلبك وخسائر المزارعين كبيرة
“مشمش بعلبك استوى”.. لكنّه يعاني مصاعب كثيرة أوّلها التصدير، ومزارعوه يكابدون مشقّات زراعته، وينتظرون من يرفع عنهم الغبن. المشمش الذي يعتبر من الزراعات الرئيسة في منطقة البقاع الشماليّ، ويشكّل مصدر رزق لعديد من المزارعين، بات مزارعوه اليوم يضيقون ذرعًا بمواسمهم، وذلك بسبب الكلفات العالية للقطاف والنقل، ما جعلهم يتوجّهون إلى بيع محاصيل بساتينهم على الشجر من خلال وسطاء وتجّار بأسعار زهيدة، غالبًا ما تكون الأرباح فيها متواضعة، تحت هاجس تصريف مواسمهم خوفًا من كسادها وتلفها.
خيّب موسم المشمش هذا العام آمال المزارعين وفاقم معاناتهم، إذ لم يكن كسابقه حيث قارب ثلث ما كان عليه العام الماضي، وهو بالكاد يكفي السوق المحلّيّة فقط.
تراوح المساحات المزروعة بشجر المشمش في كلّ من اللبوة، النبي عثمان، العين، الفاكهة، جبّولة وزبود وفق ما قاله نائب رئيس الجمعيّة التعاونيّة الزراعيّة للإنتاج والتسويق في البقاع الشماليّ مخيبر الشيخ علي لـ”مناطق نت”: “ما بين 1200 و1500 دونم، تتوزّع على أنواع مختلفة”. ولفت الشيخ علي إلى “أنّ الجمعيّة بصدد إعداد دراسة إحصائيّة دقيقة لكمّيّات المشمش المزروعة في المنطقة ككلّ”.
أسعار مجحفة بحقّ المزارع
إجحاف كبير يلحق بالمزارع الذي يبيع الكيلوغرام الواحد من المشمش في أرضه بسعر يراوح بين 20 ألفًا و25 ألف ليرة لبنانيّة، في الوقت الذي يباع الكيلوغرام الواحد في السوق، ما بين 150 و175 ألف ليرة، وفي بعض المناطق أكثر. يشكو المزارع هذا الإجحاف وهذه الأسعار المنخفضة التي يدفعها الوسطاء في ضمان المشمش، مع علم المزارعين المسبق أنّ الأسعار في السوق أعلى بكثير.
أسباب كثيرة تدفع أصحاب الكروم إلى بيع محاصيلهم على الشجر، منها غياب اليد العاملة، والتي في حال وجدت فهي مرتفعة الأجر، ومنها كلفة النقل إلى “الحسبة”. يتحدّث المزارع منير شمص عن معاناته، فيقول لـ”مناطق نت”: “إنّ أجرة العامل تبلغ دولارين في الساعة الواحدة، وهذا أمر مرهق جدًّا للمزارع ما يدفعه إلى اللجوء لتضمين المحصول، وهو في هذه الحال أمام خيارين أحلاهما مرّ”.
شمص الذي ضمّن بستانه بأسعار يعتبرها “ميّتة” ومجحفة، يشير إلى أنّه لديه نحو 150 كعبًا (شجرة) يُقدّر إنتاجها بنحو 15 طنًّا من المشمش أخذها الضامن بـ325 دولارًا، وهذا يعني أنّ الكيلوغرام الواحد راوح سعره ما بين 20 و25 ألفًا. وهذا وفق شمص “غير عادل وخسارة، ولا يساوي الكلفات العالية التي يتكبّدها المزارع، والتي تتوزّع ما بين حراثة وريّ وأدوية وأسمدة”.
أكلو أموال المزارعين
يستعرض شمص أسعار مواد تحضير الأشجار والموسم فيقول: “سعر كيس السماد المنخفض الجودة ثلاثون دولارًا، وأكياس “العشرينات” وغيرها من أنواع الأسمدة، أغلى من ذلك، وهذا ما لا يستطيع المزارع تحمّل أعباءه”. ويضيف: “في السابق كان المزارع يبيع إنتاجه إمّا للسوق المحلّيّة، أو للتجّار الذين يصدّرونه إلى الخارج، في حينه كان المزارع يقع ضحيّة التجّار والمشاغل التي أقفلت وسافر أصحابها لا سيّما إلى الأردن بعدما “أكلوا” أموال المزارعين”.
إجحاف كبير يلحق بالمزارع الذي يبيع الكيلوغرام الواحد من المشمش في أرضه بسعر يراوح بين 20 ألفًا و25 ألف ليرة لبنانيّة، في الوقت الذي يباع الكيلوغرام الواحد في السوق، ما بين 150 و175 ألف ليرة
ويردف: “في ذاك الحين كانت المواسم تُقطف باكرًا وقبل نضج الثمار بشكل كامل، حيث تُصدّر إلى الخارج، الأمر الذي يريح الشجرة ويعطيها حيويّة”.
من جهته يقول أحد مزارعي بلدة النبي عثمان إنّه إضافة إلى كلف العمّال والقطاف، فإنّ كلف نقل الإنتاج سواء إلى أسواق بيروت أو صيدا هي بدورها عالية، والمزارع غالبًا لا يمتلك وسائل لنقل إنتاجه، فيضطرّ إلى تأمين ذلك من خلال التجّار أنفسهم، الأمر الذي يزيد الكلف أيضًا.
ماذا يقول الضامنون؟
على المقلب الآخر ماذا يقول ضُمّان بساتين المشمش في منطقة بعلبك عن عملهم هذا؟ يقول هاني فيّاض سرور وهو أحد ضامني البساتين لـ”مناطق نت” إنّه يعمل في هذا المجال منذ نحو 25 عامًا، “أضمن في كلّ موسم ما يقارب 300 دونم من بساتين المشمش، يراوح محصولها ما بين 50 و60 طنًّا”. ويلفت فيّاض سرور إلى أنّه كان مزارعًا قبل أن يصبح ضامنًا للمواسم، وكان يعاني ما يعانيه مزارعو اليوم، “إلى أن قرّرت أن أصل إلى المصدر الأساس لتصريف إنتاجي كي لا أعطي رزقي للتجّار، وعندما وصلت إلى معرفة هذا المصدر طوّرت عملي إلى ضمان البساتين، وبتّ أضطرّ للسفر سنويًّا إلى مصر والبقاء لأشهر هناك من أجل تأمين تصريف إنتاجي”.
حول تصريف الإنتاج يفيد فياض سرور بإنّه يعتمد على السوق المحلّيّة من جهة، ومن جهة ثانية على التصدير إلى الخارج، وبالتحديد إلى مصر، لافتًا إلى أنّ التصدير إليها توقّف بسبب زيادة الكلفات والتي ارتفعت من 1800 دولار للـ”كونتينر” الواحد إلى 4000 دولار.
المزارعون ضحايا التجّار
ليس جديدًا القول إنّ المزارع هو الحلقة الأضعف في عمليّة الإنتاج الزراعيّ على الإطلاق، وفي هذا الإطار يعيد الشيخ علي السبب في ذلك إلى عدة أمور منها “قلّة التوعية وتدارك الأمور لدى المزارعين، والتسرّع في تضمين الموسم خشية كساده”، مؤكّدًا “أنّ التعاونيّة هي حلقة وصل بين المزارع وصاحب المعمل، وهذا يؤدّي إلى إلغاء دور الوسيط، وزيادة حيّز الربح لدى المزارع، لذا عملت الجمعيّة على تأمين سوق للمزارعين عبر مؤسّسات عديدة متخصّصة بالتصنيع الغذائيّ، أبدت استعدادها لشراء كمّيّات كبيرة من المشمش بنوعيه الذهبيّ الأصفر والفرنساويّ الأحمر بأسعار أفضل من أسعار التجّار، لكنّ تلك المحاولة فشلت”.
عن ذلك يقول شمص: “إنّ الشروط التي تطلبها الشركات غالبًا ما تكون غير متوافرة في منتجات المزارعين، ففي العام الماضي طلبت إحدى المؤسّسات كمّيّة من المشمش الذهبيّ الأحمر، وبعدما أخذت عيّنة منه وفحصتها، لم تشترِ الإنتاج متذرّعة بأنّ نسبة الحلاوة فيه منخفضة”.
أبواب التصدير مقفلة
إنّ جميع أبواب تصدير المنتجات الزراعيّة من البقاع إلى الخارج إمّا مقفلة، وإمّا تتطلّب مواصفات عالية كالأردن الذي يتشدّد في ذلك. وفي حين يبقى التصدير باتّجاه الخليج مقفل تمامًا، فإّنه مكلف جدًا إلى العراق عبر سوريا ويبلغ حوالي 6500 دولار للشاحنة بحسب سرور. تبقى مصر هي الدولة الأكثر استيرادًا لمشمش وتفّاح البقاع.
هذا ما يؤكّده الشيخ علي، لافتًا إلى “أنّ المشكلة الأساس هي في تصريف الإنتاج، وما يعتريه من تهريب عبر الحدود وكثرة الوسطاء الذين يستفيدون، بينما يدفع المزارع الثمن”.
تعمل الجمعيّة التعاونيّة الزراعيّة للإنتاج والتسويق في البقاع الشماليّ بالتنسيق مع وزارة الزراعة من أجل معالجة تلك المشكلة. وهي شاركت في اجتماع دعا إليه وزير الزراعة الدكتور عباس الحاج حسن بحضور عدد من نواب المنطقة وممثّلين عن المزارعين (الذين مثّلتهم الجمعيّة) مع المصدّرين، وهو انتهى إلى خلاف بين الطرفين على خلفيّة اقتراح الوزير الحاج حسن العمل لخفض الرسوم الضريبيّة على المنتجات الزراعيّة اللبنانيّة التي تمرّ في كلّ من سوريا ومصر لصالح المزارعين، وهذا ما رفضه المصدّرون، الذين أصرّوا بداية على أن يكون هذا التخفيض لصالحهم، لكنّهم عادوا ووافقوا لاحقًا على اقتراح الوزير.
أمام الصورة السوداويّة لوضع مزارعي المشمش، الذين يعانون شحّ الموسم لهذا العام، فضلًا عن تهاوي الأسعار التي وصلت إلى الحضيض، وإقفال أبواب التصدير، إضافة إلى ما يعانونه من ارتفاع كلف الأدوية الزراعيّة وأجرة اليد عاملة وتسميد للأرض وغيرها، يبقى السؤال: كيف يستطيع المزارع الاستمرار وتأمين قوت عياله؟ وأين هي الدولة التي من أدنى واجباتها التطلّع إلى مواطنيها ورعاية شؤونهم؟