أزمة مياه مستفحلة في بعلبك سببها جفاف الآبار الارتوازيّة

تركت موجة الجفاف التي تضرب البقاع أثرًا بالغًا على الآبار الارتوازيّة في منطقة غرب بعلبك، فحلّ الجفاف وانخفضت مستويات المياه في آبار المنطقة وهي إلى تزايدٍ وارتفاعٍ مطرد، ما يُنذر بكارثةٍ مائيّةٍ محتملةٍ ويدقّ ناقوس الخطر ويُعرّض البشر كما الشجر والمزروعات إلى عطشٍ حقيقيّ مُحتمَل.

أكثر من 25 بلدةً تنتشر في غرب بعلبك على مقربة من جبل صنّين والسلسلة الغربيّة التي كانت في الماضي تبقى مكسوّة بالثلوج حتّى منتصف فصل الصيف، تعاني شُحًّا في مياه آبارها ومياه بلدة اليمّونة التي تتغذّى منها. وهذا ما ظهر جليًّا في جفاف بعض الآبار كلّيًّا، وتدنّي مستوى المياه إلى أكثر من الثلثين في بعضها الآخر، وأيضًا، إلى تدنّي نسبة ضخّ مياه اليمّونة إليها بحدود النصف.

الواقع المائيّ في المنطقة

بعد جفاف آبار بلدات غرب بعلبك، التي تبلغ أعماقها بحدود الـ 200 مترٍ، تمامًا منذ نحو شهرين، يلاحظ حاليًّا، انخفاض مستوى الآبار الارتوازيّة المحفورة على عمق 450 و550 مترًا، وجفاف عددٍ لا بأس به منها بشكل كامل، ما يؤشّر إلى وجود خطرٍ كبيرٍ يطال المياه الجوفيّة، وهنا يبدأ الخوف من فقدان المياه باستخداماتها جميعها.

أحد ينابيع اليمونة التي جفّت مياهها تمامًا هذا الصيف
كيف توصّف الجهات الرسميّة الواقع المائيّ لمنطقة غرب بعلبك؟

يقول رئيس دائرة مياه بعلبك وجوارها بسّام سلمان إنّ “خطر فقدان المياه في المنطقة بات أمرًا حقيقيًّا في ظلّ تزايد عدد الآبار العميقة التي بدأت تعاني من تدنّي مستويات المياه فيها إلى حدود الـ 70 والـ 75 في المئة وهو أمر مقلق للغاية، ولم تعرفه المنطقة في تاريخها سابقًا”.

ويؤكّد لِـ “مناطق نت” أنّ “أزمة المياه لم تعد محصورةً ببئرٍ معيّنةٍ في مكانٍ محدّد، أو في منطقةٍ بعينها، بل باتت أزمةً عامّةً وشاملةً تسود منطقة غرب بعلبك بأكملها، كون مصادر المياه واحدةً وهي السلسلة الغربيّة للبنان وينابيع مياه اليمّونة، التي بدورها آخذة بالتراجع شيئًا فشيئًا من مصادرها، وهذا يدلّ على أنّ المياه الجوفيّة أصبحت بخطرٍ حقيقيّ.”

الجفاف والشّحّ بالأرقام

ويشير سلمان إلى أنّ الجفاف والشّحّ في مياه آبار المنطقة يتوزّع على الشكل الآتي: في شمسطار حيث هناك خمس آبارٍ ارتوازيّةٍ تراوح أعماقها بين 400 متر و650 مترًا، كانت ثلاث منها يضخّ بمعدّل 3000 مترٍ مكعّبٍ خلال 24 ساعةً، وهذه كمّيّة كافية لأحياء البلدة جميعها، صارت اليوم تضخّ بين 700 و800 مترٍ مكعّبٍ في 24 ساعةً أيّ بتراجع 75 في المئة، علمًا أنّها بأعماقٍ أكثر من جوفيّة.

في طاريّا هناك ثلاث آبارٍ، واحدة معطّلة لأسبابٍ فنّيّةٍ، والبئران الأخريان تضخّان 200 مترٍ مكعّبٍ في 24 ساعةً بعد أن كانتا تضخّان 1000 مترٍ مكعّبٍ، أيّ بتراجعٍ يصل إلى الـ 80 في المئة.

في طاريّا هناك ثلاث آبارٍ، واحدة معطّلة لأسبابٍ فنّيّةٍ، والبئران الأخريان تضخّان 200 مترٍ مكعّبٍ في 24 ساعةً بعد أن كانتا تضخّان 1000 مترٍ مكعّبٍ

نبع المَوْرج

كان يغذّي بلدتيّ طاريّا وبيت مشيك بقوة أربعة إنشات السّنة الماضية، بات اليوم جافًّا تمامًا. أمّا بلدة كفردان فيوجد فيها بئر واحدة بعمق 650 مترًا، كانت بقوّة 1500 مترٍ مكعّبٍ في الـ 24 ساعةً تضاءلت اليوم لتصل إلى 400 مترٍ مكعّب. نبع اليمّونة الذي كان في السابق بقوة 20 إنشًا من المياه تدنّى إلى حدود الستّة إنشات حارمًا بذلك بعض البلدات التي كان يغذّيها كالنبي رشادة وكفردان والتليلة التي انقطع أهلها كليًّا من المياه وهم اليوم يشترون صهاريج المياه من بلدات أخرى كون أراضيهم باتت بلا مصادر للمياه.

فلاوي وهي الأقرب إلى بلدة اليمّونة لذلك كانت تتغذّى من مياهها، ولكن وبعد تدنّي مستوى مياه اليمّونة وشعور أهالي فلاوي بالخطر قاموا بحفر بئرٍ في بلدتهم أخيرًا لعلّهم يحظَوْن بكمّيّةٍ من المياه فيها، إلّا أنّهم واجهوا مشكلةً في تأمين الكهرباء لتشغيل البئر.

ويحذّر سلمان من خطورة المرحلة المقبلة لناحية الجفاف المتزايد بسرعةٍ يومًا بعد يوم. مؤكّدًا وجود علاجيْن لا ثالث لهما حيال الأزمة المائيّة التي تمرّ بها المنطقة، أوّلها ترشيد استخدام المياه إلى الحدود القصوى “وهذا يتطلّب توعيةً للمواطن حول ذلك مع موازنة الحاجة والكمّيّة”. ثمّ قيام الجهات المعنيّة بحفر آبارٍ أفقيًّا في جبال السلسلة الغربية “وإنْ كان ذلك يتطلّب الدخول في الجبال مئات الأمتار فتصبح المياه على عمق أكثر من 800 مترٍ عن سطح الجبال التي قد تكون غنيّة بكمّيّات من المياه آتية من أماكن خارج لبنان”.

ويختم بضرورة اتّخاذ جميع التدابير والاجراءت اليوم قبل غدٍ في ما خصّ عمليّة توفير المياه وترشيد الموجود منها “وذلك قبل فوات الأوان.”

صرخة المواطنين

إنّ أبناء المنطقة الذين لم يعد لهم حول ولا قوّة إزاء موجة الجفاف المتصاعد في آبارهم ومصادر مياههم تخلَّوْا عن استخدام المياه لريّ مزروعاتهم سواء المنزليّة أم السهليّة متوسّلين بقاء مياه الشرب في الحدّ الأدنى. ويقول المواطن توفيق مهنّا من بلدة النبي رشادى إنّه ضحّى بمزروعات أرضه التي كان يعتمد عليها مصدرًا للرزق طالبًا أن تبقى المياه متوافرةً للشفة “فالإنسان يمكنه العيش من دون طعامٍ لأيّامٍ طويلةٍ أمّا أن يعيش يومين من دون شرب الماء فهذا محال.”

ويشير لِـ “مناطق نت” إلى أنّه يشتري كلّ خمسة أيامٍ “نقلة” مياهٍ بكلفة 17 دولارًا بسبب انقطاع مياه اليمّونة التي كانت تتغذّى منها بلدته منذ عشرات السنين “ولكن بعد انخفاض مستوى مياه اليمّونة لم تعد تصل إلى بلدتنا، فكيف بالبلدات البعيدة كبيت شاما أو أبلح مثلا؟”.

الدولة بريئة هذه المرّة

أمّا محمّد حميّة من بلدة طاريّا فلم يعد أمامه إلّا التوسّل إلى الله “ليُنزل علينا ماء من السماء، فهذه هي المرّة الأولى التي تكون فيها الدولة بريئة من المصائب. لذلك الحلّ لن يكون إلّا بيد الله إن رَحِمنا وتحنّن علينا”. ويوضح حمية لِـ “مناطق نت” أنّ خسارته الزراعيّة بسبب انقطاع المياه تجاوزت الـ 25 ألف دولار. “وعلى رغم ذلك رضيتُ حينما بدأنا نتهدّد بالعطش بسبب ما بتنا نراه بأعيننا”. ونبع المورج “الذي كان يتدفّق إلينا بقوّة خمسة إنشات وجفّ بقدرة قادرٍ أبلغ دليلٍ وبرهانٍ على أنّنا مقبلون على فقدانٍ تامٍّ للمياه وهذه ليست مزحة.”

ويختم حميّة بدعوة “إلى جميع المواطنين في بلدتي والبلدات الأخرى كي يزِنوا كلّ قطرة ماء بميزان الذهب قبل هدرها واستخدامها في غير محلّها. فنحن مقبلون على أيّام ربّما تصبح فيه نقطة الماء أغلى من الذهب. ولا حلّ لأزمتنا إلّا بالاقتصاد والتنظيم في استخدامنا للمياه، ولات ساعة مندم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى