أسامة سليمان لبناني ضمن قائمة أفضل تصميم عالمي لمعرض بغداد

في عاصمة الرشيد الزاخرة بتراث بلاد الرافدين، وضع المهندس المعماريّ أسامة علي سليمان بصمة لبنانيّة بنكهة حداثيّة، بعد أن ظفر بجائزة أفضل تصميم لجناح العراق في معرض بغداد الدوليّ، الذي يعدّ أحد المواقع الثقافيّة البارزة في العراق منذ العام 1957. فقد اختير الشاب العشرينيّ ضمن أفضل 20 تصميمًا على مستوى العالم بموجب “جائزة ديوان للعمارة 2024″، وهي واحدة من أبرز المسابقات في مجال العمارة، وتنظّم في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من كلّ عام، تشجيعًا للمواهب الفنّيّة الشابّة من مختلف أصقاع العالم. وتقوم بتصنيف المشاريع لجنة تحكيم دوليّة، تضمّ أبرز الأسماء العالميّة في مجالات الهندسة والتصميم من جامعات أوكسفورد وكامبريدج وليدز وغيرها من المؤسّسات والشركات العربيّة.

الفرص تثبت المهارة

تثبت الكفاءات اللبنانيّة بأنّها تحتاج إلى فرص من أجل إثبات مهارتها وإبراز قدراتها. هذا ما تؤكّده التجربة يومًا بعد يوم على أرض الواقع. فقد أضاف أسامة إنجازًا إضافيًّا إلى مسيرته المهنيّة القصيرة، وإلى قائمة النجاحات التي يحقّقها طلّاب كلّيّة الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانيّة- فرع طرابلس.

ينحدر أسامة من عائلة مكافحة من بلدة عاصون الضنّيّة. بدأت مسيرته من دولة الكويت حيث نشأ قبل أن ينتقل إلى لبنان لإتمام دراسته في ثانويّة بخعون الرسميّة قبل التحاقه بمقاعد الدراسة في الجامعة اللبنانيّة. باكرًا بدأ أسامة العمل بدوام مستقلّ حرّ Freelancer في مجال التصميم والهندسة لتأمين دخل خاص، واكتساب خبرة عمليّة، مشيرًا إلى تصميمه عديدًا من المباني السكنيّة والمنشآت السياحيّة والتجاريّة والمعابد على رغم مسيرته المهنيّة القصيرة نسبيًّا.

تصميم المهندس أسامة سليمان الذي حصد من خلاله جائزة أفضل تصميم في معرض بغداد الدولي

يتحدّث سليمان عن مشاركته الأولى في المسابقات الدوليّة من خلال “جائزة ديوان للعمارة”، من باب “تأكيد مهارة كفاءة المهندس والمصمم اللبنانيّ”، وقد اكتسب مزيدًا من الثقة بعد أن صنِّف ضمن قائمة أفضل 20 مشروعًا ضمن منافسة “التميُّز أوورد” لتصميم جناح العراق في معرض بغداد الدوليّ، وبمشاركة مصمّمين من 34 دولة، قدّموا 188 مشروعًا مختلفًا. يقول أسامة لـ “مناطق نت”: “نافست منفردًا فرقًا مؤلّفة من مجموعة تراوح بين خمسة وستّة مصمّمين، منطلقًا من تصوّر يقوم على إبراز الهويّة الحضاريّة والثقافيّة لبلاد الرافدين، وهويّة بغداد العريقة، إضافة إلى الاستجابة لحاجات سكّان العاصمة العراقيّة التي تشكّل عاصمة الدولة العبّاسيّة”.

آلية التصميم

مرَ المشروع الفائز بعدّة مراحل، إذ حاول أسامة تجاوز الصعوبات والعوائق التي تفرضها الطبيعة الجغرافيّة والمناخيّة للعاصمة بغداد، التي تتّصف بالحرارة المرتفعة جدًّا تصل إلى نحو 47 درجة مئويّة صيفًا، وضرورة الدمج بين التاريخ العريق والتراث الغني من جهة، والحداثة والتصميم المعاصر من جهة أخرى.

ابن بلدة عاصون المهندس المعماري أسامة علي سليمان

انطلق أسامة سليمان من دراسة معمّقة للعمارة البغداديّة العبّاسيّة، واستفاد من فكرة “البهو” والفناء الداخليّ الذي يتصدّر المساجد التراثيّة، فهي تلعب وظيفة هامّة في تلطيف الجوّ وتبريد الهواء بصورة طبيعيّة. وقد استفاد المصمّم من هذه الفكرة القديمة، وقام بتطوير فكرة “الفناء الداخليّ” لتلائم التصوّر العام للجناح العراقيّ الذي يضمّ أجزاءً عدّة، تضمّ صالات عرض، ومخارج طوارىء، ومرور الهواء من الخارج إلى الداخل وتلطيفه بفعل الظلال، ناهيك بإنشاء ممرّات مشابهة لأزقّة بغداد القديمة وهي ممرّات ضيّقة ومظلّلة، لا تصلها أشعّة الشمس.

هوية عراقيّة أصيلة

يعبّر أسامة سليمان عن انبهاره بالعاصمة العراقيّة بغداد “التي مرَت بعصرها الذهبيّ إبّان الحقبة العبّاسيّة، وشكّلت امتدادًا للحضارات القديمة لبلاد ما بين النهرين، فهي كانت بمثابة ملهم للإبداع” بحسب أسامة، الذي حاول محاكاة المخيّلة بواسطة صالة العرض، التي أقامها في طابق دائريّ مرتفع. تمكّن المصمّم من تأمين زاوية رؤية كاملة بمعدّل 360 درجة، لا يمكن أن تحجب، وتتطلّ على المشهد العام للعاصمة بغداد.

انطلق أسامة سليمان من دراسة معمّقة للعمارة البغداديّة العبّاسيّة، واستفاد من فكرة “البهو” والفناء الداخليّ الذي يتصدّر المساجد التراثيّة، فهي تلعب وظيفة هامّة في تلطيف الجوّ وتبريد الهواء

ويلفت أسامة سليمان إلى أنّه استوحى “من حدائق بابل المعلّقة التي تدمج بين العمارة وعناصر البيئة المختلفة، من نباتات خضراء وماء، والاستفادة من ذلك لتحقيق أحد أهداف المشروع المتمثّل بخفض الحرارة، والاعتماد على التهوئة الطبيعيّة النظيفة دونما حاجة للاستعانة بمصادرة حراريّة أو كهربائيّة”. وأحاط الجناح “بمساحة خضراء تدمج بين الأشجار والماء، إنّما تكون وظيفتها تلطيف الهواء، وإمكان استقبال الأنشطة الخارجيّة والصفوف، وأماكن للاجتماع في الهواء الطلق”.

كفاءات جامعيّة لبنانيّة

يعتبر أسامة واحدًا من الكفوئين الذين تحتضنهم الجامعة اللبنانيّة، حيث تنطلق مسيرة النجاح والإبداع قبل التخرّج في كثير من الأحيان، وتحديدًا في الكلّيّات التطبيقيّة. ويشير أسامة إلى “دفع الجامعة اللبنانيّة طلّابها للاعتماد على ذواتهم إلى حدّ كبير، حيث يلتزم الطالب بالبحث الجادّ لتطوير قدراته ومعارفه”، بالإضافة إلى “العمل على أفكار غير مطروقة سابقًا، ومنع التكرار بين المشاريع”. وأثمر ذلك حصول الشاب على علامات عالية، وتقدير مستمرّ من أساتذة الكلّيّة لطرحه اأفكاره الغريبة والخارجة عن المألوف، مكرّرًا “أحيانًا أطرح أفكارًا يصعب التعاطي معها حاليًّا، ولكن لديّ ثقة بأنّها ستنفّذ يومًا ما”.

يضيف أسامة “منذ انطلاق مسيرتي العلميّة والعمليّة كنت أحاول مقاربة المشاريع من زاوية مختلفة، إذ يكفي طلاب الهندسة والتصميم تقديم فكرة مميّزة وإن كانت صغيرة، شرط أن تتضمّن بصمة شخصيّة، حيث “يستطيع المصمم التميّز بلمسته، بدءًا من طريقة التفكير، وعلى مستوى العرض والتصميم، والرسم والتنفيذ، والانطلاق من قاعدة التفكير خارج الصندوق لتعزيز البعد الإبداعيّ”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى