أصحاب مزارع الدجاج والمواشي في القرى الحدودية يستغيثون.. الكارثة أصابتنا
في موازاة الخسارة التي مني بها أصحاب كروم الزيتون جرّاء الاعتداءات الإسرائيليّة التي تواصلت لأكثر من شهر ونصف الشهر، تكشّفت كارثة أخرى حلّت بأصحاب مزارع الدجاج والمواشي ومربّي الأبقار في القرى الحدوديّة، سببّت لهم خسائر جسيمة أصابتهم في الصميم، في مصادر رزقهم وعيشهم.
من عيتا الشعب إلى رميش، مرورًا بيارون وبنت جبيل وعيترون، وصولاً إلى ميس الجبل، يعيش المزارعون ومرّبو الماشية والدواجن واقعاً مأسوياً، فبالإضافة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بمزارعهم جرّاء القصف، برزت خلال الفترة التي سبقت الهدنة مشكلة تمثّلت بعدم قدرة المزارعين على الوصول إلى مزارعهم وتفقدها، وهذا ما حلّ بعمّال إحدى المزارع الذين ذهبوا لتفقّد مزرعة دجاج يشتغلون فيها، في خراج بلدة عيترون، إذ تعرّضوا للقصف ما أدّى إلى إصابات في صفوفهم وُصفت بالطفيفة.
تكشّفت الهدنة السارية منذ أيام عن خسائر تقدّر بآلاف الدولارات، والكارثة تكبر يوماً إثر يوم. هذا لسان حال أصحاب مزارع الدجاج ورعاة الماشية ومربّي الأبقار في قرى قضاء بنت جبيل، خصوصًا من تقع مزارعهم على الحدود، وقد حاصرها القصف، وبات التوجّه إليها ليس كالعودة منها، وما بينها ثمّة رزق يتلف يوميًّا.
مزارع الدجاج في أيامها الصعبة
تنتشر مزارع دجاج عديدة عند حدود قرى وبلدات القطاع الأوسط الحدوديّة، ومع بداية اشتعال الجبهة الجنوبيّة، عجز معظم أصحاب المزارع عن الاستمرار في متابعة رزقهم وخدمته، فالكلّ بات في دائرة الاستهداف، التي لا ترحم بشرًا أو حجرًا.
“حوصرنا مدّة ساعتين، أقفاص الدجاج انقلبت على بعضها والقصف لم يتوقّف”. هكذا يصف محمود مواسي وهو مدير التعاونيّة الزراعيّة لتربية الطيور والدواجن في عيترون لـ”مناطق نت” ما حصل معه ومع العمّال في السادس والعشرين من الشهر النصرم. ويشير إلى “أنّنا تعرضنا للقصف في أثناء محاولتنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من إحدى مزارعنا”.
تنتشر مزارع دجاج عديدة عند حدود قرى وبلدات القطاع الأوسط الحدوديّة، ومع بداية اشتعال الجبهة الجنوبيّة، عجز معظم أصحاب المزارع عن الاستمرار في متابعة رزقهم وخدمته، فالكلّ بات في دائرة الاستهداف
ثلاث مزارع تتبع للتعاونيّة الزراعيّة، وتقع في منطقة “البطم” في بلدة عيترون الجنوبيّة، تعرّضت لأضرار جسيمة. بدأت هذه المزارع منذ العام 2014، ونما إنتاجها وبات يوزّع على المناطق الجنوبيّة كافّة، وصولاً إلى العاصمة بيروت “وضعها اليوم محزن جدًّا” يقول مواسي ويضيف: “بعد الاعتداءات الأخيرة، توقّفت واحدة منها عن العمل بشكل كامل إذ نفقت فيها نحو ثلاثة آلاف دجاجة”.
وضع المزرعة الثانية ليس أفضل حال من الأولى، فقد نفق منها ما نفق بسبب القصف الإسرائيليّ الذي استهدف الشاحنة التي كانت تحاول نقل الدجاج. أمّا الثالثة “فيُسيّر أمورها قدر المستطاع عامل واحد. مع الإشارة إلى أنّ كلّ مزرعة بحاجة لأكثر من ستّة عمال، ولعدّة ساعات يوميًّا، لكي تنتظم أمورها وإنتاجها، لكن اليوم وبسبب الظروف القاهرة يتولّى عامل واحد العمل في المزرعة ولساعة واحدة، هذا إن تمكّن من ذلك” يوضح مواسي.
ويتابع حديثه بحسرة قائلًا: “الوضع مأسويّ، والكارثة أكبر من أن يتصوّرها البعض. لا أحد يستطيع الوصول إلى المزارع إلّا وقد وضع دمه على كفّه، ولكن الأرض غالية والرزق كذلك”. في حساب بسيط، تبلغ تكلفة كلّ دجاجة لكي تصبح “بيّاضة” حوالي ستّة دولارات، أمّا سعر مبيعها فنحو ثمانية دولارات. وإذا تجاهلنا قيمة الربح، فإنّ خسارة المزرعة الأولى (ثلاثة آلاف دجاجة) تصل إلى نحو عشرين ألف دولار أمريكي.
وعلى نحوٍ موازٍ، يعاني ابن بلدة رميش سمير جرجور من الواقع نفسه، فهو ورث عن والده مزرعة دجاج خاصّة منذ سنوات، وباتت مصدر رزقه الذي يعوّل عليه. ويقوم بتوزيع إنتاجها من رميش وصولًا إلى الناقورة، فضلًا عن القرى المجاورة. تضمّ مزرعة جرجور أكثر من 6500 طير، وهي تقع على الحدود تمامًا، تطلّ عليها عدّة مواقع إسرائيليّة، أبرزها موقع “الراهب”، ما يجعل الوصول إلى هناك في هذه الأيّام مستحيلًا. “وقد أدّى القصف المستمر بالإضافة إلى صعوبة التواجد في المزرعة، إلى نفوق نحو ثلاثة آلاف دجاجة حتّى الآن، أيّ نصف الرزق” يقول جرجور.
ويضيف لـ”مناطق نت”: “يتطلّب العمل في المزرعة عدّة ساعات متواصلة يوميًّا، للقيام بالمهمّات المطلوبة كافّة، لكن اليوم لا نستطيع البقاء أكثر من نصف ساعة”. ثمّ يعرض جرجور أمامنا مجموعة من الصور والمشاهد عن مزرعته التي صوّرها ويحتفظ بها في هاتفه المحمول، وهي تصف وتختزل واقع الحال وحجم الكارثة والخسارة التي وقعت على مصدر رزقه. يختم جرجور مؤكّدًا “أنّ الدجاج الذي لا ينفق بسبب القصف والأضرار التي يسبّب بها، ينفق لعدم الرعاية والغذاء الذي يحتاجه”.
مزراع الأبقار خسائر واستغلال بغيض
إضافة إلى مزارع الدواجن المنتشرة في معظم القرى والبلدات الحدوديّة، هناك زرائب للمواشي تتنوع ما بين زرائب للأبقار أو للماعز أو الأغنام، من بينها واحدة يملكها طانيوس صفوان سعيد، ابن بلدة رميش البالغ سبعين عامًا، وقد قرّر بعد تقاعده من سلك التعليم استغلال أرضه وإضافة دخل إلى راتبه التقاعدي “الذي أضحى اليوم لا يطعم خبزًا”.
شيّد سعيد مزرعة تضمّ نحو ستّين رأس بقر في العام 2009 غرب رميش، إلّا أنّه ونتيجة تدهور الأوضاع الاقتصاديّة، باع أكثر من نصف البقر كي يستطيع تأمين معيشة لائقة. قبل الهدنة، وبسبب القصف العنيف الذي كانت تتعرّض له البلدة، يوميّاً، لم يكن بإمكان سعيد الوصول إلى مزرعته.
شيّد سعيد مزرعة تضمّ نحو ستّين رأس بقر في العام 2009 غرب رميش، إلّا أنّه ونتيجة تدهور الأوضاع الاقتصاديّة، باع أكثر من نصف البقر كي يستطيع تأمين معيشة لائقة. قبل الهدنة، وبسبب القصف العنيف الذي كانت تتعرّض له البلدة، يوميّاً، لم يكن بإمكان سعيد الوصول إلى مزرعته.
“قبل أقلّ من شهر، تضرّرت المزرعة لقربها من موقع “برانيت” الإسرائيليّ، وتطّبشت” بحسب تعبير سعيد. ثمّ يحاول إحصاء خسائره “من فقدان رأس بقر، وإصابة عجل لا أعرف عنه شيئًا، وموت بقرة، عدا عن تضرّر خزّان مياه بشكل كبير يتّسع لـ 160 مترًا مكعّبًا، مرورًا بالأغطية الحديديّة التي تحمي المزرعة والتي تشظّت بالكامل، إضافة إلى خسائر في العلف والتبن المتبقيّ والمقدّرة بخمسة آلاف دولار أميركيّ”.
تمكّن سعيد من إنقاذ ما تبقّى من رؤوس البقر والبالغ عددها حوالي خمسة عشر رأسًا، بحماية ومساعدة الجيش اللبنانيّ، ونقلها إلى مزرعة “لا تزال حتّى الساعة آمنة، في داخل البلدة”.
ومن حسن حظّ سعيد، “فإنّ الإنتاج ما زال يُصرّف في البلدة، وما لا يمكن تصريفه على الفور، أحوّله إلى صناعات متنوّعة كاللّبنة واللّبن والجبنة”. ويضيف لـ”مناطق نت”: “كنت أنا وابني، وهو أستاذ تعليم مهنيّ مبسوطين كثيرًا بمزرعتنا، وقد غدت من أساسيّات حياتنا ويوميّاتنا”.
ويشكو سعيد، من بعض التجّار في مناطق صور والبقاع وغيرها “ممّن حاولوا استغلال الوضع القائم وعرضوا عليّ شراء تلك الأبقار بأقلّ من نصف سعرها”. ويقسم أنّه لن يقدم “على بيعها لو مهما كلّف الأمر”، مستنكرًا “هذا الاستغلال في مثل هذا الوضع بالذات، وهو غير مقبول”. ويلفت إلى أنّ هذا الموضوع تكرّر مع العديد من أصحاب الأبقار والمواشي في القرى التي تتعرّض للقصف، و”أحدهم من بلدة عيتا الشعب”.
جلّ ما يتمنّاه سعيد “عدم إصابة أيّ شخص بأذى، الله لا يردّ شي، المهم ما حدا يصرلوا شي”. ويستدرك بحسرة: “على الرغم من كلّ شيء، فإنّ للبقرة روحًا أيضًا، وهي بحاجة لرعاية مستمرّة، وهي مصدر رزق ومعيشة، وهذا ما يجعلنا متواجدين في البلدة برغم الخطر المحدق، لأنّ الرزق ما بينترك”.
ربما أجمل ما قاله سعيد: “يسرقوا معاش التقاعد كلّه، بس ما يسرقولي خمس دولارات من تعبي”. وقوله هذا يختصر العلاقة الحميمة التي تجمع المزارعين بأراضيهم ورزقهم وتعبهم والذي برغم مرارته أحيانًا يرونه جميلًا وحلوًا.
مع يقين سعيد من أنّ التعويض على خسائره وخسائر المزارعين سيكون ضئيلًا ولا يعوّل عليه في ما لو تمّ مستقبلًا، لكنّه يتمنّى في ختام حديثه “على المعنيّين الاهتمام بهذه القطاعات الإنتاجيّة، وخصوصاً من قبل الدولة والبلديّات، إذ هي من الأسباب الوجيهة للصمود والتعلّق بالأرض والمكان”.
الحليب الكاسد للكلاب والقطط
يقوم تصريف إنتاج المزارع عادة على أبناء القرى الذين يشترون الحصّة الأكبر من الإنتاج، وما يتبقّى يُوزّع في خارج المنطقة. إلّا أنّه وبسبب الوضع المستجدّ والخوف السائد من التحرّك، وبسبب نزوح العديد من أبناء القرى إلى مناطق آمنة، بات الإنتاج في مهبّ التلف. هذا ما حصل مع ابن بلدة ميس الجبل غسّان الحاج، الذي يملك وعائلته مزرعة مواشٍ وأبقار. وكشف لـ”مناطق نت” أنّ “الحليب كسد، وبات يُرمى أو يُطعم للكلاب والقطط”.
ويصف واقع الحال بالمأسويّ، “فسابقًا كنّا نوزّع الإنتاج على أبناء المناطق المجاورة أو لمعمل الألبان والأجبان الموجود في عيترون، إلّا أنّنا وبسبب الخوف من التنقّل توقّفنا عن كلّ هذا”. ويشير إلى أنّ العديد من المواشي نفقت، “إمّا بسبب قلّة التغذية أو بسبب عدم استطاعتنا تأمين الأدوية اللازمة لها ولرعايتها”. لافتًا إلى “أنّنا اضطررنا في تغذيتها الاعتماد فقط على العلف، ما أدّى إلى ضعف بنية المواشي بشكل كبير.