أطفئوا الكاميرات واسألوا النازحين عن أحوالهم

عشرات التقارير الصحافية التي تُنشر يوميًا عبر وسائل الإعلام اللبنانيّة، حيث يُفتح هواء المحطات وينتقل المراسل من مدرسة إلى آخر متحدّثًا مع المشرفين على مراكز الإيواء مستطلعًا أحوال النازحين ومشاكلهم التي تبدو لمن يُشاهدها “معاناة طبيعيّة” ناجمة من غياب دور الدولة.

ولكن ما لا يُلاحظه المشاهد أنّ جميع هذه التقارير لا بُدّ أن تمرّ عبر “لجنة مختصّة” مكوّنة من الحزب المُشرف على مركز الإيواء ليُعطي إذنًا بقبول دخول المؤسّسة الإعلاميّة، وتحت إشرافه تُجرى الحوارات واللقاءات التي يصعب فيها لأيّ نازح أن يُعبّر عمّا يُعانيه بشكل كامل.

هكذا، قرّرنا في “مناطق نت” استطلاع أحوال النازحين في مراكز الإيواء بعيدًا من هذه الآليّة، فحدّثناهم كما يتسامر اللبنانيّون متعهدين لهم بعدم ذكر أسمائهم أو مراكز الإيواء التي تؤويهم، كي لا نُسبّب أيّ إحراج لهم أو مشاكل قد يتعرّضون لها.

غياب مقوّمات العيش

في أحد مراكز الإيواء في بيروت، يجلس محمّد في باحة المدرسة برفقة زوجته بعد أن نزح مع عائلته المكوّنة من ستّة أولاد من بلدة الشهابيّة الجنوبيّة. يصف محمد مركز الإيواء، في حديث لـ”مناطق نت”، بأنّه “غير مُريح، وأكثر ما نُعاني منه عدم وجود حرامات وغسّالات”، مضيفًا “وصلت إلى المركز غسّالة جديدة ولكن المشرفين على المركز وضعوها في إحدى الغرف ولم يسمحوا لأحد باستخدامها تحت ذريعة أنّ ذلك قد يؤدّي إلى مشاكل بين النازحين على دور كلّ منهم”.

ويهزأ محمّد من هذه الحجّة التي لا يمكن “تصديقها، في حين أنّ المراكز المجاورة لدى كلّ منها ثلاث غسالات، أمّا نحن فنضطرّ إلى الغسيل على أيدينا”.

في أحد مراكز الإيواء في بيروت، يجلس محمّد في باحة المدرسة برفقة زوجته بعد أن نزح مع عائلته المكوّنة من ستّة أولاد من بلدة الشهابيّة الجنوبيّة. يصف محمد مركز الإيواء بأنّه “غير مُريح، وأكثر ما نُعاني منه عدم وجود حرامات وغسّالات”

يقبع محمّد مع أسرته وأسرة أخته في غرفة واحدة، وعلى رغم كلّ المعاناة التي يشعر بها إلّا أنّه يُردّد عبارة “الحمدالله منبقى أحسن من غيرنا، خصوصًا بس ننزل على رصيف عين المريسة ونشوف الناس كيف قاعدين بالخيم”، مؤكّدًا أنّ كلّ ما يتمنّاه هو “انتهاء الحرب والعودة إلى مسقط رأسه فقط”.

طعام مُتكرّر ومذاق غير جيد

وضع محمّد ليس أفضل من وضع وسام الذي نزح مع والده وأخته وزوجها وأولادهم إلى مركز إيواء في بيروت. يُشير وسام في حديث لـ”مناطق نت”، إلى أنّ “المشرفين على المركز يؤمّنون لنا ثلاث وجبات طعام، وفي حين أنّ وجبة الصباح والعشاء ممتازة، إلّا أنّ وجبة الغذاء تفتقر إلى المذاق الجيّد، فيبدو أنّهم يطبخونها على عجل، فعلى سبيل المثال، الرز الذي يحتاج إلى نصف ساعة على النار كي ينضج (يستوي) يطهونه بـ 10 دقائق بهدف توفير الغاز”.

وسرعان ما تتدخّل زوجته وتُشير إلى أنّه “منذ نزوحنا الشهر الماضي، لم يحضروا لنا سوى أربعة أنواع طعام تتكرّر بشكل دوريّ، وهو يخنة بطاطا، بطاطا مسلوقة، مغربيّة ومعكرونة، في حين أنّه كان يجب تحضير دجاج أو لحم ولو ليوم واحد في الأسبوع”.

اختفاء المساعدات

وفي السياق، تكشف مديرة إحدى مدارس بيروت، لـ”مناطق نت”، بعض أوجه الفساد وانعدام الشفافيّة في إدارة مدرستها من قبل مجموعة تابعة لأحد نوّاب المنطقة. وتلفت إلى أنّ “هذه المجموعة تمنع إدخال أيّ مساعدات قد تأتي من أيّ جمعيّة إلّا إذا كانت عن طريقها، أيّ أن تتسلّمها وتقوم بتوزيعها بنفسها، وهذا ما يُعدّ احتكارًا لتقديم المساعدات”.

وتوضح أنّ بعض “المساعدات التي يُقدّمها النائب المذكور لا تصل جميعها إلى النازحين، ففي حين يتمّ تسليم القسم الأوّل منها للنازحين يختفي القسم الثاني من دون معرفة مصيره، ولا من حسيب أو رقيب”.

اكتظاظ الغرف

من ناحيته، يؤكّد أحمد، في حديث لـ”مناطق نت”، أنّ أكثر ما يُعانون منه في مركز الإيواء هو “الاكتظاظ بالغرف، إذ إنّنا ننام 12 شخصًا في غرفة واحدة”، مضيفًا أنّ “الحرب حوّلتنا من أصحاب منازل إلى نازحين أقسى طموحهم إيجاد دور لدخول المرحاض، حيث يوجد تسعة مراحيض فقط لنحو 270 نازحًا، هذا فضلًا عن الانقطاع شبه الدائم للمياه”.

ويستذكر أحمد بغصّة كيف طلب من أحد المشرفين على المركز إعطاءه علبة مناديل ورقيّة من المستودع حيثُ توجد المساعدات، إلّا أنّه اكتفى بإعطائه كمّيّة صغيرة من العلبة”، موضحًا أنّ “هذا الموقف، على بساطته، يشرح وضعنا في الوقت الحالي”.

ويُشير إلى أنّهم منذ نزوحهم لم يتلقوا سوى “كرتونة إعاشة واحدة يوجد فيها 24 علبة تونة وتسع علب حمص، بالإضافة إلى مبلغ 100 دولار أميركيّ من قبل مكتب المرجع الدينيّ علي السيستاني”، متسائلًا عن “مصير المساعدات التي نُشاهدها تصل إلى مطار بيروت؟”.

أمام هذه المشاهد، وفي ظلّ غياب الدولة ومؤسّساتها عن القيام بأدنى واجباتهم تجاه النازحين، لا بدّ من تنظيم النزوح ليس على صعيد افتتاح مراكز الإيواء فحسب، وإنّما كذلك إيجاد آليّة واضحة وشفافة لإدارة هذه المراكز بشكل يضمن وصول المساعدات لمستحقّيها، ومنع أيّ احتكار أو سرقة لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى