أكثر من 300 بيت متضرّر.. بلدة العين تلملم خسائرها

عادت الحياة تدريجًا إلى بلدة العين البقاعيَّة (في محافظة بعلبك الهرمل)، بعدما عاد أبناؤها النازحون إليها، فدفنوا شهداءهم، وداووا جرحاهم، وها هم يَمْضُون في درب الحياة الوعِر في لبنان.

من يزرْ البلدة سواء الطريق العام أو في شوارعها وأحيائها الداخليَّة يرَ أهلها يلملمون خسائرهم، يُزِيلون الركام من المنازل المدمّرة جزئيًّا، يُرَمِّمون واجهات مؤسّساتهم التجاريَّة القابلة للترميم، في محاولة منهم لاستعادة الحياة شيئًا فشيئًا.

مأساة كبيرة

يصف رئيس بلديّة العين زكريّا ناصرالدين ما طاول بلدته إبّان العدوان الإسرائيليّ بالـ “مأساة”، ويقول في حديث لـ “مناطق نت”: “بلدتنا تَعَرَّضت إلى مأساة كبيرة، بل كبيرة جدًّا، خصوصًا أنَّه لا يوجد في بلدتنا مراكز عسكريّة لـ “حزب الله”، لكنّ القصف طاول المنازل والأحياء، وكانت خسائرنا مفجعة إنسانيًّا إذ سقط لنا 35 شهيدًا وعشرات الجرحى والمصابين، قضى أكثرهم في مجزرتي الـ 29 من أيلول (سبتمبر) الماضي (10 شهداء) والأربعاء الـ26 من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي (سبعة شهداء وجريحان) إضافة إلى أم وأطفالها الثلاثة في ضاحية بيروت الجنوبيَّة”.

أكثر من 30 بيتًا مدمّرًا في بلدة العين البقاعية

أمَّا لجهة الخسائر المادّيّة في المنازل والممتلكات فَيُشير ناصرالدين إلى “خسائر كبيرة وفادحة، عندنا 11 منزلًا مدمّرة بالكامل، ونحو 30 منزلًا غير صالحة للسكن و300 بيت بحاجة إلى ترميم جُزئي. يضاف إليها شبكة الكهرباء التي تَضَرَّرت في الأسلاك والأعمدة، وشبكة المياه إذ طالها ضرر عملنا على إصلاحه سريعًا، ناهيك بمئات المنازل التي تعرضت إلى أضرارٍ في الزجاج وألواح الطاقة الشمسيَّة، ومدرسة التربية الحديثة وحدها مثلًا بحاجة إلى 6000 دولار ثمن زجاج فقط”.

حول إحصاء الخسائر والكشف عليها من قِبَل الدولّة يُوَضّح ناصرالدين أنّ “الدولَّة طلبت إلينا عبر مجلس الوزراء إحصاء كلّ الخسائر والأضرار في الأرواح والممتلكات، لكنّنا لم نتبلّغ أيّ شيء بشكل رسميّ. أجريت اتّصالًا باللواء خير وكان في حال إرباك (قبل إقالته كما يُشَاع) ونفض وزير الشؤون الاجتماعيَّة هيكتور حجار يديه كلّيًّا وقال لي: راجع رئيس الحكومة ووزير البيئة. فيما قامت الجهات الحزبيَّة بإجراءاتها الخاصّة مثل غيرها في المناطق الأخرى”.

يختم ناصرالدين حديثه بـ “تحيَّة حبّ واحترام لأهلنا في قرى دير الأحمر وشليفا وجوارهما وعرسال والفاكهة ورأس بعلبك والقاع، هؤلاء الذين أثبتوا بنخوتهم ومروءتهم ووطنيّتهم سقوط كلّ الحواجز المصطنعة، وهذه الفضائل النبيلة يجب وضعها في كتاب التربية الوطنيّة كي تدرسها الأجيال القادمة”. كذلك وجَّه تحيَّة تقديرٍ إلى عمّال النظافة في بلديّة العين “الذين حافظوا على نظافة البلدة وشوارعها في عزّ الحرب” واصفًا إيّاهم بالـ “الفدائيّين”.

ناصر الدين: الدولَّة طلبت إلينا عبر مجلس الوزراء إحصاء كلّ الخسائر والأضرار في الأرواح والممتلكات، لكنّنا لم نتبلّغ أيّ شيء بشكل رسميّ

حسرة وألم

يُشار إلى أنّ القصف الهمجيّ الذي طاول عديدًا من المناطق دون سابق إنذار، نتجت عنه مجازر وخسائر مادّيّة فادحة، أودى بعضها بجنى أعمارٍ كاملة، وبعضها الأخر أودى بمشاريعٍ ناشئة.

على الطريق الدوليّ في بلدة العين، عند مرور قافلة للصليب الأحمر الدوليّ، تعرّضت مؤسّسة رجل الأعمال أحمد دبّوس للمفروشات إلى قصف مُدَمّر، قضى على جميع محتوياتها، المحلات والمستودع وصالة العرض.

يقول دبّوس لـ “مناطق نت” بحسرة وانفعال “خسرت كلَّ شيء، وضاع جنى عمري، منها 273 ألف دولار قيمة بضاعتي التي خسرتها، أجزاء منها ما زالت ديونًا في ذمّتي لشركات ومؤسّساتٍ تجاريّة وصناعيَّة. بالتأكيد نحمد الله أنَّه لم يتأذَّ أحدٌ منّا أو من العمّال أو الجيران، لكنّه جنى عمر بكامله أراه رمادًا أمامي يوميًّا”.

دبّوس الذي يحاول ترميم وضعه والوقوف مجدّدًا على قدميه، نَقَل بضائعَه الباقية في مستودعٍ قديم إلى محلّاتٍ مجاورة، يقول: “مؤسّستنا تعيش منها بشكلٍ كامل 10 عائلات، أنا مسؤول عنها مباشرةً، أين سيذهبون في الشتاء الآن؟ ماذا سيعملون؟ نحاول معًا التعافي والانطلاق مجددًا”.

ويناشد دبّوس الدولّة الإسراع في إغاثة الناس وإنصافها، لذلك “أعددت ملفّي كاملًا وبكلّ الوثائق، على نحو ما طَلَبَت عبر البلديّة”. ويدعو إلى مساعدة جميع سكّان بلدة العين “لأنّنا جميعًا تضرّرنا بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، والدولّة وحدها يمكنها أن تنقذنا”.

الحياة لا ترحم

أثبت العدوان أصالة الشعب اللبنانيّ، وتمسّكه بقِيَمِه وأخلاقه، بقفزه فوق كلّ الحواجز الوهميَّة المصطنعة، هذا ما رآه ولمسه صغيرهم قبل كبيرهم.

يبدي مختار بلدة العين يوسف جعفر فخرَه وامتنانه “لأهلي اللبنانيّين، على كامل تراب الوطن وحتّى المغتربين منهم الذين لم يُقَصِّروا وقاموا بكلّ ما يستطيعون”، ووَجَّه عبر “مناطق نت” رسالة إلى “الدولّة والمؤسّسات الحكوميّة والأحزاب وكلّ العاملين في الشأن العام مفادها: كونوا بمستوى شعبكم الكريم، أظهروا ما أظهره هذا الشعب من وحدة وتضامن وأخُوَّة، بادروا بسرعة إلى فعل المستحيل في سبيل إغاثة الناس في كلّ لبنان، إنّ الظروف صعبة جدًّا والناس في ضيق، خصوصًا في مناطقنا حيث إنّ البرد وانعدام الخدمات وغياب فرص العمل تجعل الحياة قاسيةً لا ترحم”.

تربض بلدة العين على السفح الغربيّ لسلسلة جبال لبنان الشرقيَّة، تمتدّ على مساحة 878 هكتارًا، وتنتظر مع أبنائها الـ 6000 العودة إلى رحاب عيش سليم معافى، كي تَضِجّ بالحياة على جري عادتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى