ألبوماتنا العائليّة تحت الركام.. بماذا تُخبرنا الصور؟

وقف شابّ على أنقاض بيت عائلته أمام كاميرا مراسل تلفزيونيّ ليقول: “فقدنا كلّ شيء، كلّ ذكرياتنا ومقتنياتنا، حتّى ألبومات صورنا العائليّة”.

تبتسم الطالبة في الجامعة اللبنانيّة سيرين بعين الرضا حينما جاء دورها في الكلام عن أحوالها إبّان العدوان الإسرائيليّ على قريتها، فتقول: “نزحنا من دون حقائب، تمسكّت فقط بحقيبة تحتوي على ألبومات صور العائلة”. فبما تخبرنا الصور؟ وما مدى تأثير فقدانها تحت ركام البيوت المدمّرة؟

تثير الصور العائليّة والشخصيّة الذكريات والأشواق العاطفيّة، وتعمل على التحفيز المعرفيّ، وتقنيّات الذكريات. وحينما نراجع ألبومات العائلة أو السيرة الذاتيّة، تتعمّق فينا الذكريات أو العواطف الحميمة ونستحضرها لتفسّر الماضي والحاضر.

الصورة وقوّة التأثير

تملك الصورة قوّة التأثير على أفكارنا وعواطفنا وسلوكيّاتنا. تنتقل الصور مباشرة إلى اللوزة الدماغيّة التي تتحكّم في الاستجابات العاطفيّة مثل الخوف والغضب والتعلُّم لدينا، ممّا يسمح لنا بتذكُّر جوانب أكثر أهمّيّة وعاطفيّة وتحوّليّة في حياتنا. نحن نفكّر في الصور، الصور تأتي أوّلًا لتجسّد بعدها الأفكار.

في البداية، يتعرّف الطفل إلى صورة أمّه قبل أن يعرف اسمها. الصورة موجودة قبل الكلمة؛ ولهذا السبب نتعرّف على الوجوه. الأفكار كلّها صور. ذكرياتنا وأحلامنا وأوهامنا كلّها صور.

يلتقي علم النفس بالتصوير الفوتوغرافيّ الذي هو جزء من حياتنا اليوميّة، إنّها طريقة لرواية قصّتنا ووصف العالم الذي نعيش فيه. كذلك تؤثّر القصص التي نُنشئها ونعبّر عنها بالصور، على تحوّلنا الشخصيّ والاجتماعيّ، بعض الصور التي نقوم بإنشائها اليوم ربّما ستكون جزءًا من الدراسات الاجتماعيّة والعلميّة في المستقبل.

الصورة الفوتوغرافيّة والذاكرة

اليوم، يُستخدم التصوير الفوتوغرافيّ في الأبحاث النفسيّة المتعلّقة بالإدراك البصريّ والذاكرة وبناء الهويّة، على سبيل المثال لا الحصر. إنّه بمثابة أداة للمساعدة في استكشاف التجارب المؤلمة ومعالجتها، وتعزيز التأمّل الذاتيّ ومعرفة الذات، وتعزيز النموّ الشخصيّ.

تقول المعالجة النفسيّة آنّا أبي كرم “الصور من أكثر الأدوات التي نعمل عليها بعد الحرب، وتكمن أهمّيّتها في أنّها تربط الفرد بالانتماء العائليّ والاجتماعيّ”. وتتابع لـ “مناطق نت”: “لا تُؤخذ الصورة كبّورتريه شخصيّ، بل معظم الأحيان تؤخذ في محيط مكان وبيئة ومناسبة معيّنة، وبذلك تأخذ صاحب الصورة إلى المحتوى واللاوعي الذي يحتفظ به أثناء التقاط هذه الصورة لتحاكيه وتحاكي ذاكرته. الصور هي الحافز لكل فرد، تدفعه ليخيط التاريخ الشخصيّ له”.

من خلال التصوير الفوتوغرافيّ، نستفيد من عوالم التعبير، ونستكشف عواطفنا، ونفسّرها، ونرويها، ونعيد النظر في الذكريات، وننشئ طقوسًا حول جوانب مهمّة من حياتنا للوصول إلى هويّتنا.

لقد تمّ إثبات قوّة الصور علميًّا في المشاريع الطبّيّة والاجتماعيّة ضمن إطار العلاج بالفنّ. التصوير الفوتوغرافيّ، إلى جانب استخدامه كوسيلة إبداعيّة، “يعزّز الإبداع الفنّيّ، والتنمية الشخصيّة، وتكامل تاريخ الحياة، واحترام الذات. هو فهم الكيفيّة التي ينظر بها إلينا وهو جزء أساس من بناء احترام الذات”، وفق أبي كرم.

التصوير الفوتوغرافيّ وعلم النفس

يجتمع التصوير الفوتوغرافيّ وعلم النفس لتحقيق الصحّة والرفاهيّة والنموّ الشخصيّ باستخدام الصور أو إنشائها. الفرضيّة تكمن في أنّ الفكر هو أساسه بصريّ. نحن نفكّر من خلال الصور.

من خلال التصوير الفوتوغرافيّ، نستفيد من عوالم التعبير، ونستكشف عواطفنا، ونفسّرها، ونرويها، ونعيد النظر في الذكريات، وننشئ طقوسًا حول جوانب مهمّة من حياتنا للوصول إلى هويّتنا.

علاوة على ذلك، فإنّ عمليّة التصوير هذه في مرحلة الطفولة والمراهقة هي عين ما يختبره الكبار: زيادة التعبير، ومعرفة الذات.

ماذا تقول الصور، خصوصًا إذا كانت زمن الأبيض والأسود

أنْ نقف مع العائلة تحضيرًا لالتقاط صورة، فتلك مقدّمة لتصويرنا، هناك دائمًا فرد من العائلة أوّ مصور في الاستوديو يوجّهنا، يجمعنا في صورة ستنتج ذاكرة. لهذا النوع من التصوير تقاليده ومناسباته: أعياد الميلاد، التخرّج، الزفاف، الإجازات العائليّة. حتّى في شكلها التناظريّ، وقبل أن نبدأ في صناعة صورنا بأنفسنا ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعيّ، كان ألبوم صور العائلة عبارة عن تمرين حميميّ لجمع الصور، ترتيبها، عنونتها، تأريخها، وحتّى إتلاف بعضها.

فقدان الصور

عن فقدان الصور وضياعها تقول آنّا أبي كرم: “بسبب غياب التربية على المواطنة، يغلب الانتماء للعائلة على انتمائنا للأرض. لهذا نعمل على تثبيت أنفسنا بالعائلة وبالصور التي تحيلنا إلى تاريخيّة العائلة. إنّ فقدان الصور لها أثر بالغ للفرد، والاستعانة عنها هي الصور المحفورة بالذاكرة التي نعمل على إحيائها كعلاج تعويضيّ عن فقدان الصور الورقيّة والمقتنيات القديمة التي تربطنا بالأهل والأجداد”.

الشاعر والأديب الراحل السيد جعفر محسن الأمين أمام منزله الذي شيّده في بلدته شقرا في العام 1954 وتحوّل إلى ركام في الحرب الأخيرة، ولم يبقَ منه سوى هذه الصورة توثّق ما كان عليه

كتبت الناقدة والروائيّة والمخرجة الأميركيّة سوزان سنتاج عن صور العائلة، في كتابها حول الفوتوغراف “عبر الصور الفوتوغرافيّة تسجّل كلّ عائلة تاريخًا صوريًّا لنفسها، وصندوقًا محمولًا من الصور بمثابة شاهد على ترابطها. لا تهمّ ماهية المناسبات التي صُوّرت خلالها، طالما أنّ الصور التقطت وحُفظت”.

صور تحت الركام

يعاني اليوم سكّان البيوت المدمّرة والمتضرّرة جرّاء العدوان الاسرائيليّ، أزمات نفسيّة حادّة، فالمنازل لها رمزيّتها الخاصّة على مستوى الحياة النفسيّة. إنّ فقدان المنازل ومحتوياتها الكبيرة والصغيرة ستترك أثرها وانعكاساتها على صحّتهم النفسيّة، لا سيّما فقدان ذكريات ماضيهم والتي يحمل الجزء الأكبر منها ألبومات الصور الفوتوغرافيّة للعائلة.

الصور الفوتوغرافية، تمدّنا بالحضور الرمزيّ لأفراد العائلة، لطفولتهم وللأقرباء الذين بقيوا أو رحلوا. “الصورة العائليّة علامة من علامات الأسطورة”، كتب غلين هيل فاند أحد المنظّرين للصورة الفوتوغرافيّة، “فهي تلتقط جزءًا من الثانية من حياة عائليّة تُحكى لأجيال لاحقة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى