أمٌّ لدكتورة ومحامية.. فاطمة ربَاح تخوض الامتحانات المهنية

بعد أكثر من ربع قرنٍ على توقّف فاطمة ربَاح ابنة بلدة الّلبوة البقاعيّة عن الدراسة، أرادت هذا العام العودة إلى متابعة مسيرتها الدراسيّة من بوّابة التعليم المهنيّ لتتقدّم إلى الشهادة المهنيّة، قسم الهندسة LT بهدف نيل الشهادة في هذا الاختصاص لتحقّق حُلُمًا راودها منذ طفولتها في أن تكون مهندسةً في مجال التصميم تقدّم من خلاله موهبتها التي تفتّحت في سنٍّ صغيرةٍ.

ربَاح التي تعمل معلّمةً متعاقدةً، في عددٍ من مدارس البقاع، للّغة الفرنسيّة في المرحلة الابتدائيّة وقسم الروضات، لم تكتفِ بشهادتها الثانويّة التي نالتها في تسعينيّات القرن الماضي وتوقّفت بعدها عن متابعة دراستها الجامعيّة بسبب زواجها، بل قرّرت، بعد أن أمّنت على ابنتيها في الدراسة والحياة، أن تستكمل هي حياتها التعلّميّة لتكون مع ابنتيْها سويًّا في ميدان الحياة كما تقول لِـ”مناطق نت”.

البيئة الحاضنة

وتشير ربَاح إلى أنّها ومنذ طفولتها تعيش في بيئةٍ أفرادها متعلّمون ويحملون شهاداتٍ عليا في بعض الاختصاصات، ما جعلها تترعرع في أجواءٍ مهيّأةٍ “لإعداد الأطفال تربويًّا وتعليميًّا، حيث كانوا لي البيئة الحاضنة والدّاعمة والموفّرة لكلّ ما يحتاجه الطّفل كي يكون جاهزاً ومُعَدًّا جيّدًا لدخول المستقبل ومواجهة التحدّيات بكلّ ثقةٍ واطمئنان”.

فاطمة رباح على مقاعد الدراسة

وتضيف: “إنّ النشأة العلميّة الخاصّة التي حظيْت بها عزّزت بداخلي شعوراً كبيراً بالمسؤوليّة المستقبليّة لأن أكون على حجم الثّقة التي منحتني إيّاها بيئتي الحاضنة، فحملت طموحي على امتداد سنواتٍ طويلةٍ لأنتهز الفرصة المؤاتية ضمن ظروفي وأوضاعي وأستكمل تحقيق حُلُمي في ما أريده في ميدان الحياة ، حتى أكون جديرةً بالعيش الإنسانيّ الحقيقيّ القائم على البذل والتضحية والخوض في كلّ الميادين التي تساعد الإنسان في تكوين هويّته الإنسانيّة الحقّة”.

الافتخار بالتربية العلميّة

وتقول رباح إنّ لديْها ابنتيْن عاشتا في البيئة نفسها التي عاشت فيها هي “فتوافرَ لهما كلّ ما توافر لي من اهتمامٍ ورعايةٍ ومواكبةٍ طوال مراحل دراساتهما حتّى بلوغهما المرحلة الجامعيّة والتخرّج، إذ كنتُ المتابعة والراعية والموجّهة في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، لأنّ إعداد الأجيال من أخطر أنواع التربية كونهم يشكّلون مستقبل المجتمع والأمّة وهم من يصنع تقدّمها وحضارتها ورقيّها”.

وتضيف: “لذلك وقفت إلى جانبهما وكنت الداعمة والسّند، مانحةً لهما كلّ ما حظيّت به من قبل أهلي وبيئتي علميًّا وتربويًّا وأكّاديميًّا، بكلّ صدقٍ وإيمانٍ، لأنّ ما أقوم به تجاههما خير إرثٍ وخير عملٍ”.

وتفتخر بأنّها صارت أمًّا “لدكتورة في الهندسة في الجامعة الإسلاميّة وعدد من المعاهد وهي الابنة الكبرى حلا، ومحاميةٍ متفوّقةٍ بارعةٍ في عملها وهي الابنة الصغرى سيزال. وكلتاهما ناجحتان في اختصاصيْهما وتعملان بجهدٍ وتعبٍ وصدقٍ ومسؤوليّةٍ مهنيّةٍ عاليّةٍ، لأنّ ما أنا عملت عليه من أجلهما تحقّق، وقد حصدت ما زرعت فكانت ثمار ذلك نجاحًّا في التربية والتعليم وافتخارًا علميًّا منقطع النظير بما أنجزت وحقّقت”.

شغف العودة إلى الدراسة

كيف عادت فاطمة ربَاح إلى مقاعد الدراسة بعد أن تجاوزت الأربعين من عمرها وبعدما مضى على انقطاعها سنواتٍ طويلةٍ؟

فاطمة رباح: حملت طموحي على امتداد سنواتٍ طويلةٍ لأنتهز الفرصة المؤاتية ضمن ظروفي وأستكمل تحقيق حُلُمي في ما أريده، حتى أكون جديرةً بالعيش الإنسانيّ الحقيقيّ القائم على البذل والتضحية

تقول: “صحيح أنّني غبت عن الدراسة مدةً طويلةً من الزّمن لكنّ حبّي وتعلّقي بها بقيَ في قلبي ووجداني وطموحي، وكنت أدرك جيّدًا أنّ ساعة العودة ستأتي وأنّ الطريق ما زالت طويلةً على رغم سنيّ العمر، لذلك عدت بشغفٍ كبيرٍ وبإرادةٍ قويّةٍ وعزيمةٍ صلبةٍ مؤمنةً بأنّ كلّ من سار على الدرب وصل، فالطموح لا يحدّه زمان أو مكان، فأنا لم أجد غرابةً ولا حرجًا في وجودي مع طلّابٍ من عمر بناتي لأنّني رسمت طريقي بوضوحٍ وأناضل للوصول إلى هدفي بكلّ ثقةٍ وصبرٍ، دون التفاتي نحو أيّ عقباتٍ و صعوباتٍ”.

وتؤكّد أنّها استعدّت جيّدًا للامتحان معتمدةً على مساعدة ابنتيْها في بعض الموادّ، وتحفظ ما تحتاجه إلى الحفظ، كي لا تحتاج أحدًا في أثناء الامتحان “لأنّني أسعى إلى هدفٍ لا إلى شهادةٍ فارغةٍ أعلّقها على الحائط دون قيمةٍ أو معنى”.

 الشهادة الشخصيّة الثانيّة للمرأة

وترى أنّ المرأة ليست للعمل في المنزل فحسب، بل لها دورها الفاعل كالرّجل في المجتمع وبالتّالي في ميادين الحياة “والشهادة العلميّة في أيّ مجال تشكّل الشخصيّة الثانية للمرأة إلى جانب كونها زوجةً أو أمًّا، وبهذه الشخصيّة الواجب تكوينها تتشكّل إنسانيّتها الحياتيّة الكاملة التي تساعدها في بناء الأجيال وخوض غمار الحياة بكلّ تفاصيلها والدخول إلى عالم العطاء والإنتاج”.

وتؤكد أنّها تستطيع التوفيق بين عملها المنزليّ ودراستها “فلكلٍّ وقته وطبيعة التعامل معه، حتّى أنّني أجد نفسي في الدراسة أكثر ممّا أجدها كربّة منزل، فعملي المنزليّ واجب طبيعيّ لا أحد يقدّر جهودي عليه، أمّا وجودي العلميّ فهناك من يقدّرونه من خلال تقديم علومي ومعارفي للناس وللمجتمع، وهذا هو الوجود الإنسانيّ الحقيقيّ”.

وتختم رباح كلامها بدعوة النساء “جميعهنّ مهما كانت مكانتهنّ الاجتماعيّة، إلى عدم اليأس من السنّ والعمر في مواكبة الحياة لأنّ العطاء لا حدود له، والإنسان يسمو بقدر ما يعطي ويقدّم للإنسانيّة”. معاهدةً نفسها أن تكمل دراستها في المجال الذي تحبّه “حتّى آخر لحظة طموح”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى