أين تختبىء السياسة في طرح موضوع المثلية؟
حسين حمية
ألا يثير الحيرة؟ إصرار محطتي ال”إم تي في” و”الجديد” على تحريك قضية المثليين وزواجهم على الرغم من غضب الناس واشمئزازهم من تناول مثل هذه المواضيع.
لماذا هذا الإصرار؟ هل هو سكوب إعلامي يدر أعدادا ضخمة من المشاهدين باللعب على غريزة “الفضول” البشرية، لتنتعش مداخيل الإعلانات في المحطتين؟. قد يكون مثل هذا الاحتمال واردا، لكن ليس بالضرورة هو الدافع، فالاستثمار على غضب الناس واستفزازهم، ليس مأمون العواقب، ويحتاج إلى حماية في مكان ما من أهل السلطة والنفوذ، إن لتحجيم الملاحقة القضائية (وهذه يمكن تحريكها تحت عنوان نشر الفاحشة او الإخلال بالآداب العامة) أو لردع أي عدوان على المحطتين باسم المتزمتين والموتورين أو الغوغاء لأسباب دينية.
المثلية في مجتمع صغير ومحافظ لهذه الناحية مثل لبنان، لا تشكّل حالة أو ظاهرة ولا تستوفي شروط القضية، فأعداد المثليين ليست بأرقام كبيرة، هي من النوع الفردي، لكن هذا ممكن في المجتمعات الكبيرة، هناك يتضخم رقمهم نسبيا، ويتحولون إلى قوّة مؤثرة في البلدان التي يتوزع النفوذ والسلطة فيها من خلال صناديق الاقتراع، فالاهتمام بهم وبمشاكلهم له معنى لا وجود له في لبنان.
قد يقول قائل، بأن المحطتين المذكورتين مهمومتان بقيم ما بعد الحداثة، وأخذتا على عاتقهما توسيع رقعة التسامح في لبنان وغرس بذور جديدة في بساتين التنوع أوالتعدد اللبناني، لكن آخر ما يمكن التفكير به، هو أن تتبنى هاتين المحطتين مثل هذا الأمر، فال” إم تي في”، تمارس الانحياز الطائفي علنا وبطريقة عنصرية وتبث الكراهية وحملاتها على النازحين واللاجئين السوريين معروفة بانحطاطها الموضوعي والأخلاقي، بينما التعدد في محطة “الجديد”، ليس قيمة إنما أداة للاستخدام، حتى أنها تتعامل مع التنوع السياسي بطريقة سامّة وحادة، وهي موضع اتهام بتنميط الجماعات اللبنانية والتجريح الثقافي.
ليست هناك مشكلة مثلية في لبنان، ولو كان فيه مثليون، ومع إنكار المجتمع اللبناني ل”حقوقهم”، يبقى منسوب اضطهادهم أقل من غيره في البلدان العربية والإسلامية، وهم إن كان طموحهم صنع “قضية” خاصة بهم، غير أنهم عاجزون في المدى المنظور الوصول إلى هذا الطموح لأكثر من اعتبار، فمثل هذه القضايا تُطرح فقط في الدول التي اشبعت مواطنيها بالحقوق المدنية إلى حد الملاءة وأخذت تبحث عن خلق حقوق أخرى لهم ولحيواناتهم، لكن في مثل بلداننا التي يفتقد إنسانها للحقوق الأساسية، لا يُعقل أن تحتمل أو تمنح حقوقا ل”المثليين”، وأسطع برهان ما يحدث في موضوع الزواج المدني الاختياري.
مشكلة المثلية في لبنان، ما زالت في مربعها الأول، يقف المجتمع بينها وبين الدولة، وهي تُواجه بالرفض المطلق من السلطات الاجتماعية والدينية قبل السلطات السياسية، ومن البداهة القول، إن لا حلقة في برنامج “نيشان” في الجديد ولا خبر في “إم تي في” سيحول المثلية إلى قضية رأي عام في لبنان. إذن لماذا تصر هاتان المحطتان على إثارة هذا الموضوع؟.
المثليون قوة ضغط في المجتمعات الغربية وتحديدا المجتمع الأميركي، هم أقلية هناك وتُحاربها أكثريات قوية، لكن مع وجود أنظمة ديموقراطية وانتخابات، هذه الأقلية لها تأثيرها والقوى السياسية تحاول استمالتها إن لأسباب ثقافية أو لأسباب انتخابية.
النخب الغربية، وتحديدا الأميركية، في إطار التنافس السياسي بينها، لها مصلحة في توسيع مسرح المواجهة على المثلية إلى البلدان العربية والإسلامية، وإذا نجحت إدارة ترامب في استمالة المثليين الأميركيين بإطلاقها حملة دعم لهم، فإن خصوم هذه الإدارة، لن يتوانوا من تأليب المثليين عليها بإثارتها إعلاميا في دول متحالفة مع ترامب وبالوقت نفسه تنكر اي حقوق للمثلية، وهذا ما يضع إدارته أمام خيار إما مجاراة مثليي أميركا وفرض عقوبات على تلك الدول أو العكس.
لن يكون استخدام المثلية حصرا بهذا الشكل، يمكن لقوى ضغط أميركية أخرى استخدامها لأجندات خاصة بها، بما في ذلك “أيباك” الصهيونية واللوبي القطري والإماراتي وغيرها، لتعكير علاقات واشنطن مع بلدان معينة.
من المنطق، وضع شبهات على محطتي ال”إم تي في” و”الجديد” من تحريك موضوع “المثلية”، فلا شيء “ببلاش”، وهذا ليس موقفا من المثلية، إنما رفض لاستغلال غضب الناس واللعب على أهوائهم واستهلاك سجالاتهم في أمور لا تغني ولا تسمن، من أجل تجييرها لأجندات لا علم ولا مصلحة للبنان أو للمثليين فيها.