إحذروا “الثورة” المضادة!!
إنها ثورة، ولن نضع مزدوجين، مع أننا اعتقدناها هبّة، فقاعة صابون، ما إن تتراجع السلطة عن رسم الواتس آب، سوف تتلاشى في الهواء ويعود هؤلاء الشباب أدراجهم، لكن ما حدث كان صادما، لم يترددوا طويلا كما فعل يوليوس قيصر لعبور الروبيكون، فما إن انتهى خطاب الأمين العام لحزب الله الذي أنكر عليهم القدرة على تحقيق مطالبهم في إسقاط العهد والحكومة وإجراء انتخابات جديدة، حتى نزلوا بأضعاف مضاعفة عن اليومين السابقين، وعبروا النهر وقبلوا التحدي.
إنها ثورة، لقد غرزت خنجرها الموجع في قلب هذه السلطة ، سلطة تعتاش على اعتراف المجتمع الدولي وصدقاته ومساعداته، فكشفتها، على أنها إئتلاف أو قل كارتل لعصابات ومافيات تقاول في السياسات الإقليمية والدولية ولعبة الأمم، ليس من أجل مبادئها المزعومة وبرامجها في تحسين حياة الناس وتدبير أمورهم، إنما من أجل تقاسم غنائم الدولة وخيراتها وتناتش سلطاتها لمراكمة المنافع الشخصية وتوزيع الفتات على الأزلام والأتباع لترويع الناس وترهيبهم وضبطهم في القطعان الطائفية والمناطقية على أنهم جمهور لهم ومحازبون عندهم.
إنها ثورة وانتصرت، مهما فعلت هذه السلطة الآن وفيما بعد، ومهما تفتق لديها من ألاعيب للغدر بالثائرين. إنها ثورة، ولو لم يتوحد المحتجون على مطالب محددة ولم يكن لهم قيادة علنية وبرنامج طويل الأمد، فوجودهم وحده في الشارع، بهذا الشكل الذي أدهش الكون بما تناقلته وسائل التواصل والإعلام من صور ولقطات وقفشات تعبّر عن سخط اللبنانيين الكبير على سلطتهم، هو الانتصار بعينه، لقد خلقوا لبناناً جديداً، نسخة مختلفة من هذا ال “لبنان”، كان يطبق على أنفاسها أمراء الطوائف والسلاح والحروب.
لبنان القديم انتهى، لم يعد يختزل ببضعة رؤوس متغطرسة، لا بثنائية شيعية ولا آحادية مارونية أو نادي الرؤساء السابقين السنّة، وليس طوائف ومذاهب فقط، هناك ألوان له أكثر لمعانا خرجت إلى الضوء، ولم يعد مقبولا إشاحة النظر عنها أو إنكارها.
بالأمس، كان درسا بليغا للطبقة السياسية، بأن استقرار السلطة لا يضمنه شخص مهما علا كعبه ومهما كان ثقله السياسي والعسكري محليا وإقليميا، ولا يمكنه إدعاء امتلاك هذه الصلاحيات والقدرات وهو يمنّن اللبنانيين بانتصاراته وحروبه والمؤامرات الصهيو أميركية، يبقى الشعب الذي نزل أمس إلى الشارع أعاد توزيع الأحجام إلى حقيقتها من دون بهورات وعراضات، وليس هناك من هو أكبر منه وهو الضمانة الوحيدة للاستقرار والشرعية ومصدر السلطات.
يكفي هذا، لنقول أننا أمام ثورة في لبنان، وإن لم تنته بعد والطريق ما زالت مفتوحة للمزيد من الإنجازات، وبقدر الاعتزاز بمكتسباتها، يجب الانتباه والحذر، من ثورة مضادة، فالطبقة الحاكمة ولو بدت الآن حريصة على الإصغاء للشباب الثائر في الشوارع والساحات، إلا أنها ما زالت تعض بأقصى نواجذها وأنيابها على سرقاتها ومكاسبها التي راكمتها بالتجاوزات والتنفيعات والارتكابات، وإن كان صعبا إحباط محاولاتها، إلا أنه ليس مستحيلا، فيكفي البقاء في الشوارع والحفاظ على سلمية الاحتجاج وحضاريته، هما كفيلان بوضع كرة النار في أيدي السلطة حتى تجد مخرجا لما أوقعت به نفسها.