إعادة التعمير: الدولة غائبة وشُبهة حول تلزيم رفع الركام

تكبّد لبنان عمومًا والجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبيّة خصوصًا، أضرارًا مادّيّة ضخمة نتيجة العدوان الإسرائيليّ الذي امتدّ على مدى قرابة 14 شهرًا، وذلك بدءًا من الثامن من تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023، وحتّى الـ 27 من تشرين الثاني (نوڤمبر) 2024، تاريخ وقف إطلاق النار الهشّ، والذي لم يمنع آلة الدمار الإسرائيليّة من مواصلة ما بدأته منذ ذاك التاريخ.

بلغ الدمار ذروته بدءًا من الـ 23 من أيلول (سبتمبر) العام الماضي، تاريخ توسّع الحرب، حيث نالت القرى الجنوبيّة الحدوديّة الحصّة الأكبر من الدمار، إذ يصعب إيجاد منزل أو مبنى أو حائط حتّى في تلك القرى، لم يتعرّض للتدمير على طول الحدود، إذ وصلت نسبة الدمار في كثير من تلك البلدات إلى نحو 90 في المئة، ولم يقتصر على المباني، بل طال البنى التحتيّة من شبكات كهرباء ومياه ومحطّات إرسال ومدارس ودور عبادة وقطاع زراعيّ وغطاء أخضر وغيرها. كلّ ذلك ترك آثارًا ضخمة لدى كثر من اللبنانيّين، وتحديدًا أبناء القرى الحدوديّة، الذين فقدوا كلّ شيء وباتت هناك حاجة ماسّة وضروريّة لإطلاق عمليّة إعادة التعمير واستعادة الاستقرار.

لا خطّة للدولة

هذا الملفّ ما زال يراوح مكانه على المستوى الرسميّ اللبنانيّ، إذ لم تُعدّ الدولة بعد خطّة واضحة تُعلن فيها كيفيّة معالجتها لهذا الملفّ. ولا شك في أنّ العائق الأساسيّ والأوّل أمام ذلك هو عدم توافر الأموال، سواء داخليًّا في ظلّ انهيار اقتصاديّ وماليّ يرزح تحتهما لبنان، أو خارجيًّا بسبب غياب المساعدات والدعم المطلوبين.

الدمار في بلدة رامية الجنوبية (تصوير مهدي كريّم)

لذا تختلف عمليّة إعادة التعمير هذه المرّة عن سابقاتها من إعادة التعمير التي شهدها لبنان طوال 30 عامًا مضت، وتحديدًا ما حدث بعد حرب تمّوز (يوليو) العام 2006، إذ تدفّقت الأموال من كلّ حدبٍ وصوب لا سيّما من الدول الخليجيّة، فأُعيد تعمير القرى بمدّة قياسيّة وبأفضل ممّا كانت. على ما يبدو نحن بعيدون جدًّا عن هذا السيناريو، فموازين القوى التي أنتجتها الحرب مختلفة كلّيًّا عن تلك التي أنتجتها في العام 2006، فضلًا عن أنّ ألف باء التعمير يتطلّب شروطًا أهمّها الاستقرار، وهذا ما يغيب عن تلك المناطق راهنًا حيث يواصل جيش الاحتلال الإسرائيليّ خروقاته واعتداءاته اليوميّة.

إضافة إلى ذلك، فإنّ الفروق الهائلة في حجم الدمار بين الـ 2006 واليوم، وأيضًا وضع حزب الله الذي تلقّى ضربات ضخمة في الحرب الأخيرة، يجعلان من التصدّي لعمليّة إعادة التعمير أمرًا مستحيلًا بالنسبة إلى الحزب، جعلاه غير قادر على الخوض فيها. كلّ ذلك دفع عديدًا من أبناء البلدات ومجالسها البلديّة إلى إطلاق مبادرات فرديّة لمحاولة تأمين الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة.

أضرار الحرب

في تقرير للبنك الدوليّ  بعنوان “التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في لبنان”، شمل فترة الحرب من تشرين الأوّل 2023 إلى كانون الأوّل (ديسمبر) 2024، يتبيّن أنّ محافظات الجنوب سجّلت أضرارًا هائلة في مختلف القطاعات. وكانت لمحافظة النبطية الحصّة الأكبر من الأضرار في لبنان، بقيمة بلغت نحو 3.2 مليار دولار (أيّ ما يعادل 47 في المئة من إجماليّ الأضرار على المستوى الوطنيّ)، تليها محافظة الجنوب بنحو 1.6 مليار (23 في المئة)، ثمّ محافظة جبل لبنان (16 في المئة).

أمّا على مستوى الأضرار في الوحدات السكنيّة، فقد نالت محافظة النبطية التي تضمّ القرى الحدوديّة، الحصّة الأكبر من الدمار، إذ شهد بعضها تدميرًا شاملًا لكلّ المنازل فيها، خصوصاَ في فترة الـ 60 يومًا التي تلت وقف إطلاق النار وسبقت الانسحاب الإسرائيليّ من الأراضي اللبنانيّة.

كلفة إعادة التعمير

من جانبه، يشير الباحث في شركة “الدوليّة للمعلومات”، محمّد شمس الدين، في حديث لـ “مناطق نت” إلى أنّ “عدد الوحدات السكنيّة المتضرّرة بالكامل يبلغ 53 ألفًا، أمّا الوحدات التي أصابها دمار كبير فتبلغ 127 ألفًا، فيما يبلغ عدد الوحدات المتضرّرة بشكل طفيف 317 ألفًا”.

ويلفت شمس الدين إلى أنّ “كلفة إعادة التعمير تبلغ بين 8 و11 مليار دولار”. مضيفًا أنّ “كلفة أضرار البنى التحتية تُقدّر بـ 700 مليون دولار، وكلفة رفع الأنقاض تقدّر بنحو 35 مليون دولار”. وأوضح شمس الدين أنّ “عدد أبناء القرى الحدوديّة الذين هُجّروا ولم يعودوا إلى منازلهم بعد يبلغ نحو 100 ألف شخص”.

أبو شقرا: كلفة البنى التحتيّة من كهرباء ومياه وطرقات في المناطق المتضرّرة تُقدّر بنحو مليار دولار

من جانبه، يوضح الباحث في المعهد اللبنانيّ لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، في حديث لـ “مناطق نت”، أنّ “خسائر الحرب بحسب آخر تقرير صادر عن البنك الدوليّ قُدّرت بنحو 11 مليار دولار، وهي تنقسم بين خسائر متعلّقة بكلفة إعادة تعمير المنازل والبنى التحتيّة والتعويضات للمتضرّرين، وبين الخسائر الاقتصاديّة غير المباشرة التي تحمّلها الاقتصاد اللبنانيّ نتيجة الانكماش الذي قدّرته وكالة بلومبرغ بـ 7.5 في المئة العام 2024”. ويقدّر أبو شقرا أنّ “كلفة إعادة تعمير المنازل بسبعة مليارات دولار” من المبلغ الكلّيّ البالغ 11 مليار دولار.

غياب الأموال الخارجية والداخلية

يرى أبو شقرا أنّه “لا يوجد لغاية الآن أيّ بادرة لتقديم هذه التعويضات، إذ إنّ الدولة غير قادرة على ذلك، ولا يبدو أنّ هناك مساعدات دوليّة ستأتي”، مضيفًا “أمّا كلفة البنى التحتيّة من كهرباء ومياه وطرقات في المناطق المتضرّرة فتُقدّر بنحو مليار دولار”. ويؤكّد أبو شقرا أنّ “هناك وعودًا للدولة اللبنانيّة من البنك الدوليّ، بتشكيل صندوق قيمته مليار دولار، وصل منها إلى لبنان قرض بقيمة 250 مليون دولار، وبقيت 750 مليون دولار من المفترض أن تقدّم كمنح أو مساعدات أو قروض”.

يقول أبو شقرا “بالمقارنة مع حرب العام 2006، فإنّ الوضع مختلف كلّيًّا الآن، إذ إنّه بعد انتهاء الحرب آنذاك قامت دول عربيّة عدّة بتقديم مساعدات وتعمير قرى ومساجد ومدارس وغيرها. في ذاك الوقت كان وضع الدولة اللبنانيّة أفضل من الآن، ما سمح لها بتمويل صندوق مجلس الجنوب لإتمام مشاريع بنى تحتيّة”.

ويلفت أبو شقرا إلى أنّ “المبالغ المُقدمة للبنان في الوقت الحاليّ زهيدة جدًّا، والدولة لا يمكنها تمويل إعادة التعمير، إذ إنّها محكومة بشروط صندوق النقد الدوليّ الذي يقول إنّه لا يمكن القيام بأيّ إنفاق جديد إلّا في حال تأمين إيرادات لها”. ويوضح أنّ “الدولة مُلزمة بتقديم موازنة بصفر عجز، وهي أساسًا متخلّفة عن القيام بمشاريع بنى تحتيّة، فضلًا عن أنّها متخلّفة عن سداد الديون. كذلك لا يمكنها ضخّ أموال بالليرة اللبنانيّة لأنّ ذلك سيؤثّر في سعر الصرف، كلّ ذلك من شأنه أن يمنعها من القيام بعمليّة إعادة التعمير”.

إقرار قانون إعادة التعمير

هذا الواقع المرير للأضرار التي خلّفتها الحرب، والمعاناة التي يعيشها الأهالي ممّن فقدوا منازلهم وممتلكاتهم، جعل من مسألة تحريك هذا الملفّ أولويّة. هكذا، أقرّ مجلس النوّاب، في جلسته في الأوّل من تمّوز الماضي، مشروع قانون مُرسل من الحكومة حول إعادة التعمير وإعفاء متضرّري الحرب من الرسوم والضرائب. ويرى المحامي فادي ابراهيم، في حديث لـ “مناطق نت”، أنّ أهمّ ما في هذا القانون أنّه “كرّس مبدأ الحقّ بالسكن، أمّا مدى نجاحه من فشله فيتعلّق بمدى توافر الأموال”.

هذا القانون الذي بات الناظم والإطار العامّ لعمليّة إعادة التعمير ينقسم إلى شقّين، الأوّل يتعلّق بالاعفاءات الضريبيّة التي أقرّها مجلس النوّاب لبعض الفئات، والثاني هو تنظيم عمليّة إعادة التعمير خصوصًا في ظلّ وجود مبان مدمّرة كانت مبنيّة على أملاك عامّة أو أملاك الغير.

يشرح الباحث في المرصد البرلمانيّ في المفكّرة القانونيّة، فادي ابراهيم، في حديث لـ “مناطق نت” تفاصيل هذا القانون مشيرًا إلى أنّ “الاعفاءات التي نصّ عليها القانون، تبدأ منذ اليوم الأوّل لحرب الإسناد، وتحديدًا الثامن تشرين الأوّل 2023، بحيث يعفى جميع المكلّفين في قرى أقضية حاصبيّا، مرجعيون، بنت جبيل وصور من رسوم الكهرباء للعام 2024، ورسوم المياه للعام 2025 ورسم الهاتف للعام 2025، على أن يستمرّ الإعفاء بالنسبة للوحدات أو الأقسام غير المرمّمة أو غير المنجزة إلى حين انتهاء أعمال الترميم وإعادة التعمير”. ويلفت إلى أنّ “صاحب المنزل المتضرّر يُعفى من ضريبة الدخل، كذلك يمكن لأيّ شخص فقد سيّارته استيراد سيّارة جديدة من دون دفع جمرك أو تسجيل”.

آليّة البناء

هذا على مستوى الإعفاءات، أمّا على مستوى إعادة التعمير، فيلفت إبراهيم إلى أنّ القانون “يُقسّم الوحدات السكنيّة إلى فئات عدّة، أوّلها الوحدة السكنيّة التي قام صاحبها ببنائها على أرضه وكان يملك رخصة بناء، وفي هذه الحال يمكنه إعادة البناء من دون أيّ مشكلة”. مضيفًا أنّ “هذا الأمر ينطبق كذلك على المنزل الذي كان مبنيًّا بشكل مخالف وقام صاحبه بتسوية قانونيّة، إذ يمكنه كذلك إعادة التعمير فورًا”.

ويؤكّد إبراهيم أنّ “المنزل المبنيّ بشكل مخالف من دون أن يقوم صاحبه بتسوية قانونيّة، فيمكنه القيام بتسوية وإعادة البناء. أمّا المنزل الذي يُعتبر مُعتد على أرض تعود إلى شخص آخر، فعليه إمّا الحصول على موافقة من الشخص المُعتدى عليه بأنّه يرتضي إعادة البناء على جزء من أرضه، أو ينبغي عليه الاكتفاء بالبناء على عقاره”. ويُشير إلى أنّه “في حال لا يمكنه البناء على عقاره من دون الاعتداء على ملك غيره، ففي هذه الحال لا يتمّ الترخيص له بالبناء، ويحصل عوضًا عن ذلك على مساعدة ماليّة سيتمّ تحديدها بمرسوم من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الماليّة خلال مدّة ثلاثة أشهر”.

وفي ما يتعلّق بالبناء المعتدي على الملك العام، فلا يمكنه تشييد أيّ بناء جديد إلّا من خلال عدم الاعتداء مجدّدًا على الملك العام، وفي حال استحالة البناء إلّا بالاعتداء مجدّدًا على الملك العام، سيُمنع من إعادة التعمير على أن يحصل على مساعدة ماليّة. ويلفت إبراهيم إلى أنّ “المنازل التي كانت مبنيّة على أملاك الدولة الخاصّة (المعروفة بالمشاعات)، والتي تتميّز بأنها قابلة للبيع، فيمكن إعادة البناء عليها شرط أن يتمّ الحصول على موافقة من مجلس الوزراء والجهة التي يتبع لها هذا الملك الخصوصيّ (مثل البلديّة، أو مؤسّسة الليطاني أو غيرها) ببيع الأرض. وفي حال عدم الحصول على هذه الموافقة فيحصل صاحب المنزل المدمّر على مساعدة ماليّة”.

وأخيرًا، هناك أماكن لا يمكن إعادة التعمير عليها، وهي المناطق الأثريّة أو الأماكن التي تدخل ضمن دائرة التراجع عن الأنهر أو أماكن متعلّقة بالصحّة العامّة، ففي هذه الحال يحصل صاحب البيت المدمّر على مساعدة ماليّة.

حلاوي: عندما انتهت الأعمال لم يتمّ إزالة جميع الركام، وإنّما بقيت مخلّفات بحجّة أنّ المتعهّد لا يملك آليّات صغيرة لإزالة الركام المحيط بعواميد المبنى الأساسيّة

شبهات حول إزالة الركام

وعلى صعيد رفع الركام، فقد قام مجلس الجنوب، في الـ 17 من شباط (فبراير) الماضي، بتلزيم متعهّدين اثنيْن لإزالة الركام من مدن وقرى محافظتيّ النبطية ولبنان الجنوبيّ، وهما “مؤسّسة بيتا للهندسة والمقاولات” التي فازت بأربع مناقصات من أصل خمس، وتولّت رفع الركام في مدينتي صور والنبطية، وكذلك من قرى أقضية: جزّين، صيدا، النبطية، حاصبيا، والبقاع الغربي؛ وقرى قضائي صور ومرجعيون. بينما تولّت “شركة المهندس إيلي نعيم معلوف EMC” رفع الركام من قرى قضاء بنت جبيل. في المقابل، تقاضى المتعهدون مبلغ 5.01 دولار عن رفع كلّ متر مكعّب من الردم من مدينتيّ صور والنبطية، و3.65 دولارات عن كلّ متر مكعّب من ركام القرى.

غير أنّ عدم وجود معدّات كافية لدى الشركتين، دفعهما إلى التعاقد مع مقاولين محلّيّين في القرى في محاولة لتسريع وتيرة العمل، بحيث تدفع كلّ شركة للمقاول المحلّيّ بدل رفع الركام.

من هذه التجارب، هو ما حصل مع حاتم حلاوي، الذي دُمّر مبنى يملكه والده مؤلّف من خمسة طوابق في منطقة الحوش – صور بالكامل. يشرح حلاوي أنّ “مجلس الجنوب توجّه إليهم لإزالة الركام، وبعد موافقتهم عرض المتعهّد الذي كلّفه مجلس الجنوب بأن يقوم بإزالة الركام بشكل كامل مقابل الحصول على نتاج ركام المنزل من معادن مثل الحديد والألمينيوم”. وأضاف أنّه “خلافًا لذلك، عندما انتهت الأعمال لم يتمّ إزالة جميع الركام، وإنّما بقيت مخلّفات بحجّة أنّ المتعهّد لا يملك آليّات صغيرة لإزالة الركام المحيط بعواميد المبنى الأساسيّة”.

ويلفت حلاوي إلى أنّ “هذا ما يُجبرنا على القيام بإزالة ما تبقّى من ركام ودفع كلف تبلغ نحو 1500 دولار”. ويوضح أنّ “هذا الأمر يُبرز ثغرة مُتعلّقة بعدم وجود أيّ اتّفاق مكتوب بين المتعهّد وصاحب المبنى ليحفظ حقوقه”.

مخلّفات الردم

شكّل الحصول على مخلّفات الردم من معادن وحديد وغيرها حافزًا لدى المتعهّدين، بيد أنّ العودة إلى دفتر الشروط الصادر عن هيئة الشراء العامّ (حصلت مناطق نت على نسخة منه) والذي حمل عنوان “مشروع أعمال الهدم والإزالة للمباني المهدّمة كلّيًّا وجزئيًّا بعد تاريخ 8-10-2023 ” يتبيّن أنّه لا يعطي صراحةً الحقّ للمتعهّد بالحصول على مخلّفات الردم. وتنصّ المادّة الـ 27 على أنّه “على المقاول والاستشاريّ الذي يشرف على العمل تبليغ الجهات المتخصّصة عن أيّة (مقتنيات/ موادّ خطيرة/ موادّ ذات قيمة/ أشلاء) تتكشّف خلال العمل لإجراء المقتضى القانونيّ”. وفي الشقّ المتعلّق بطريقة التنفيذ، يرد في البند الثاني عبارة أنّ “الموادّ المفروزة للمقاول الحقّ في التصرّف بها”، إلّا أنّ ما يجري على أرض الواقع هو إزالة الركام من دون إجراء أيّ فرز.

من مشاهد الدمار في عيتا الشعب (تصوير نبيل اسماعيل)

من جانبه، يوضح رئيس التفتيش المركزيّ القاضي جورج عطيّة، في حديث لـ “مناطق نت”، أنّ “تلزيمات رفع الركام جرت من قبل اتّحاد بلديّات الضاحية الجنوبيّة ومجلس الجنوب ومجلس الإنماء والإعمار”. ويلفت إلى أنّ “هذه الجهات الثلاث لا تخضع لرقابة التفتيش المركزيّ”. ويؤكّد عطيّة أنّ “رقابة التفتيش المركزيّ لن تكون على المتعهّدين وإنّما ستكون بشكل غير مباشر على لجان الاستلام الموجودة لدى مجلس الجنوب أو مجلس الإنماء والإعمار أو اتّحاد بلديّات الضاحية. أيّ أنّ رقابتنا على الموظّفين المسؤولين عن مراقبة الأشغال واستلامها”.

ويضيف عطيّة أنّ “دور التفتيش المركزي سيتمثّل بالتحقّق ما إذا كانت جميع المعايير الموضوعة في قانون الشراء العامّ وعقد التلزيم مُحترمة ومُطبّقة. وفي حال وجود شكوى لدى أصحاب المنازل تجاه المتعهّد، فإنّه يجب أن يوجّهها إلى دائرة الشكاوى لدى الجهة المُلزّمة، كذلك فإنّه يحقّ له تقديم الشكوى لدى التفتيش المركزيّ على أن نقوم بتحويلها إلى المرجع المتخصّص”.

غياب الشروط البيئيّة!

وفي السياق عينه، ينبغي الإشارة إلى أنّ عمليّة إزالة الركام يشوبها عديد من علامات الاستفهام من الناحية البيئيّة. وفي هذا السياق، تشرح النائبة نجاة صليبا، في حديث لـ “مناطق نت” فتقول “عندما قامت الحكومة السابقة، وتحديدًا وزارة البيئة بوضع دفتر الشروط لرفع الركام، ألزمناهم بوضع بعض الشروط، كذلك قمت بالتواصل مع البنك الدوليّ لإطلاعه على ضرورة تنفيذ هذه الشروط البيئيّة، ووعدنا بأنّه لن يُقدّم تمويلًا لإزالة الركام إلّا في حال الالتزام بها”.

وتُشير صليبا إلى أنّ “من بين هذه الشروط سحب الحديد من الركام، وكذلك سحب كلّ ما يضرّ بالحياة البحريّة من الركام، إذ إنّ معظم الركام جرى ردمه في البحر. كان يفترض أن يتمّ نقل كلّ الركام إلى مكان معيّن من أجل طحنه ومن ثمّ استخدامه كطبقة أولى في تعبيد الطرقات أو لسدّ فجوات ناجمة من الكسّارات في الجبال”.

صليبا: ما يحدث هو الترويج لبدعة ضرورة توسيع مكبّ ‘الكوستا برافا‘، واستنادًا إلى ذلك قاموا برمي الركام في البحر

وتوضح صليبا أنّ ما يحدث هو “الترويج لبدعة ضرورة توسيع مكبّ ‘الكوستا برافا‘، واستنادًا إلى ذلك قاموا برمي الركام في البحر. هذه البدعة ليست جديدة بل نسمع بها عند اندلاع كلّ حرب منذ العام 1970، بحيث تحلم المنظومة السياسيّة بأنّ ذلك من شأنه خلق منطقة مُشرفة على البحر يقومون بالاستيلاء عليها مستقبلًا، كالذي حدث في مكبّ النورمانديّ الذي تحوّل إلى منطقة البيال”.

وحول مدى التقيّد في هذه الشروط، ترى صليبا أنّ “عمليّة التلزيم تخضع لمسار يتضمّن وضع هيئة الشراء العامّ البنود التي ينبغي أن تُطبّق في المشروع، وذلك وفقًا لدفتر الشروط الوارد من الحكومة، ومن ثمّ يأتي دور مركز التفتيش للتأكّد من تطبيق المتعهّد لهذه الشروط”. وتوضح أنّها لا تعلم “إنْ قام المركز بعمله أم لم يقم”. وتؤكّد صليبا أنّها بصدد تقديم سؤال برلمانيّ للاستفسار عن ذلك، و”لكن أشكّ بأن يكون المتعهّدون قد التزموا بهذه الشروط، إذ رأينا الآليّات التي نقلت الركام تقوم بوضعها كما هي في الكوستا برافا” تقول.

هذا على صعيد الردم الذي خلّفته الأبنية المدمّرة في الضاحية الجنوبيّة، أمّا في ما يتعلّق بالردم في الجنوب، فتروي صليبا أنه “جرى إبلاغنا بأنّه يتمّ طحن الركام ووضعه في كسّارة قديمة”. في المقابل، سبق وأن نشرت “مناطق نت” فيديو يوضح وجود آليّات كبيرة تقوم بنقل جزء من ركام الحرب ووضعها في منطقة محاذية لمحميّة شاطىء صور.

رئيس بلدية حولا

أمام هذا الواقع، وجد أبناء القرى والبلدات الجنوبيّة أنفسهم ملزمين في إطلاق المبادرات البلديّة والفرديّة لمحاولة سدّ هذه الفجوة الكبيرة في غياب إعادة التعمير وما يخلّفه من تحدّيات على مختلف المستويات. يُشير رئيس بلديّة حولا، علي ياسين، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “تعاطي الدولة مع ملفّ إعادة التعمير هو صفر، إذ نشعر بأنّ هذا الملفّ لا يعنيها، لذا، نُحاول التواصل مع القوّات الدوليّة والجمعيّات الخيريّة وأصحاب الأيادي البيضاء في البلدة لمساعدتنا، خصوصًا وأن مبنى البلدية مُدمّر وصندوقها مُفلس ولا تملك أيّ آليّة سواء لجمع النفايات أو سيّارة إسعاف”.

يصف ياسين الوضع في حولا في الوقت الراهن بأنّه “مأسويّ إذ إنّ البنى التحتيّة مدمّرة بشكل كامل، فتغيب الكهرباء والمياه والمستوصفات والمدرسة”. ويضيف “إنّ نسبة الدمار في البلدة بلغت نحو 75 في المئة، و25 في المئة مدمّرة جزئيّا”ً.

ويضع ياسين مهمّة إصلاح البئر الارتوازيّة في البلدة ضمن أولويّاته إذ إنّ “أهالي البلدة يقومون في الوقت الحالي بشراء المياه من خلال نقلها من وادي الحجير بكلفة 30 دولارًا للـ 20 برميلًا، وفي حال تمكنّا من تصليح البئر الارتوازية فإنّ ذلك سيخفّض الكلفة عليهم إلى نحو خمسة دولارات، كونه يبعد عن البلدة نحو ثلاثة كيلومترات”. وثمّة سبب آخر لاهتمام ياسين بهذا الأمر يتمثّل في أنّ “معظم سكّان البلدة هم من المزارعين، وحلّ مشكلة المياه من شأنها تشجيعهم على العودة”.

الدمار في بلدة حولا الجنوبية (تصوير طارق مزرعاني)

ويلفت ياسين إلى أنّ “شركة الكهرباء تُحاول إعادة الشبكة ونجحت بذلك في ثلاثة أحياء”. ويوضح أنّ “مبنى المدرسة مدمّر بالكامل، وهناك مبنى قديم مُحترق، ونحاول التواصل مع مجلس الجنوب لتأهيله إذ إنّ  المدرسة كانت تضمّ نحو 400 طالب من حولا والبلدات المجاورة”.

ويختم ياسين مشيرًا إلى أنّ هناك “نحو 210 عائلات عادت إلى البلدة يبلغ تعداد أفرادها حوالي 650 شخصًا، في حين كانت تقطنها حوالي 2400 عائلة قبل الحرب”، ويرى أنّ “كلّ خطوة من شأنها أن تحفّز أهالي البلدة على العودة، فمنذ انتخابي رمّمت منزلي وانتقلت للسكن فيه بشكل دائم، ممّا دفع نحو 10 عائلات واقعة منازلهم بجوارنا إلى العودة”.

رئيس بلدية ميس الجبل

وفي السياق عينه، يلفت رئيس بلديّة ميس الجبل، حبيب قبلان، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “المواطنين يبادرون إلى اعادة التعمير بشكل فرديّ. ومنذ انتخابي عملنا على تنظيف البلدة وإزالة الركام لتوسيع الطرقات وإعادة ضخّ المياه لكثير من الأحياء”، مضيفًا “قامت شركة الكهرباء بتركيب أعمدة إنارة في جميع أنحاء البلدة”.

ويصف قبلان التجاوب من مؤسّسات الدولة بأنّه “ماشي الحال معنا، فنحن نُسّخر جميع علاقتنا في خدمة البلدة”. ويؤكّد أنّ “كلّ هذه الاجراءات ساهمت في عودة جزء من المواطنين، إذ إنّني قمت على صعيد شخصيّ بمبادرة تركيب ألواح شمسيّة وبطّاريّات للمنازل التي لم تصلها الكهرباء بعد”.

يقول قبلان “يوجد في البلدة نحو 500 عائلة، ونحو 500 أخرى في بلدات مجاورة تقوم بزيارة البلدة يوميًّا”. ويوضح أنّ “عدد الوحدات السكنيّة المدمّرة بشكل كامل بلغ نحو 3200 من أصل نحو 9 آلاف وحدة سكنيّة، أيّ أنّ نسبة الدمار بلغت نحو 40 في المئة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى