ابنة النبطية فريحة الحاج علي.. عن أثر المربّية الرائدة والفنّانة المتنوّعة
على الرّغم من الدمار الهائل والمحزن الذي أصاب النبطيّة، وعلى الرّغم من ذلك الصمت الثقيل والوجع الذي يلفّ دائرتها، إلّا أنّ حضورها المعنويّ يفوق كلّ أساطير الهلاك، فهذه المدينة الاستثنائيّة والمميّزة لا تبرح المكان والبال والعنفوان، وبعد كلّ مصاب تنفض المأساة عن جناحيها وتقاوم السراب بالذكرى، ذِكر أعلامها وروّادها ممّن ارتبطت اسماؤهم بها، وعانقت أجسادهم تربتها حتّى الاندمال الأخير.
من بين هؤلاء، لا تنسى النبطية اسم رائدة ومربّية فاضلة كان لها أثر طيّب وخالد في تطوير التعليم ونشر الثقافة في المدينة التي تنام باكرًا وعقلها يغزل الأفكار في بيوت مثقّفيها وأدبائها، هي الرائدة الراحلة المربّية فريحة الحاج علي.
فنون وعلوم متنوّعة للتطوير
تذكر الراحلة السيّدة سلمى (سلوى) علي أحمد “أم أكرم” الرئيسة السابقة لـ”جمعيّة تقدّم المرأة في النبطية” ومن المؤسّسين الأوائل لها، في كتاب عن حياتها، أنّ السيّدة فريحة كانت من بين الفتيات الأوائل الثلاث اللواتي نجحن في الشهادة الابتدائيّة (السرتفيكا) في مدرسة البنات الرسميّة الابتدائيّة في النبطية في أربعينيّات القرن الماضي، وكانت المدرسة الوحيدة للبنات في النبطيّة بإدارة المعلّمة سلمى محمّد جابر. بعدها أتمّت فريحة دراستها في بيروت وتخرّجت من دار المعلّمين والمعلّمات، واستلمت بعد تخرّجها إدارة مدرسة البنات الرسميّة بعد سفر مديرتها سلمى جابر.
وتذكر السيّدة سلمى علي أحمد تعيينها في المدرسة الابتدائيّة للبنات مطلع العام 1953 وكانت فريحة المربّية الرائدة والمديرة إضافة إلى نهاد شاهين. وتضيف السيّدة أم أكرم، أنّ فريحة استطاعت بنضالها وإلحاحها على المسؤولين أن تجعل مدرستها الابتدائيّة تكميليّة في آن، وألحقت بها عددًا من الأساتذة من ذوي الاختصاص منهم المربي الرائد الأستاذ حسن كحيل، وكان أوّل أستاذ لمادّة الرياضيّات يدرّس في مدرسة للبنات.
في مقابلة خاصّة لـ “مناطق نت” مع الأستاذة الدكتورة دلال عبّاس أستاذة اللغة العربيّة وآدابها في الجامعة اللبنانيّة حول معرفتها بالسيّدة فريحة الحاج علي، تفيض لنا بما عرفته من سيرتها التي لم تلقَ التوثيق الملائم الذي تستحقّه بما قدّمته وما كانت عليه.
تقول الدكتورة عبّاس: “كانت فريحة من أوائل فتيات جنوب لبنان اللواتي دخلن إلى دارَ المعلّمين والمعلّمات في بيروت، وقد كان لوضع أسرتها دور في ذلك، فوالدتها كانت معلّمة مادّة الدين في النبطيّة، وكانت فريحة الابنة الوحيدة بين خمسة شُبّان، فأخوها الأكبر كاظم الحاج علي كان مدير الإذاعة اللبنانيّة، فسكنت مع أخوتها في بيروت. نشأت مدلّلةً وكانت متفوّقة، كذلك كانت رسّامة وخيّاطة ماهرة، إذ كانت تخيّط الفستان لنفسها أو لصديقةٍ مقرّبة، في ليلة واحدة، إنِ اقتضت الضّرورةُ”.
الفنانّة المديرة والمعلّمة..
وتذكر الدكتورة دلال عبّاس كذلك “أنّ معرفتي بفريحة الحاج علي تعود إلى العام 1959 حين انتقلتُ بعد إنهائي شهادة (السرتفيكا) إلى مدرسة البنات في حيّ البيّاض، حيث كانت السيّدة فريحة مديرة المدرسة. كانت مُشرفة على المدرسة ومديرة تجمع صفات الحزم واللين؛ صارمةً ورقيقة ولطيفة في الوقت عينه إلى درجة كبيرة”. وعن فريحة المعلّمة تقول “إنّ فريحة كانت معلّمة مبتكرة أدخلت في المنهج الدراسيّ موادّ إضافيّة مثل التدبير المنزليّ والخياطة والتطريز والرياضة البدنيّة. وكانت تطرح اسم مدرستها للمشاركة في جميع المباريات والمسابقات الرياضيّة، وفي استعراضات الدبكة والرقص الفلكلوريّ”.
عباس: فريحة كانت معلّمة مبتكرة أدخلت في المنهج الدراسيّ موادّ إضافيّة مثل التدبير المنزليّ والخياطة والتطريز والرياضة البدنيّة. وكانت تطرح اسم مدرستها للمشاركة في جميع المباريات والمسابقات الرياضيّة
وتضيف الدكتورة دلال عبّاس “أنّ السيّدة فريحة الحاج علي كانت حينما يغيب أستاذ عن الصفّ أو يكون لدى الطالبات حصّة فراغ تُعطيهم هي دروسًا بديلةً عن شخصيّات عربيّة وعالميّة لها أدوار اجتماعيّة، ودروسًا عن البيئة، قبل أن يسمع أحدٌ بها، وعن التدبير المنزليّ، وتناسق الألوان، فهي كانت فنّانة في الرسم وفي الخياطة أيضًا، وكانت تنصح الفتيات بما يليق بهنّ من ألوان كلّ واحدة بحسب لون بشرتها وشخصيّتها. فضلًا عن دروس في أسلوب التواصل، ومواقع نبرة الصوت بين الخفض والرفع، وعن مختلف المواضيع المتعلّقة بالتربية”.
صاحبة صالون ثقافيّ أدبيّ
وتذكر الدكتورة عبّاس أنّ المعلّم مصطفى الحاج علي شقيق فريحة كان – حين انتقلتُ من مدرسة المقاصد إلى مدرسة فريحة الحاج علي- يدرّس في المدرسة عينها مادّة التاريخ والجغرافيا في السنة الأولى المتوسّطة، بعد عودته من الدانمارك حيث شارك في دورةٍ تدريبيّة لمدّة سنة”. تضيف: “وقد تعلّمنا منه أمورًا اجتماعيّة وتاريخيّة وحياتيّة، وهذه الدروس كان لها الأثر العميق في نفسي أكثر من دروس مادّتيْ التاريخ والجغرافيا”.
وتقول عنها السيّدة سلمى علي أحمد: “إلى جانب الهيئة التعليميّة كان هناك مديرة تتمتّع بصفات القدّيسة وهي المربّية الرائدة والفاضلة فريحة. كانت صادقة نبيلة في عملها وأخلاقها. مرشدة قائدة في سلوكها، مديرة وناظرة ومعلّمة في آن معًا”. وتضيف: “كانت فريحة متعدّدة الطاقات والنشاطات، تدير المدرسة واستلمت حصّة مادّة الحساب، وتشرف وتتنقّل بين الصفوف”. وتذكر أن فريحة “هي أوّل امرأة درّبت على الرقص الفلكلوريّ والدبكة في نادي الشقيف متحدّية زمانها وعادات المجتمع في حينه”.
وتتحدّث الدكتورة عبّاس عن صالون فريحة الحاج علي الأدبيّ، الذي كانت تستضيف فيه الشعراء والفنّانين. وتقول: إنّ فكرة كتابها (عبّاس) عن الشاعر الدكتور نمر صبّاح، مصدرها كتاب الأديب جواد صيداوي، و”تسجيل بصوت الدكتور نمر وهو يلقي إحدى قصائده في صالون فريحة”.
فريحة المناضلة والمثقّفة
تذكر السيّدة سلمى في كتابها، عن مشاركتها هي والسيّدة فريحة في المظاهرات الوطنيّة تضامنًا مع القضايا العربيّة ودعمًا للشعبين الجزائريّ والفلسطينيّ. وعن سعيهما الدؤوب إلى الاستحصال على ترخيص لجمعيّة تقدّم المرأة، مع سيّدات من النبطيّة.
كانت الدكتورة دلال عباس في سنواتها الجامعيّة الأولى “وقد استجاب لمسعانا وزير الداخليّة آنذاك الزعيم كمال جنبلاط، بعد أن أعطى الأندية الإذن للحصول على التراخيص وإنشاء الأندية والجمعيّات، فسارعنا وقتذاك إلى لقائه وتقديم المستندات جميعها، وحصلنا على الترخيص العام 1970. وقد أصرّت فريحة على عدم الترشّح إلى رئاسة الجمعيّة والاكتفاء بالإشراف ومراقبة سير العمل” وتؤكّد عبّاس أن “فريحة كانت امرأة لا تعنيها الألقاب، بل كانت فوق الفئويّة والحزبيّة”.
وتروي علي أحمد في كتابها أنّ “السيّدة فريحة شاركت إبّان الحرب الأهليّة اللبنانيّة وبقيادتها في أعمال الإغاثة لمهجّري بيروت والمناطق الأخرى في النبطيّة، وإعطاء الدروس الإضافيّة تطوّعًا للتلاميذ الذين أقفلت مدارسهم”.
وعلى صفحتها “فيسبوك” نشرت السيّدة حياة جابر (علي أحمد)، مقالة تناولت فيها سيرة فريحة الحاج علي، وممّا تذكره أنّ فريحة “جعلت من بيتها صالونًا أدبيًّا يقصده جميع الكُتّاب والأدباء المشاهير”.
وتتحدّث جابر عن مبادرة “الكنزة الشتويّة” التي أشرفت عليها فريحة، فكانت فريحة تجمع النساء وأنا منهنّ، لحياكة كنزة صوف مقدّمة إلى أطفال فلسطين “دعمًا للقضيّة الفلسطينيّة”. وتؤكّد أنّ فريحة كانت مقرّبة من السيّدة سلمى علي أحمد، وكانتا تتشاركان الأنشطة وكانتا من النساء المعروفات، وشاركتا في تظاهرة مؤيدّة للقضيّة الفلسطينيّة وكانتا السيّدتين الوحيدتين بين جمع من الرجال.
كان فريحة تطرحُ حضورها الأنيق والنشِط في كلّ مجالات الحياة التربويّة والثقافيّة، وكانت تسعى إلى خلق المبادرات والمعارض الفنّيّة ولها صورة تظهرها في معرض فنيّ وهي تشير باهتمام إلى إحدى اللوحات، لم تكن امرأة هادئة، كان رأسها يغلي بكثير ممّا تريد قوله، وهو ما تحكي عنه السيّدة حياة جابر في مقالتها.
نتاجٌ مفقود الأثر أو مغيّب!
تُشير الدكتورة عبّاس إلى أنّ فريحة “كانت سيّدةً أنيقة تلفت الأنظار بذوقها وترتيبها وكان يُشاع أنّها كانت في مطلع صباها وبعد تخرّجها من دار المعلّمين تخيّط ملابسها عند مصمّم شهير، في بيروت. لفريحة عشرات اللوحات المرسومة بدقّة عالية والتي لا يعلم عن مكانها أحد، فهي توفّيت وابنها في أميركا وابنتاها مريضتان قبل أن ترحل الصغيرة نهى. كانت فريحة أيضًا شاعرة، ولم تكن تحبّ نشر ما تكتبه فلم تحظَ دفاترها بالأرشفة.
من الحوادث الطريفة تحكي الدكتورة عبّاس عن حملة لتشجير جبل قريب من قرية كفرتبنيت “حيث وفد الطلّاب في الحافلات الكبيرة من الجامعات والمدارس في بيروت. وكانت بصحبة خمس فتيات من زميلاتها في المدرسة، وقام أحد المشاركين في الحملة بتصويرهنّ قرب صخرة، وسألهنّ حينها عن عنوان ليُرسل الصورة إليهنّ، فقالت إحداهنّ: أرسلها إلى مدرسة فريحة الحاج علي. فظنّ الشاب حينها أنّ المتحدّثة هي فريحة، فأرسل بعد وقت الصورة مرفقةً بقصيدة غزل.. وصلت الصورة وقتها إلى فريحة التي كانت مديرة المدرسة كما ذكرنا، فأقامت الدُنيا ولم تُقعِدها، وانهالت أسئلتها على الفتيات؛ عن كيفيّة تعرّفهنّ إلى الشاب، وهل كنّ يسمحن للشبّان بمحادثتهنّ، وطلبت حضور أهاليهنّ”. وتضيف عبّاس “أتت يومها أمي وقد تحادثتا كثيرًا ونشأت بينهما معرفة وثيقة”.
قلبها لكلّ الفنون والفنّانين
كانت فريحة إضافة إلى نشاطها في جمعيّة تقدّم المرأة ناشطة في جمعيات عدّة، وقد كان لديها القدرة على التوجيه وبما أنّها قامت بدورٍ ثقافيّ في مرحلة مبكّرة من حياتها، كان جميع المعلّمين في حقبتها إمّا زملاء لها وإمّا من تلامذتها، وكان لها دالّة على الجميع، ولها أفكار عبقريّة.
في بحثه حول المسرح وتحت عنوان “يوم تألّقت النبطية ورفدت المسرح اللبنانيّ والفنون بالمبدعين” كتب الزميل الإعلامي كامل جابر “بدأت ملامح المسرح تظهر في النبطية منذ مطلع الستينيّات من القرن الماضي، إذ شاركت المدينة بأكثر من عرض فلكلوريّ، من المسرح العائم في صيدا سنة 1962، إلى الجامعة العربيّة في بيروت سنة 1967، إلى كازينو لبنان في العام التالي. ويسجّل هنا الدور الإيجابيّ الكبير لسيّدة من سيّدات النبطية ساهمت بجدارة في تنامي الحياة الفنّيّة بوجوهها التشكيليّة والمسرحيّة والغنائيّة، هي مديرة مدرسة البنات المربّية فريحة الحاج علي التي شرّعت مدرستها ومنزلها لانطلاق النشاطات الفنّيّة والثقافيّة واحتضنتها ودعمتها بكلّ ما أوتيت من جهد وفكر نيّر منفتح”.
ويضيف نقلًا عن المخرج الدكتور مشهور مصطفى: “… لا بدّ من الذّكر أنّه في سنة 1975- 1976 وما قبلها، كان منزل الراحلة والمربّية فريحة الحاج علي موئلًا للشباب الفنّيّ والسياسيّ، وكنا نلتقي عندها في ندوات ونقاشات وتحضيرات. وكانت بمنزلة الحاضنة السياسيّة والفنّيّة والعاطفيّة والنفسيّة لنا على المستوى المعنويّ والمادّيّ. وأذكر أنّ (المحاميّة) وداد يونس والفنّان زعل سلوم كتبا “كتابهما” على علبة “جيتان” (تبغ فرنسي) في منزل فريحة الحاج علي بحسب قولها أنذاك”.
وفي بحثه كذلك حول المسرح تحت عنوان “النبطية بين المسرح العائم والعصر الذهبيّ وأفول نجم المسرحيّات” يكرّر الزميل كامل جابر اسم فريحة الحاج علي ثماني مرّات في دلالة على ريادتها في هذا الإطار.
حياتها العائليّة
وعن حياة فريحة العائليّة تقول عبّاس “كان لديها ثلاثة أولاد الدكتور ملحم وفتاتان هما نهى ولمى”. وتضيف أنّ “نهى كان لديها نوع من الإعاقة منذ ولادتها أمّا لمى فأتذكّر أنّها كانت طالبةً ذكيّة متفوّقة، ثمّ انتكست وهي في المرحلة الثانويّة. علّمتها في ثانويّة الصبّاح بعد عودتهم من التهجير، ولكن لأسباب غير معلومة، وجهل الأطبّاء تراجعت قدُراتها العقليّة تدريجيًّا”.
وتشير عباس إلى أنّ ملحم شرف الدين ابن السيدة فريحة كان طالبًا لديها في المدرسة النموذجيّة، التي كانت مدرسة تطبيقيّة لطُلّاب دار المعلّمين، و”كنت من بين المعلّمين المختارين للتدريس فيها مع السيّدة سلمى علي أحمد والتي كانت من المقرّبات أيضًا. علّمتُ الصف التمهيديّ وهو مكوّن من عشرين تلميذًا وكانوا متفوّقين وكان ملحم من الطلّاب المميّزين والمتفوّقين”. وتلفت إلى أنها كانت تعطيهم الدروس النموذجيّة باللغة الفرنسيّة، وأنّها درّست ملحم في المرحلة المتوسّطة، في ثانويّة حسن كامل الصبّاح الرسميّة.
وحين بدأت الحرب الأهليّة وكان القصف مستمرًّا على النبطيّة، أُقفلت المدارس “فأخذه والده إلى بيروت وانتقل من اللغة الفرنسيّة إلى الإنكليزيّة. أدخله والده مدرسة الأي سي، وهي مدرسة تؤهّل الطالب للالتحاق بالجامعة الأميركيّة. أثبت ملحم تفوّقه في دراسة الطبّ في الجامعة وبعدها انتقل إلى أميركا وهو الآن من الأطبّاء العلماء الباحثين على الصعيد العالمي”.
مصطفى: كان منزل الراحلة والمربّية فريحة الحاج علي موئلًا للشباب الفنّيّ والسياسيّ، وكنا نلتقي عندها في ندوات ونقاشات وتحضيرات. وكانت بمنزلة الحاضنة السياسيّة والفنّيّة والعاطفيّة والنفسيّة لنا على المستوى المعنويّ والمادّيّ
وحين توفيت فريحة في العام 1997 تولى أمر الفتاتين خالهما محمد الحاج علي وكان يعمل حينها في الإذاعة اللبنانيّة، حيث سكن معهن في النبطيّة، وبعدها أخذهما معه إلى بيروت، وبعد حين أتى ملحم إلى لبنان واصطحب معه إحدى أختيْه وبقيت معه.
على الرغم من ظاهر حياتها المليء بالنشاطات والتربية والثقافة إلّا أنّ فريحة كانت امرأة لها معاناتها، فهي كانت مصابة بمرض “الربو” وكان يؤذيها أنّها لا تستطيع تناول كثير من الأطعمة، فكانت نحيلة جدًّا. وكان لفريحة كما ذكرنا ابنتان مريضتان، وابنٌ وحيد في المهجر، وزوج -والكلام للدكتورة عبّاس- نعرف أنّه تزوّج بامرأة أخرى في وقتٍ مبكر من زواجهما، ممّا أسّس لقطيعة بينهما فبقيت على ذمّته، ولكنّها منعته من المجيء إليها، وتولّت هي رعاية أبنائها. ففريحة كانت امرأة جميلة ومهندّمة وهي من طلبت من زوجها تركها، وكانت مكتفية بنفسها ولها حياتها.
رحيل المربّية الرائدة
“أيّتها الشاعرة التي لم تُجمع قصائدها، والفنّانة التي لم تنهِ لوحاتها، وأمّ ملحم العبقريّ الذي لم يسمعكِ أحدٌ تفاخرين به كما تفعل الأمّهات، وهو من مفاخر هذا البلد بل هذا الوطن… وقد غادرتِ من دون أن تتركي في قلب أحد ضغينة عليك، كنسمة صيف تنعش ولا تؤذي”.
بهذه العبارات المرهفة المأخوذة من نصّ طويل، رثت الدكتورة دلال عبّاس الرائدة فريحة الحاج علي. التي توفّيت مطلع كانون الأول (ديسمبر) العام 1997، وقد نعاها كثُر من المحبّين وبقي اسمها ساطعًا في سماء مريديها.
وكتب الدكتور يوسف حمزة بعد رحيلها في صحيفة “السفير”: “ما زالت الشوارع تشهد بأنّها تحدّت جنرالات العدوّ الصهيونيّ، حيث أقنعت مديري المدارس وقتها بعدم لقاء مسؤولهم المخابراتيّ المتغطرس (أبو يوسف)، لا بل استمرّت أكثر، وهاجمتهم بتذكيرهم بأنّهم جيش احتلال لا يحقّ لهم التدخّل في القوانين التربويّة اللبنانيّة، وذلك حسب شرعة وقوانين الأمم المتّحدة، فكانت فريحة المقاوم الاجتماعيّ والوطنيّ والثقافيّ ضدّ الفقر والعدوّ والجهل… انطلاقًا من المقاومة الفلسطينيّة في بداياتها حيث كان منزل “الست” فريحة ناديًا سياسيًّا شاملًا، وثقافيًّا ووطنيًّا، ودينيًّا معتدلًا”.
وفي أيار (مايو) العام 1998 كرّمها وزير التربية الوطنيّة جان عبيد بإطلاق اسمها على المدرسة التي أفنت مجمل عمرها من أجل رفعتها وتعليم الأجيال على التربية والثقافة والفنون والأخلاق الإنسانيّة الحميدة. ومنحها وسام التربية من الدرجة الثالثة ثمّ أزاح الستارة عن لوحة تحمل اسم مدرسة فريحة الحاج علي تقديرًا لجهودها وعطاءاتها في حقل التربية والتعليم.