ابنة ال 52 عامًا جوليانا ياغي تتقدّم لامتحان الشهادة المهنيّة

اثنان وخمسون عامًا من عمر الزّمن، لم تمنع ابنة بعلبك الحاجّة جوليانا ياغي، من أن تعود إلى المدرسة كطالبةٍ لتحصيل الشّهادة المهنيّة، بعد أن جاهدت في تحصيل قوت عيالها، وتأمين الحياة الكريمة لهم، على امتداد 23 عامًا قضتها في الكدّ والتعب، بعد أن تُوفِّيَ زوجها تاركًا لها طفليْن، مع احتياجاتهما وقسوة الحياة في تربيتهما.

مواجهة صعوبات الحياة

الحاجّة ياغي التي قرّرت متابعة دراستها بعد سنّ الخمسين تقول لِـ”مناطق نت” إنّها تريد خوض غمار الحياة وتحدّي صعوباتها، ومواجهة مشكلاتها بكلّ إرادةٍ وتصميمٍ وحبّ، “ولن يثنيَني عمري ولا ظروفي، عن تحقيق هدفي في الوصول إلى ما أصبو إليه، وأجاهد للفوز به، لأنّ الحياة جهاد عيشٍ وعلمٍ، وهما أمران مفروضان على الإنسان بفعل الوجود، وضرورة العمل لتحقيق الذات”.

وتتابع: “أنا أعمل في مستشفى بعلبك الحكوميّ منذ سنواتٍ، وأُعيل يتيميْن بعرق جبيني وكدّ يديّ، والحمدلله أنّني كنت على مستوى المسؤوليّة، التي شاءها الله لي، وأنا في ريعان الصِّبا، إذ استطعت أن أجتاز امتحاناتٍ حياتيّة كثيرة، بصبرٍ وثباتٍ من أجل الحفاظ على ولديّ من العوز والحاجة، ولا أزال، لأنّ إيماني بأهمّيّة وجودي، تفرض عليَّ أن أكون على قدرٍ كبيرٍ من المسؤوليّة، بما يسهّل لنا العيش بعزّةٍ وكرامةٍ، تقينا شرّ الأيّام وما تخبّئه لنا من مفاجآتّ قد لا تكون في مصلحتنا وسعادتنا”.

جوليانا ياغي أثناء تفديمها في امتحانات الشهادة المهنية

وعن الدافع وراء إعادة متابعة الدراسة بسنٍّ متأخّرة تقول: “أنا منذ صغري أجيد فنّ الطّبخ والطّعام وأحبّ العمل فيهما، وبما أنّني أعمل في مشفى بعلبك الحكوميّ كعاملةٍ في المغسل، وجدت أنّه باستطاعتي التطوّر في عملي، وتحسين نوعيّته وهذا يتطلّب شهادةً علميّةً، فوقع اختياري على اختصاص “الفندقيّة” كوني ملمّةً به، عندها دخلت المعهد الفنّي، وأنهيت السنتيْن الأولى والثانية بنجاحٍ، واليوم أتقدّم بامتحانٍ رسميّ لإنهاء السنة الثالثة BT3″.

وتوضح ياغي أنّ “هذه الشهادة تتيح لي الترفّع من الدرجة الخامسة إلى الدرجة الرابعة، ما يزيد من رتبتي وراتبي، ويحسّن عملي ويريحني، وهذا ما أريده في ظلّ الأوضاع المعيشيّة الصّعبة التي نمرّ بها، إذ أصبح العيش بكرامةٍ هدفًا يتطلّب الكدّ والنّضال والسعي الدؤوب من دون تأفّف أو ضجر، وأنا أمتلك صفات الصّبر والتحمّل لأنّ هدفي نبيل وهو توفير حياةٍ حرّةٍ شريفةٍ لي ولولديَّ كوني أمّهما وأباهما في الوقت عينه، وهذا ما يرفع من مسؤوليّتي وقوّتي ويزيدني عزمًا وإرادة”.

الاستعداد للامتحانات

وعن الاستعداد للامتحانات وكيفيّة التعامل مع مسابقات الموادّ تقول ياغي: “كان استعدادي جيّدًا، فأنا درست الموادّ المطلوبة منّي على رغم ضيق وقت فراغي، لأنّني أسعى لهدفٍ، وكنت أقسّم وقتي بين العمل والبيت والتحضير، وهذا يتطلّب جهدًا مضاعفًا، ما أرهقني وأتعبني لكنّني كنت فرحةً بذلك، لأنّني بانتظار نتيجةٍ تستحقّ التّضحية والتعب. وكلّ ما يُبذل في سبيل ذلك يهون، والنجاح يستلزم السهر والسعي والمواظبة وعدم الشعور باليأس”.

جوليانا ياغي: أنا منذ صغري أجيد فنّ الطّبخ والطّعام وأحبّ العمل فيهما، وجدت أنّه باستطاعتي التطوّر في عملي، وتحسين نوعيّته وهذا يتطلّب شهادةً علميّةً، فوقع اختياري على اختصاص “الفندقيّة”

وتتابع: “أمّا بخصوص الامتحان فأتى سهلًا لأنّه بمجمله كان نظريًّا أكثر منه تطبيقيًّا. وأنا أجبت على جميع الأسئلة بنسبةٍ عاليةٍ، لأنّني كنت مرتاحةً لمٍا أقوم به ومستعدّةً له ولم أجد حرجًا من عمري، لوجودي مع طلّابٍ بعمر أولادي، بل شعرت بأنّي طالبة من أعمارهم، لي ما لهم، وعليّ ما عليهم، على رغم بعض النظرات المستغرِبة منهم لكنّهم أشبعوني عبارات ثناء وتشجيع ومثابرة”.

الشهادة لتأمين “الآخرة”

وترى ياغي أنّ “قيمة المرأة بعلمها وشهادتها خصوصًا في هذه الأيّام، حيث لا أمان يحمي المرأة ولا حياة ماديّةً مقبولةً لها، سوى شهادتها التي هي سلاحها الأقوى، في وجه مرارة الحياة وقسوتها، لا سيّما إذا كانت وحيدةً مثلي، تتحدّى شظف العيش بكلّ إيمانٍ وإباء. فأنا لم أستكبر عمري للعمل وأفكّر في آخرتي بعد ان أتقاعد من عملي الحالي، لذلك قرّرت نيل الشهادة هذه لتأمين وضمان الآخرة حيث يومها، لن ينفعني إلّا الله وهي”.

وتأسف لكون المرأة في مجتمعنا “إذا كانت كحالي، تعود إلى الكدّ من جديدٍ، بعد عمر التقاعد، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه قد أصبحت في مرحلة الراحة والأمان، بعد أن تكون قد قدّمت كلّ ما تملك من صحّةٍ ووقتٍ لنفسها ولأولادها.”

دعوة إلى المرأة البقاعيّة

وفي الختام دعت ابنة مدينة الشّمس بعلبك جوليانا ياغي، المرأة البقاعيّة إلى عدم الرضوخ والاستسلام لمصاعب الحياة، وغدر الزمان “لأنّ الحياة علم وعمل ومن دونهما لا وجود للإنسان. والمرأة البقاعيّة أثبتت عبر التاريخ ولا تزال، أنّها عنوان للصمود في وجه كلّ التحدّيات، لذلك علينا أن نبقى كما كنّا نحمل لواء العمل بيدٍ ولواء العلم باليد الأخرى. كما علينا أن نواكب الزمن ومتغيّرات العصر وفق الحاجة، ولا نخجل من أن نعود إلى مقاعد الدراسة على كبرٍ، لأنّه كم من صغيرٍ لا يملك الهمّة والإرادة والطموح، وكم من كبيرٍ يجدّد حياته بقوّة وطموح الشّباب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى