ابنة شبعا دانا قيدور: حلمي إطلاق “براند” يعكس شخصيتي

لا تبدأ معاناة شابات وشباب مناطق الأطراف في تحصيل شهاداتهم العليا ولا تنتهي بفرص العمل التي تغيب كليًّا هناك، بل تطال مجمل نواحي مستقبلهم الذين يحاولون بناءه أو شق الطريق إليه. الشباب في مناطق الأطراف هم ضحايا الإنماء غير المتوازن وعدم تطبيق قانون اللامركزية الذي يحرّر المناطق من تبعية مقيّدة تحول إلى حدٍ كبير دون نمو تلك البلدات والقرى التي تغرق في تهميش مزمن. “مناطق نت” تفتح فضاءها لكي يعبّر شباب البلدات والقرى البعيدة عن مشاريعهم التي يتحدون بها ظروف الحياة وينجحون.

تقول دانا قيدور: “على رغم كلّ شيء، ما زلتُ هنا، ما زلتُ أحلم، والأهمّ ما زلتُ أؤمن أنّ لي مكانًا في هذا الوطن، مهما حاولوا أن يسرقوه منّا”، تضيف لـ “مناطق نت” بلسان حال كثيرين يحاولون التشبّث بوطنهم على رغم كلّ الويلات والمصاعب التي يعانوها، وتطال جميع المناطق، إلّا أنّها تتضاعف في الأطراف الجنوبيّة وتحديدًا في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني: “هنا تتحوّل الفرص إلى أحلام بعيدة المنال، ويصبح الطموح صراعًا مع واقعٍ قاسٍ يفرض خيارات محدودة: إمّا الهجرة بحثًا عن مستقبل أفضل، أو الانتقال إلى المدن الكبرى، حيث تتّسع الدائرة، لكن يبقى كثيرون عالقين في دوّامة الانتظار والتكيّف مع الممكن”.

دانا يوسف قيدور، من بلدة شبعا (حاصبيّا)، متخصّصة في إدارة الأعمال وحاصلة على شهادة MBA، بالإضافة إلى شهادةTOT  وLIFE COACH، خاضت هذه التجربة بكلّ تفاصيلها. متزوّجة عاشت تجربة الغربة لكنّها كانت تعود دائمًا، كأنّ شيئًا ما يربطها بلبنان على رغم التحدّيات. تقول: “كلّما حاولت الاستقرار في مكان آخر، كنت أجد نفسي أعود بلا تفسير واضح، وليس لدينا سوى ذلك الرابط غير المرئيّ الذي يبقينا هنا مهما كانت المصاعب”.

وُلِدت دانا لعائلة تؤمن بالعلم والعمل، فوالدها مهندس كهربائي ووالدتها صيدلانيّة. تتحدّث عن ذلك فتقول: “كان الجميع يسألني لماذا لم تدرسي مثل أهلك؟ على الأقلّ، الصيدلة تناسب الفتيات!” وعلى رغم كلّ التوقّعات التي كانت تدفعها نحو دراسة الصيدلة، اختارت طريقًا مختلفًا، سعيًا وراء طموح أوسع، ولم تستسلم للصعوبات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تواجه الشباب في الجنوب.

بين الحلم والبقاء

بين الاكسسوارات والـ Hand made بدأت دانا مشروعها منذ ثلاث سنوات، معتمدة على الشغف الذي رافقها منذ أيّام المدرسة. عن بدايات مشروعها تشير دانا إلى أنّها “بدأتُ من منزلي، في قريتي، ومع الوقت تطوّر كلّ شيء بمواجهة التحدّيات، من كورونا إلى صعوبة دخول الأسواق وكسب ثقة الناس”. تشرح دانا، مضيفة أنّ هدفها لم يكن للتجارة فحسب، بل تأسيس “براند” تحمل بصمتها الخاصّة.

أتت الحرب الأخيرة فغيّرت الأولويّات، “كنّا نحلم بالتطوير، فأصبحنا نفكّر بالبقاء، بالنجاة، بمساعدة الآخرين”، تقول دانا، التي وجدت نفسها مضطرّة للانتقال من ريادة الأعمال إلى العمل الإنسانيّ والاجتماعيّ، وبخاصّة بعد إنذار إخلاء شبعا. فمع غياب زوجها، تحمّلت مسؤوليّة أطفالها وحدها، وواجهت مخاوفهم بتوضيح الواقع لهم: “لسنا في مواجهة مباشرة، لكنّنا نعيش تداعيات الحرب، ومع الوقت، تعلّموا كيف يعيش اللبنانيّون، إذ إنّهم يتأقلمون، يتكيّفون، لكنهم لا يستسلمون”.

“الفساد أقوى من أحلامنا”

لم تعمل دانا في اختصاصها بسبب محدودية الفرص في الجنوب. “الفساد والمحسوبيّات كانا دائمًا أقوى من أحلامنا”، تقول لـ “مناطق نت”، وتردف: “فالمناطق البعيدة عن بيروت تعاني من تهميش واضح، حيث تُحجب عنها فرص التطور والتقدم”. وبرأيها، فإنّ “الأحلام تُحارب بشراسة، وتبقى مجرّد خيال لمن لا ينتمي إلى القوى المسيطرة. لم يكن خيارًا متاحًا، فالبُعد عن العائلة غير ممكن، ولا العيش وحيدة في مدينة لا ترحم. أفكر كثيرًا في الأحلام، وكيف ينجح البعض في تحقيقها، بينما تظلّ أحلام آخرين مجرّد خيال. في منطقتنا، تواجه الأحلام عقبات كثيرة، وتُحبط قبل أن تبدأ، أمّا الآخرون، فإما أنّهم يضطرّون إلى الهجرة بحثًا عن فرص أفضل، أو يكتفون بالأمل من دون تحقيقه.”

لم تنسَ دانا أيضًا التحدّيات التي تواجهها النساء في الجنوب، “حيث تُحصر أدوارهنّ غالبًا في التعليم، بينما يُغلق أمامهنّ الأفق في مجالات أخرى”. لكنّها تؤكّد أن “نساء الجنوب يملكن من القوّة والقدرة ما يؤهّلهنّ للنجاح في السياسة والاقتصاد والمجتمع، لولا العقبات التي تحول دون وصولهن. لكن الطريق إليهنّ مغلق بالأبواب الحديديّة ذاتها التي تسدّ الأفق أمام الجميع، وتحاصر الأمل قبل أن يولد.”