استغلال أزمة النزوح وإيجاد مكان آمن “لمن يستطيع إليه سبيلًا”
منذ تصاعد المواجهة العسكرية والتهديدات بين حزب الله والعدوّ الإسرائيليّ على خلفية اغتيال المسؤول العسكريّ البارز في حزب الله فؤاد شكر، الأسبوع الماضي، قرّر مهدي عواضة، صاحب “سوبّر ماركت” في الضاحية الجنوبيّة، البحث عن منزل في منطقة “آمنة” كي ينتقل إليه مؤقّتًا مع عائلته. إلّا أنّ هذه المهمّة لم تكن سهلة على قدر ما كان يتوقّعها، فقد فوجئ عواضة بارتفاع إيجار المنزل الصغير في عرمون مثلًا، من 250 دولارًا إلى ما لا يقلّ عن 500 دولار، وصولًا إلى 1200 دولار.
لكن “المشكلة مش هون” بحسب عواضة الذي يؤكّد لـ”مناطق نت” أنّ أصحاب المنازل باتوا يطلبون بدل إيجار عدّة أشهر سلفًا، حتّى أن بعضهم طلب مبلغ إيجار سنة كاملة، فضلًا عن عمولة مكتب الوساطة العقاريّة، ممّا يعني أنّه يتوجّب على المستأجر تأمين مبلغ لا يقلّ عن 2500 دولار. وهذا يظهر “الاستغلال والجشع اللذين نتعرّض لهما، ويشعر به كلّ من يبحث عن منزل في تلك المناطق”.
بات الحديث عن النزوح أمرًا متداولًا بشدّة في الضاحية الجنوبيّة والمدن الجنوبيّة الرئيسة والبلدات والقرى التي سبق لها أن استقبلت النازحين من أبناء البلدات الحدوديّة، مع ما يترافق من مؤشّرات اتّساع رقعة المواجهات بين الجانبين على وقع تهديد حزب الله بالردّ على “اعتداء” اغتيال شكر، وكذلك تهديد إيران بالردّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنيّة في طهران.
بات الحديث عن النزوح أمرًا متداولًا بشدّة في الضاحية الجنوبيّة والمدن الجنوبيّة الرئيسة والبلدات والقرى التي سبق لها أن استقبلت النازحين من أبناء البلدات الحدوديّة، مع ما يترافق من مؤشّرات اتّساع رقعة المواجهات
استغلال وكابوس
لم تكن تجربة عواضة يتيمة، بل يُعايشها كلّ من يبحث عن منزل في مناطق يعتقد أنّها آمنة. وهذا ما حدث مع عبدالله درَزي الذي يملك صالون حلاقة للرجال في الغبيري، وقد عبّر عن أسفه ومرارته أمام “مناطق نت” قائلًا: “لا بدّ لهذا الكابوس أن ينتهي”. ويلفت درزي إلى أنّ “الاستغلال الذي نشعر به كبير جدًّا”، لافتًا إلى أنّه يبحث عن منزل منذ 21 يومًا، بمبلغ لا يتجاوز الـ350 دولارًا، بيد أنّه لا يجد مبتغاه.
ويوضح أنّه تعرض “لمحاولة نصب من خلال طلب أحد الوسطاء العقاريّين منّي إرسال مبلغ 200 دولار كيّ يطلعني على المنزل”. وأكثر ما يقلق درزي، هو السؤال المتكرّر الذي سمعه عن طائفته عند البحث عن منزل في بعض المناطق اللبنانيّة، ممّا يؤكّد هاجسه “من رفض بعض اللبنانيّن تأجير مواطنين لبنانيّين آخرين من طائفة مُعيّنة”.
وفي السياق، يسعى فؤاد، الذي سبق له أن انتقل من الخيام إلى النبطية منذ نحو شهرين، إلى الانتقال مرة أخرى إلى إحدى بلدات “الجبل” خوفًا من تطوّر المواجهة العسكريّة، “إلّا أنّ الأسعار نار، هذا إذا وجدت بيتًا” وفقًا لما قاله لـ”مناطق نت”. كما يؤكّد أنّ “المنزل الصغير بات بألف دولار في منطقة الجبل، أمّا في بيروت فطبعًا أكثر. وهذه إيجارات غير منطقيّة خصوصًا أن المطلوب إيجار ثلاثة أشهر مقدّمًا”، مشيرًا في الوقت عينه إلى “أنّ معظم المواطنين لن يتمكنوا من دفع مبالغ كهذه”.
الطلب ضاعف الأسعار
تتلاقى هذه الشهادات مع ما أكدته غفران سبع الليل، التي تعمل في مجال الوساطة العقاريّة منذ سنتين، أنّ “الطلب على إيجارات المنازل ارتفع بشكل هائل”، موضحةً أنها تعمل عادةً في قطاع بيع المنازل إلّا أنّ الطلب المتزايد على الاستئجار أخيرًا دفعها إلى التوجّه نحو قطاع تأجير المنازل والشقق”. ولا تنفي سبع الليل في حديثها لـ”مناطق نت” أن “ارتفاع الطلب على استئجار الشقق والبيوت دفع كثيرًا من أصحابها إلى الطمع ورفع الإيجارات عدّة أضعاف”.
وتعطي مثالًا أن “إيجار المنزل المفروش في دوحة عرمون ارتفع من 500 دولار إلى 800 دولار، وفي الجبل يطلبون إيجارمنزل غير قابل للسكن ما يزيد على 250 دولارًا. وهناك كثير من المنازل، لا سيّما الجديدة، يطلب أصحابها من ثلاثة أشهر إلى ستّة أشهر سلفًا، تضاف إليها أجرة شهر كتأمين فضلًا عن عمولة المكتب العقاري”.
وعلى رغم أن زيادة الطلب على استئجار المنازل رفع مبلغ تأجيرها بشكل جنونيّ، غير أنّ “نسبة المواطنين القادرين على دفع هذه المبالغ ليست كبيرة” بحسب سبع الليل التي أوضحت “أنّ كثيرين من المواطنين يسعون إلى استئجار منازل في مناطق يعتبرونها آمنة، إلّا أنهم لا يرغبون في الانتقال إليها حاليًّا بانتظار تطوّر المواجهات العسكرية، وبالتالي من الصعب عليهم دفع مبلغ ألف دولار، مثلًا، أجرة منزل من دون السكن فيه”.
إجراءات بلدية تضبط الاستغلال؟
من جانب آخر، يرى بعض المتابعين أنّ ارتفاع الإيجارات أمر طبيعيّ في وقت يعتمد فيه التسعير على العرض والطلب، وبما أنّ الطلب ارتفع ارتفاعًا كبيرًا فمن الطبيعيّ ارتفاع الأسعار. إلّا أن هذا الرأي يُخالف منطق التضامن الاجتماعيّ الذي يجب أن يسود في ظلّ الأزمات والحروب. وربّما هذا الأمر دفع رئيس اتحاد بلديات الجرد الأعلى ورئيس بلدية صوفر، كمال شيّا، إلى محاولة ضبط أسعار الإيجارات من خلال إلزام جميع المالكين بتسجيل عقود الإيجار في البلديّة من أجل “التأكّد من قيمة الإيجار، والضغط معنويًّا كي يكون معقولًا ومقبولًا” وفق ما صرّح به لـ”مناطق نت”.
ارتفاع أسعار الإيجارات في المناطق الجبلية المحيطة بالضاحية يُخالف منطق التضامن الاجتماعيّ الذي يجب أن يسود في ظلّ الأزمات والحروب
وفي وقت لم تشهد صوفر موجة نزوح كبيرة نظرًا إلى عدم وجود أبنية كثيرة فيها وتميّزها بمنازل مستقلّة وعادةً ما تكون على شكل ڤلل (دور) وقصور، شهدت بلدات محاذية لها مثل شارون والملاحة وبدغان والعزّونيّة كثافة نزوح نحوها. وهذا يُفسّر عدم ارتفاع الإيجارات “المرتفعة أصلًا في صوفر، سوى بنسبة لا تتجاوز الـ20 في المئة، في حين أنّها في البلدات الأخرى، التي لم تكن تجد من يستأجر فيها، يحاول بعض أصحاب المنازل رفع الإيجارات واستغلال الطلب، لكننا نحاول ضبطها بالتعاون مع أحزاب المنطقة والجمعيّات المحلّيّة” بحسب شيّا.
خلايا أزمات
ويلفت شيّا إلى أنّ الاتّحاد شكّل “خلية أزمة في حال اضطررنا إلى فتح مراكز إيواء في المدارس، فعلى الرغم من أنّنا شهدنا ازدياد أعداد النازحين على أثر التطوّرات العسكريّة في الجنوب إلّا أنّ هذه الموجة من النزوح لا تستدعي لغاية اليوم فتح مراكز إيواء”. مضيفًا: “هناك معلومات تُشير إلى وجود توصيات بإخلاء بعض المناطق في الجنوب والضاحية، وربّما سبّب هذا في ارتفاع نسبة النزوح”.
ويذكر شيّا أنّ “إحدى واجبات هذه الخلية أن تكون على اتّصال مع المنظّمات المحلّيّة والمؤسّسات الدوليّة”. مؤكّدًا “أنّ التعاون مع هذه المؤسّسات جّيد ولو أنّه لم يصل بعد إلى مستوى التعاون في ما يتعلّق باللاجئين السوريّين. وكذلك نركّز على التعاون مع المنظّمات المحلّيّة ولا سيما الصليب الأحمر اللبنانيّ والدفاع المدنيّ”. وعن أعداد النازحين، يوضح شيّا “غياب أيّ إحصاء رسميّ خصوصًا أن إحصاء النازحين في المنازل الخاصّة ليس بسهولة إحصائها في مراكز الإيواء، لكن سنقوم به قريبًا”.
مبادرات لمواجهة “الطمع”
استفزّ ارتفاع الإيجارات، والذي بات حديث روّاد منصات التواصل الاجتماعي، المواطنة زينب حمادة، التي تقطن في بلدة بسوس (عاليه)، ودفعها إلى الإعلان عن مبادرة تقضي باستقبال عائلة في إحدى غرف منزلها. إذ إنّ ارتفاع إيجار المنزل في بلدة القماطيّة المجاورة من 150 دولارًا إلى ألف دولار “هو استغلال يجب الوقوف في وجهه” وفقًا لحمادة التي أكّدت في حديث لـ”مناطق نت”، أنّها فور إعلان مبادرتها تلقّت كثيرًا من الاتصالات التي ترغب في السكن لديها “وأقوم الآن باختيار عائلة تتناسب مع وضعي العائلي”.
وتأمل حمادة أن تشجّع هذه المبادرة كثيرين من المغتربين ممّن يملكون منازل في كيفون وسوق الغرب والقماطيّة وغيرها من المناطق الجبليّة على فتحها أما النازحين “بما أنّ “هذه المنازل مغلقة. وقد تلقّيت عديدًا من الرسائل من أصحاب منازل شكروني على لفت انتباههم للقيام بمبادرة مشابهة”.
ولاحقًا أصدرت بلدية القماطية بيانًا دعت فيه أبناء البلدة إلى “إكرام الضيف وحسن استقباله” وقالت في البيان “نرفض أية حالة استغلال من أي كان للأخوة الوافدين وإن أبواب البلدية مفتوحة لمعالجة أي أمر طارئ مخالف لمضمون البيان”.