اسرائيل تمحو “الظهيرة” وتختطف زيتونها
بين وقف إطلاق النار الهشّ وهدنة الـ 60 يومًا “القابلة للتمديد”، تتكشّف الجرائم الإسرائيليّة المستمرّة بحقّ بلدات وقرى المنطقة الحدوديّة تباعًا، ومنها بلدة الضهيرة، التي لم يدمّرها الاحتلال بشكل كامل فحسب، بل اقتلع زيتونها المعمّر وسرق أكثره إلى داخل كيانه.
الضهيرة الواقعة على الحدود تمامًا مع فلسطين المحتلّة، ولمع اسمها كثيرًا في الآونة الأخيرة، يوضح رئيس بلديّتها عبدالله الغريب، في حديث لـ”مناطق نت”، أنّ “جيش الاحتلال عمد منذ بداية الحرب إلى إحراق وجرف بساتين الزيتون في البلدة، التي يزيد عمر بعضها على 70 عامًا، ولم يتوانَ عن سرقة بعضها ونقلها إلى داخل الكيان الإسرائيليّ”، مشيرًا إلى أنّ “إعادة تنصيب تلك البساتين يحتاج إلى نحو 30 عامًا كي يعود إلى إنتاجه السابق، وهذا ما يُنذر بمشكلة اقتصاديّة ستُعاني منها البلدة التي يعتمد أهلها على الزراعة بشكل أساس”.
يبلغ عدد سكّان الضهيرة نحو 2500 نسمة موزعين على 225 عائلة. تطغى الزراعة بشكل شبه كامل على نشاطها الاقتصاديّ، إذ تصل نسبة المزارعين من أهلها إلى 95 في المئة، وهذا ما يجعل كثيرًا منهم يقطنون فيها صيفًا وشتاءً، فضلًا عن عدد قليل من الموظّفين الذين يتنقّلون بين البلدة وصور وصيدا، ولا يتجاوز عددهم الـ 450 فردًا. وتعتبر الهجرة في البلدة حديثة العهد إذ تعود إلى نحو 15 عامًا وموجّهة بشكل أساس نحو الدول الأوروبّيّة.
ويوضح الغريب أنّه “تمرّ على البلدة مواسم عدّة، في تشرين الأوّل (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) يأتي موسم الزيتون المنتشر حتّى في داخل أحياء البلدة وليس عند أطرافها فقط. أمّا موسم التبغ فيمتدّ من أيّار (مايو) إلى آب (أغسطس)، وهناك مواسم الحبوب من قمح وشعير وغيرها”. ويؤكّد أنّ “أهالي البلدة يتميّزون باستثمار أموالهم في بناء المنازل، فعادةً ما تعمد العائلة إلى بناء أكثر من منزل بهدف مساعدة أبنائها من خلال تأمين المساكن لهم، فكلّ ما تجنيه العائلات من موسم الزراعة تقوم باستثماره في تشييد المنازل وتتجنّب وضع أموالها في المصارف أو في أيّ استثمار آخر”.
نسف البلدة بالكامل
ويلفت الغريب إلى أنّ “الاحتلال الإسرائيلي دمّر البلدة بشكل كامل ولم يتبقّ من مبانيها الـ 600 أيّ مبنى، وعمد إلى نسف الجوامع الثلاثة والمدرستين ومبنى البلديّة”. ويتحدّث عن أنّ “معظم أهالي البلدة سيُعانون عند العودة، ففضلًا إلى تدمير منازلهم، باتت البلدة تفتقر إلى أدنى مقوّمات الحياة من طرقات ومياه وكهرباء وينى تحتيّة. وبالتالي فإنّ البلدة تحتاج إلى إعادة بناء وتأسيس من جديد، وهي لو لم تكن مشيّدة منازلها ربّما كان الوضع أفضل، إذ هناك مشكلة ركام المنازل وكيفيّة التخلص منه”.
ويؤكّد الغريب أنّ “الظهيرة شهدت عدّة حروب وتهجّر أهلها أكثر من مرّة، منذ (عمليّة الليطاني) في العام 1978 مرورًا باجتياح العام 1982 التي جعلت نحو 70 في المئة من أبنائها يستقرّون خارجها، وصولًا إلى تهجير العام 2006. لكن كلّ هذه الحروب في كفّة والحرب الأخيرة وما تلاها في كفّة، إذ لم يتبقَ شيء وجرى مسح البلدة عن بكرة أبيها”.
أمام هذا المشهد، يتوقّع الغريب أن تكون “العودة ضعيفة بحيث سيكون أهالي البلدة حذرين، وأنا متأكّد أنّ الأهالي لن يكرّروا تجربة بناء المنازل بمساحات كبيرة وإنّما ستقتصر مساحات منازلهم على 100 متر إلى 150 مترًا مربّعًا”، موضحًا أنه “بعد وقف إطلاق النار سيعود 90 بالمئة من أهالي البلدة للكشف على الدمار الذي حلّ بالبلدة ولكن لا أظن أن أحدًا منهم قادر على السكن فيها”.
الغريب: الاحتلال الإسرائيلي دمّر البلدة بشكل كامل ولم يتبقّ من مبانيها الـ 600 أيّ مبنى، وعمد إلى نسف الجوامع الثلاثة والمدرستين ومبنى البلديّة
الجدير بالذكر أنّ مشاهد الدمار والخراب لا تقتصر على الضهيرة وحدها بل تشمل كذلك بلدات محاذيّة لها، مثل يارين والبستان ومروحين والجبّين. وفي ما يتعلّق بملف التعويضات، أكّد الغريب أنّ “أهالي البلدة حصلوا على تعويضات أثاث المنزل المُحددة بثمانية آلاف دولار وبدلات الإيواء للأشخاص الذين يقدّمون عقود إيجار، مع الإشارة إلى توقّفها أثناء الحرب”.
نزوح متكرر
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي في 8 تشرين الأول 2023، بدأت عملية النزوح لجزء من أهالي البلدة، فقد توجّه معظمهم إلى منطقة صور وضواحيها بحيث تمركزت الأغلبية الساحقة في مراكز إيواء. وبعد توسع رقعة الحرب في 23 أيلول الماضي نزح معظمهم إلى منطقة صيدا وإقليم الخروب، وبعد دخول الهدنة حيّز التنفيذ عاد معظمهم إلى مراكز الإيواء في منطقة صور.
يروي مختار البلدة فادي سويد، في حديث لـ “مناطق نت”، تجربته مع النزوح الذي تكرّر ثلاث مرّات، فيُشير إلى أنّه اضطرّ للنزوح مع بداية الحرب إلى صور، ومع توسّع الحرب انتقل إلى صيدا ليعود إلى منطقة صور بعد الدخول في هدنة.
وقصّة سويد شبيهة بقصّة ابن بلدته عُدي عامر أبو ساري مع فارق أنّه اضطرّ إلى النزوح أربع مرّات. فمع بداية الحرب قام أبو ساري، وهو ربّ أسرة مكوّنة من زوجة وولدين ويعمل في مجال الزراعة، بنقل عائلته وأهله إلى صيدا فيما بقي ستّة أشهر في البلدة ليعود ويلتحق بها.
ويوضح أبو ساري أنّه “في تلك الفترة كانت المعارك ضمن قواعد الاشتباك ولم يتم استهداف المدنيّين في بلدتنا، وكنّا نمارس أعمالنا الزراعيّة بشكل شبه طبيعي، إذ قمت بزراعة نحو 32 ألف متر مربّع من القمح والبقوليّات”، مضيفًا “كذلك جهّزنا الأرض لزراعة التبغ، ولكن في الـ 10 من آذار (مارس) الماضي وقعت أوّل غارة استهدفت مدنيّين كانوا بقربي ممّا أسفر عن وقوع جرحى فقرّرت النزوح، وعندما توسّعت الحرب انتقلنا إلى ببنين ومن ثمّ خربة داوود في عكّار لنعود إلى صيدا باعتبارها أقرب إلى الجنوب حيث نواكب أيّ تعويضات يمكن أن تُقدم”.
ضيق العيش والعودة المنتظرة
وفي السياق، يوضح سويد أنّه “يعيش من زراعة التبغ ولكن منذ عامين توقّفت أعمالنا ومدخولنا، وهناك كثير من أهالي قرى الشريط الحدوديّ لم يتمكّنوا من تسليم محاصيلهم إلى الريجي”. أمّا أبو ساري فيُحاول “البحث عن أرض في منطقة صور كي أزرعها تبغًا، فمن المتوقّع أن تكون هناك صعوبة في العودة إلى الزراعة في البلدة، إذ ثمّة معوقات عديدة تتمثّل بغياب المياه بعد قصف الآبار الارتوازيّة وضرورة فحص التربة، فضلًا عن المخاوف من وجود قنابل عنقوديّة أو تفخيخ للحقول”.
يجزم أبو ساري أنّ “أهالي البلدة سيعودون حتّى لو وضعوا خيامًا فوق أنقاض بيوتهم، لأنّهم عانوا كثيرًا من الاستغلال”، مضيفًا “إذا كانت هناك سرعة بتقديم التعويضات فالناس ستقوم بنقل الإسمنت والحجارة معها عندما تعود”.
من جانبه، يؤكّد السويد أنّ “إسرائيل دمّرت البلدة بشكل كامل ولم يتبقَ مبنى واحد فيها، حتّى أنها قامت يوم الجمعة الماضية بتفجير منزل كان شبه مدمّر”. ويوضح أنّه يملك “تسع وحدات سكنيّة جرى تدميرها بالكامل. وعلى رغم ذلك ننتظر انسحاب جيش الاحتلال ودخول الجيش اللبنانيّ إلى البلدة بفارغ الصبر كي نعود إلى أرضنا”، خاتمًا بأنّ “مساحة منزلي كانت تبلغ 260 مترًا وعندما أعود سأبني منزل بمساحة 300 متر هذه المرّة، فهذه أرضنا وأرزاقنا ولن نتركها”.