الأزمة الاقتصاديّة تخفّض أرقام الزواج في البقاع الشمالي
إنعكست الضائقة الاقتصاديّة الكبيرة والظروف المعيشيّة المترديّة التي يعيشها المواطن البقاعيّ كسواه من اللبنانيّين على حياته الشخصيّة في الزواج وتكوين أسرةٍ كسنّةٍ طبيعيّةٍ وضرورةٍ اجتماعيّةٍ، وأجبرته على العزوف أو التأجيل القسريّ للإقبال على ما هو من أهداف البشر، أيّ الزواج.
همومٌ كثيرةٌ، وأعباءٌ كبيرةٌ، مسبقًا، تقف عائقًا حقيقيًّا أمام الشّباب والشابّات ممّن بلغوا سنّ الزواج وهم ينتظرون الفرج غير المرئيّ، حتّى الآن، ليستعدّوا، مادّيًّا، اولًا، لخوض الاستحقاق الطبيعيّ في الزواج وتكوين مؤسّسة العائلة.
ومنذ بدء الأزمة الماليّة والاقتصاديّة في لبنان في العام 2019 تسجّل منطقة بعلبك الهرمل تراجعًا ملحوظًا بشكلٍ متلاحقٍ في عدد المقبلين على الزواج من كِلا الجنسيْن حتّى بلغت نسبةً لافتةً هذا العام.
أسباب العزوف
يؤكّد علاء (اسم مستعار) من بلدة حوش الرافقة أنّ ما عاناه بسبب الظّروف الماليّة القاسية لم يعانِه أحد.”لقد تدمّرت حياتي وذهبت أحلامي مع الريح، وأنا أعيش اليوم صدمة ما حصل لي”.
منذ بدء الأزمة الماليّة والاقتصاديّة في لبنان في العام 2019 تسجّل منطقة بعلبك الهرمل تراجعًا ملحوظًا بشكلٍ متلاحقٍ في عدد المقبلين على الزواج من كِلا الجنسيْن حتّى بلغت نسبةً لافتةً هذا العام.
ويروي قصّته لِـ”مناطق نت” بالقول: “لقد أحببت فتاة قبل عشر سنواتٍ، وأنا اليوم في سنّ الثلاثين، وانتظرنا سويًّا موعد الارتباط رسميًّا الذي أتى بعد خمس سنواتٍ من الحبّ، حيث أجرينا عقد الخطوبة ورحنا نؤسّس لبناء منزلنا من خلال توفير بعض المال من راتبي، وكانت الأمور ميسورةً وخطواتنا مدروسةً وعلى مهلٍ.
ويضيف: “حصلت الأزمة الاقتصاديّة ونحن في طور التّأسيس ولم نكن يومها ندرك خطورتها وعواقبها حتّى وقعنا في العجز وتوقّفنا عن إنجاز ما بدأناه على أمل أن تنفرج الأمور ونُكمل حلمنا، وإذ بالأوضاع إزدادت سوءًا وغلاءً فاحشًا لكلّ ما يحتاجه العروسان من مستلزمات، وشيئًا فشيئًا تفاقم العجز وازدادت الأمور تعقيدًا، كمن وصل إلى نصف البئر فلا يستطيع النزول ولا يقوى على الرجوع، حتّى وقع الخلاف مع أهل خطيبتي لأنّني تخطّيت ثماني سنواتٍ من الارتباط وأصبحت غير قادرٍ على الزواج، فكان أبغض الحلال وهو الطّلاق الذي لم يكن بإرادتي. وكان التخلّي عن حلم حياتي”.
ويختم علاء جازما “بأنّه سيلعن أرضًا ظالمةً لأهلها ويسافر إلى بلادٍ تعرف الله والإنسان.”
أمّا أحمد (اسم مستعار) من بلدة تمنين فيقول: “إنّ الأوضاع الماليّة تأتي في رأس قائمة الأسباب التي تمنع جيل الشّباب من تحقيق حلمه كالأجيال التي سبقته وحقّقت ما تريده في ظروفٍ كانت مؤاتيةً وأوضاعٍ كانت تتيسّر فيها مقوّمات الزواج سواءٌ أكان لناحية توافر الأموال أم لناحية الأسعار الرخيصة للتجهيزات واللوازم الخاصّة ببناء المنزل الزوجيّ وتحضيرات ومتطلّبات العروس”.
ويضيف: “أنا اليوم في سنّ الأربعين ولا أزال عازبًا حتّى الآن والسّبب ماديّ. فالمال عصب الحياة وبدونه لا يستطيع الإنسان أن يحقّق شيئًا، فكيف إذا كنّا نعيش في دولةٍ كلبنان لا مال ولا خدمات اجتماعيّة ولا توفير فرص عملٍ لجيل الشّباب، ولا وظائف تؤمّن لهم الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة”.
ويشير إلى أنّه بدأ ببناء منزلٍ منذ ثلاث سنواتٍ وأنّه أنجز المرحلة الأولى منه “كخطوةٍ تأسيسيّةٍ للزواج وذلك عبر توفير ما يتيسّر من راتبي الوظيفيّ الذي كان مقبولًا، يومها، إلّا أنّ غلاء أسعار موادّ البناء المتتالي حال دون استكمالي عمليّة البناء، والمراحل المتبقّية لم يعد باستطاعتي تنفيذها في ظلّ الأزمة التي نعيشها فتوقّفت عن ذلك مرغمًا بانتظار القدر، لأنّ الأمل من الدولة والمسؤولين معدوم”.
أحمد: أنا اليوم في سنّ الأربعين ولا أزال عازبًا حتّى الآن والسّبب ماديّ. فالمال عصب الحياة وبدونه لا يستطيع الإنسان أن يحقّق شيئًا، فكيف إذا كنّا نعيش في دولةٍ كلبنان لا مال ولا خدمات اجتماعيّة
ويختم بأنّه قرّر عدم الارتباط بأيّ فتاةٍ “كوني غير قادرٍ على تأمين متطلّباتها وبالتّالي عاجز عن تأمين مصاريف الأسرة.”
اختيار أهْوَن الشّرّيْن
أمّا زينة (إسم مستعار) من بلدة كفردان، فترى أنّ الأزمة ليست أزمة عرسان بل هي أزمة مادّيّة وماليّة “تُجبر الشباب على العزوف عن الزواج، أقلّه، في المرحلة الراهنة لأنّ مسؤوليّة ذلك كبيرة وأعباءها تُرهق كاهل من سيقدِم على تحمّلها”.
وتقول لـ”مناطق نت”: “أنا من اللواتي خُضنَ تجربة الخطوبة التي لم تتكلّل بالزواج، إذ خطبني أحدهم في عزّ الأزمة الاقتصاديّة، وكان موظّفًا في إحدى الشّركات الخاصّة ولكن فجأةً جرى فصله من عمله واستبداله بموظّفٍ أجنبيّ آخر أقلّ كلفةٍ على الشّركة. وبسبب ذلك تدهورت أموره المادّيّة وتراجعت كثيرًا لا سيّما وأنّ أيّ عملٍ آخر لا يستطيع تأمين متطلّباتنا كعروسيْن مُقبليْن على الزواج”. وتتابع: “وبعد مدًّ وجزرً وخلافاتٍ متكرّرة بين الحين والآخر قرّرنا الانفصال كي لا نُقدم على خطوةٍ ميّتةٍ مسبقًا، والسبب هو مادّيّ بحتٍ لكنّنا اخترنا أهون الشرّيْن”.
وبرأي زينة أنّ الارتباط بين طرفيْن في هذه الأيّام، لم يعد يرتكز على القلب والعاطفة فقط “لأنّ القواعد العاطفيّة لا تُغني ولا تُسمن من جوع، بل الأساس أصبح مادّيًّا للحفاظ على العلاقة ومنعها من الانهيار، وأنا سأبني حياتي، مستقبلًا على هذا الأساس”.
رأي أصحاب صالات الأعراس
يقول محسن وهو صاحب صالةٍ لإقامة الحفلات والأعراس في منطقة السّفري البقاعيّة لـ”مناطق نت”: “إنّنا هذا العام كما العام الماضي سجّلنا تراجعًا ملحوظّا في نسبة حفلات الأعراس التي تقام لدينا حيث يمكن القول بأنّ التراجع قد يصل إلى 50 بالمائة قياسًا على السنوات السابقة، أي ما قبل الأزمة الاقتصاديّة، وهذا ما نستطيع رصده في بداية شهر نيسان من كلّ عامٍ، إذ مع بداية هذا الشهر ينطلق موسم الأعراس باختلافٍ في توقيت اليوم؛ خميس وجمعة أو سبت وأحد، ما يعني أنّ هناك حفلتيْن في الأسبوع الواحد”.
محسن: إنّنا هذا العام كما العام الماضي سجّلنا تراجعًا ملحوظّا في نسبة حفلات الأعراس التي تقام لدينا حيث يمكن القول بأنّ التراجع قد يصل إلى 50 بالمائة قياسًا على السنوات السابقة
ويضيف: “منذ سنتيْن لم نُقِم إلّا حفلةً أو حفلتيْن في الشهر الواحد وهذا مؤشّر كبير يعكس تراجعًا في نسبة الزواج التي أضحت مكلفةً ولا يستطيع الإقدام عليها إلّا أصحاب الدولارات”.
ويؤكّد محسن “أنّ الحجوزات للصّالة كانت تبدأ في نهاية فصل الشّتاء من كلّ عامٍ، كون الموسم ينطلق مع بداية فصل الرّبيع وينتهي في نهاية فصل الصّيف، هذا ما اعتدنا عليه، سابقًا، أمّا اليوم فإنّ الأمر اختلف كلّيًّا بحيث لم يأتِنا في هذا الموسم إلّا عرسيْن حتى الآن ما يدلّ على أنّ الأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة ضاغطة على الناس…”.
رأي المحاكم الشرعيّة
ووفق مصادر خاصّة بالمحاكم الشرعيّة في منطقة بعلبك الهرمل “فإنّ نسبة حالات الزواج المسجّلة لديها كانت ضئيلةً هذا العام كما العام الماضي إذ تراجعت إلى أكثر من النّصف وهذا يدلّ على أنّ الزواج لدى الشّباب لم يعد أولويّةً خصوصًا وأنّهم يمرّون بظروفٍ ماليّةٍ صعبةٍ تمنعهم من القيام بواجبهم الدينيّ” على حدّ قول المصادر التي تؤكّد انّ عملها كجهةٍ مثبّتةٍ للزواج يشهد تراجعًا ملموسًا يكاد يصل إلى حدود ثلاث أو أربع معاملاتٍ شهريًّا “وهو رقمٌ شبه معدوم في منطقةٍ كانت في السابق تعجّ بحالات الزواج حيث كانت تتخطّى عشرين معاملةً في الشهر الواحد”.
وتلفت المصادر عينها إلى “أنّ هناك عاملًا آخر قد يكون سببًا مساعدًا للسبب المادّيّ وهو تريّث الشباب في اختيار الفتيات قبل الإقدام على الارتباط لأنّ الغالبيّة العظمى من جيل الفتيات بدأت تفضّل الشّاب الثريّ على الشّاب متوسّط الحال أو الفقير وهذا ما يؤدّي إلى خلافاتٍ زوجيّةٍ لاحقًا، كالذي نشهده هذه الأيّام حيث مؤسّسة الزواج تُهدم عند أيّ حاجةٍ ماديّةٍ يكون الزوج غير قادرٍ على تلبيتها.”
وتختم المصادر محذّرةً من ظاهرة الطّلاق الحادّة المنتشرة في المنطقة وما ينتج عنها من تهديمٍ للأسرة وتشريدٍ للأولاد والتي غالبًا ما تكون الزوجة هي السبب والطالبة للطّلاق “حيث لم يعد لبيت الزوجيّة أيّ حرمةٍ أو صونٍ له من الخراب.”