الأعمال في مستشفى صور الحكوميّ متوقفة والحلول مؤجلة
يلاحق التعثّر حلم إتمام مستشفى حكوميّ في منطقة صور، التي تعدّ واحدة من أكبر أقضية لبنان إذ تضمّ 64 بلدة وقرية، بعدما أخّرت الأزمة الاقتصاديّة والماليّة “2019” استكمال بناء وتجهيز المستشفى، الذي تأخر تشييده بالأساس عقودًا طويلة، عن سائر المستشفيات الحكوميّة المنتشرة في المدن والبلدات اللبنانيّة، وفي الجنوب على وجه الخصوص.
السبب المباشر لتوقف الأعمال في المبنى الجديد للمستشفى، بعد إتمام كلّ جولات المناقصات، وتخصيص قطعة أرض تابعة للخزينة اللبنانيّة، في منطقة الشواكير (الحسبة الجديدة) يعود إلى عدم قدرة المتعهّد (شركة هايكون)، على إنجاز ما تبقّى من أعمال وتجهيزات، نتيجة ارتفاع سعر الدولار، واحتساب بدل الدولار على سعر 1500 ليرة، بدلًا من السعر القائم .
مظلوميّة مدينة وقضائها
لحقت بمدينة صور ومنطقتها مظلوميّة كبيرة، يدفع أبناؤها الذين يزيد عددهم على ثلاثمائة ألف مواطن، الثمن على خلفيّة عدم وجود مستشفى حكوميّ، يخفّف عنهم أكلاف المستشفيات الخاصّة، التي نبتت كالفطر وانتشرت في كلّ المناطق ومنها صور، في حين أن المستشفى القديم، الذي أنشىء بين العامين 1958- 1959، في داخل مخيّم البصّ للاجئين الفلسطينيّين، لا تتوافر فيه مقوّمات المستشفى الحديث، لناحية التجهيزات والبناء، إلى جانب موقعه الجغرافيّ ومساحته الضيّقة.
يموَّل بناء وتجهيز المستشفى الحالي، القائم على مساحة عشرة آلاف متر مربعّ، من البنك الإسلاميّ للتنمية، بقيمة ثمانية ملايين دولار، ويتولّى تلزيمه والأشراف على الأعمال فيه، مجلس الإنماء والإعمار، إسوة بكل مشاريع البنية التحتيّة على الأراضي اللبنانيّة، ومنها شبكات الصرف الصحيّ ومحطّات تكرير المياه المبتذلة وسواها، التي تحصل على قروض وهبات من دول مانحة، أجنبيّة وعربيّة، تكاد جميعها أن تكون متوقفة .
قبل شهور، أنجزت أعمال التلييس (الورقة) طلاء الجدران بالباطون، ومنذ ذلك الوقت، توقّفت الأعمال كلّيًّا، ولم تستكمل عملية تبليط ثلاثة طوابق من أصل أربعة، وأصبح العشب يغطّي باحة المبنى، الذي ينتظر فتوى، تتلخّص بفسخ العقد مع المتعهّد، من جانب مجلس الإنماء والإعمار، وفق ما يرى رئيس بلدية صور المهندس حسن دبوق، “حتى يتمّ تأمين مموّل جديد لاستكمال الأعمال وتجهيز المستشفى، الذي يتألّف من أربع طبقات (سفلي، أرضي، أول، ثانٍ)، ويتّسع لأكثر من ثمانين سريرًا، إضافة إلى عدد من غرف العمليّات الحديثة، وسائر المستلزمات الأخرى”.
قبل شهور، أنجزت أعمال التلييس (الورقة) طلاء الجدران بالباطون، ومنذ ذلك الوقت، توقّفت الأعمال كلّيًّا، ولم تستكمل عملية تبليط ثلاثة طوابق من أصل أربعة، وأصبح العشب يغطّي باحة المبنى.
الضرورة لإنهاء الأشغال والتجهيز
تتابع النائب الدكتورة عناية عزّ الدين، مراحل تشييد مبنى مستشفى صور الحكوميّ، بشكل متواصل، سواء مع مجلس الإنماء والإعمار، أو المعنيّين على الأرض، للوقوف على سير الأعمال. وسبق لها أن تفقّدت الأعمال أكثر من مرّة.
وتشدّد النائب عز الدين، “على ضرورة وأهمّيّة الانتهاء من الأعمال، وتجهيز المستشفى بالمعدّات المطلوبة، حتّى يصبح جاهزًا لاستقبال المرضى، من أبناء المنطقة، ممّن هم بأمسّ الحاجة لهذا المستشفى” .
وتشير عز الدين لـ”مناطق نت” إلى “أنّ الأعمال في المبنى قطعت شوطًا مهمًّا، وهو يحتاج فقط إلى بعض الأمور الصغيرة، لكن المتعهّد أوقف العمل فيه لأنّ البنك الإسلاميّ أوقف جزءًا من التمويل بعد توقّف الدولة اللبنانيّة عن سداد ما يتوجّب عليها من دفعات، عدا عن أنّ مجلس الإنماء والإعمار عليه دفع 10 بالمئة من كلفة المشروع، ولكنه لم يُسدّد، لأنّ المتعهّد كان يستلم المبلغ سابقًا على سعر الصرف 1500، فيما المبلغ المتبقّي لإنهاء البناء بشكل نهائيّ زهيد جدًّا”.
المستشفى أكثر من مُلّح
يؤكّد رئيس بلديّة صور، ورئيس إتّحاد بلديّات قضاء صور المهندس حسن دبوق، “أنّ البلدية، تمكّنت من تخصيص قطعة الأرض، التي يشيّد عليها المستشفى، في أواخر العام 2013، إلى أن جاء التلزيم، والبدء بأعمال البناء، قبل سنوات، على أن يستغرق سنتين، بحسب شروط التلزيم، المبرمة مع مجلس الإنماء والإعمار”.
ويضيف دبوق: “للأسف، نحن القضاء الوحيد، في كلّ لبنان، لم ينته فيه، إنجاز مستشفى حكوميّ، ينتظره أهالي المنطقة منذ عشرات السنين، حتّى يساهم في رفع المعاناة المادّيّة عن كاهلهم، خصوصًا في ظلّ هذه الظروف الاقتصاديّة القاهرة”، مؤكدًا أنّ “استمرار غياب هذا المستشفى، يكلّف المواطنين أعباءً مادّيّة كبيرة، يعجزون عن تأمينها في المستشفيات الخاصّة”
ويتابع دبوق لـ “مناطق نت”: “إنّ المستشفى الحكوميّ في منطقة صور، التي يوجد فيها كثافة سكّانيّة، هو أكثر من مُلّح، وحاجة لا يمكن القفز عنها، وهذا الأمر هو من مسؤوليّة الدولة، المعنيّة بتوفير هذا المرفق الحيوي.”
ويكشف دبوق، أنّه “نتيجة توقّف الأعمال وانسداد أفق معاودتها حتّى الآن، جرّاء مشكلة الفوارق بتسعيرة الدولار، حاولنا تأمين مموّل، يتولّى إنجاز ما تبقّى من أعمال كبيرة، لكنّ المشكلة تكمن، في عدم تجاوب أيّ مموّل كون المبنى مُلزّمًا سابقًا”.
ويختم دبوق: “إنّ فسخ العقد مع المتعهّد، يفتح الطريق أمام تلزيم جديد، حسب الأسعار الرائجة للدولار، تماشيًا مع أسعار مواد البناء والتجهيزات والأجور”.
المستشفى القديم يعاند القلّة
تمّ تشييد مبنى المستشفى القديم، في أواخر الخمسينيّات من القرن الماضي، على قطعة أرض في مخيم البصّ للاجئين الفلسطينيّين، وقد أنشىء في الأساس لإيواء اللاجئين الأرمن، في بداية الأربعينيّات، قبل أن يسكن المخيم اللاجئون الفلسطينيون منذ العام 1948″.
تمّ تشييد مبنى المستشفى القديم، في أواخر الخمسينيّات من القرن الماضي، على قطعة أرض في مخيم البصّ للاجئين الفلسطينيّين، وقد أنشىء في الأساس لإيواء اللاجئين الأرمن، في بداية الأربعينيّات.
يتألّف مبنى المستشفى من طبقتين، ويعمل “باللحم الحيّ” منذ عقود، ويقتات من دخلِهّ الخاص، الذي يتقاضاه من المرضى، وبعض المساعدات العينيّة، التي ساهمت في تأمينها لجنة دعم المستشفى، وكان يرأسها رئيس بلدية صور السابق الراحل عبد المحسن الحسينيّ، وجهود الإدارات المتعاقبة.
يضم المستشفى ثلاث غرف عمليّات، تمّ تجهيزها عبر جهات مانحة، وغرفة عناية متطوّرة، زُوّدت بها المستشفى بعد عدوان تموز 2006، مقدّمة من “مؤسّسة الوليد بن طلال”، ولم تعمل إلى اليوم نتيجة كلفة تشغيلها، وعـــــدم توافر الأموال اللازمة، إضافة إلى عشرات الأسرّة المتهالكة.
لعب المستشفى القديم، دورًا بارزًا وكبيرًا، في إبّان عدوان تموز- آب 2006، فاحتضن أكثر من أربعمائة جثمان شهيدة وشهيد، في برّادات كبيرة، أمّنتها في ذلك الحين بلديّة صور والهيئة العليا للإغاثة، إلى جانب إجراء مئات العمليّات للجرحى والمصابين.
يتولّى إدارة المستشفى، الذي يعمل ضمن القوانين والقرارات والأنظمة المعمول بها في وزارة الصحّة العامّة، رئيس عسكري، تعيّنه وزارة الدفاع، وهو حاليًا الرائد الطبيب فيصل عاصي، ومدير إداري تعيّنه وزارة الصحّة من ضمن الملاك الرسميّ للمستشفى باقتراح رئيس المستشفى، ويقتصر عمل المستشفى في الوقت الراهن، على إجراء العمليّات الجراحيّة الكلاسيكيّة، وقد توقّف فيه قسم الولادة منذ فترة.
الوزارة الغائبة “المؤَنِّبَة”
وتؤكد مصادر طبّيّة لـ”مناطق نت” “أنّ قسم العمليّات الحاليّ المؤلف من ثلاث غرف، تمّ إنشاؤه وتأهيله بشكل كامل، من قبل ابن بلدة قانا حسين صائغ، بعد أن أهملت وزارة الصحّة جميع المراسلات من قبل إدارة المستشفى بهذا الخصوص”.
وتضيف المصادر: “المؤسف كانت النتيجة، أن أرسلت وزارة الصحّة كتاب تأنيب للإدارة، “لتجاوزها” إنشاء قسم عمليّات جديد، كما وأنّ التأنيب عينه، قد حصل بعدما قامت مؤسّسة الوليد بن طلال بإنشاء وتأهيل وتجهيز قسم عناية فائقة مؤلّف من أربعة أسرّة. وهي تجاهلت حتّى اليوم عمليّة تمويل أشغال هذا القسم الحيويّ في المستشفى والذي ترك إقفاله تأثيرًا كبيرًا على حالة الاستشفاء، لما يشكّله قسم العناية الفائقة من صمّام أمان للكثير من الإشكالات الطبّيّة التي تحدث في المستشفيات، وعلى استقبال حالات أكثر حرجًا للعلاج في المستشفى.”