الإعفاء الضريبي جرّاء الحرب فوضى وغضب و”6 و6 مكرّر”!

إغاثةً للمتضرّرين من العدوان الإسرائيليّ، أقرّ مجلس النوّاب مشروع القانون المعجّل الوارد بالمرسوم 410 والذي صدر في الجريدة الرسميّة بتاريخ الـ 27 من حزيران (يونيو) 2025، وقضى بإعفاء الوحدات السكنيّة المدمّرة أو المتضرّرة من الحرب الإسرائيليّة، وعلى جميع الأراضي اللبنانيّة من دون استثناء، من الضرائب والرسوم ورسوم الخدمات (مياه كهرباء وهاتف ثابت وغيرها). على أن تستمرّ تلك الإعفاءات حتّى إنجاز ترميم الوحدات السكنيّة أو إعادة التعمير. لكن تمّ تعديل القانون لاحقاً ليقتصر فقط على إعفاء جميع المكلّفين في أقضية بنت جبيل، صور ومرجعيون وحاصبيّا حصرًا، دون الأقضية الأخرى.
إعفاء قضاء جزين واستثناء النبطية
لكن ما أقرّه القانون حصرًا بالأقضية المذكورة، لم يبقَ كذلك إذ تمدّدت مفاعيله إلى قضاء جزّين الذي أعفيت بلداته بالكامل من الرسوم والضرائب، على الرغم من أنّه يُعتبر الأقلّ تضرّرًا من العدوان الإسرائيليّ، نسبةً إلى الأقضية الأخرى التي لم يشملها القانون، وبخاصّة قضاء النبطية الذي أصيبت معظم بلداته بأضرار كبيرة جرّاء العدوان.
المفارقة أن قرار إعفاء قضاء جزين من الرسوم والضرائب لم يصدر من خلال بيان رسمي أو تعديل للقانون، بل من خلال إبلاغ الأهالي بالقرار لاحقًا عبر الجباة، وهذا ما تأكدت منه “مناطق نت” من خلال شهادات من سكان بلدات القضاء، حيث أكدوا أنهم لم يدفعوا أي رسوم أو فواتير رغم عدم تضرر منازلهم.
قرار إعفاء قضاء جزين جاء في إطار مبدأ “ستّة وستّة مكرر”، كترضية للمسيحيّين، بعد أن شملت الإعفاءات أقضية ذات غالبيّة شيعيّة ودرزيّة
عن سبب إعفاء قضاء جزّين من الضرائب، يُوضح أحد الموظّفين في مؤسّسة مياه لبنان الجنوبيّ (رفض الإفصاح عن اسمه) أنّ قرار إعفاء قضاء جزين جاء في إطار مبدأ “ستّة وستّة مكرر”، كترضية للمسيحيّين، بعد أن شملت الإعفاءات أقضية ذات غالبيّة شيعيّة ودرزيّة.
ظلم بالسويّة عدل بالرعيّة
لم يسرِ المثل القائل “ظلم بالسويّة عدل بالرعيّة” على أقضية الجنوب التي تتشابه في الواقع المأسويّ، لكنّها لم تتساوى في القانون، فأقضية أعفيت بالكامل من الضرائب والرسوم، وأقضية لم يسرِ عليها ذلك، فاقتصر على البيوت المدمّرة.
تنتاب كمال (آثر عدم الكشف عن اسم عائلته)، الذي يسكن في بلدة المجيدل قضاء جزّين، حال من الحيرة بعد أن أبلغه جابي المياه بقرار إعفاء السكّان من الفواتير. وعندما استفسر عن إمكانيّة استرداد الأموال التي دفعها قبل صدور القرار، أوضح له الجابي أنّ العمل يجري على وضع آليّة لإعفاء من دفعوا مستحقّات العام 2025، إذ سيتم احتسابها من رسوم العام 2026. كذلك أشار الجابي إلى أنّ قرارًا مماثلاً بإعفاء فواتير الكهرباء سيصدر قريبًا، وهو ما دفع كمال إلى التريّث في دفع المستحقّات المتوجّبة عليه حاليًّا.
التخبّط في الإعفاء الضريبيّ
في المقابل، تقتصر الإعفاءات في أقضية أخرى مثل النبطيّة والزهراني وبعلبك والبقاع على المنازل المدمّرة بشكل كامل فقط، ما أثار استياء أصحاب البيوت المتضرّرة جزئيًّا. أمّ حسن نعيم، من بلدة سلعا في قضاء صور، اضطرّت إلى دفع رسوم المياه على رغم أنّ منزلها تضرر بشكل كبير وأصبح غير صالح للسكن. تقول لـ “مناطق نت”: “عندما سألت الجابي: كيف تجرؤون على طلب المستحقّات؟ أجابني: هل رأيتِ تلك البيوت المدمّرة؟ سيدفع أصحابها الرسوم المستحقة عليها”، مضيفةً أنّ “أصحاب تلك البيوت لم يعلموا بالقرار، ولم يقدّموا طلبات للإعفاء”. وتأسف أمّ حسن لعدم متابعة أوضاعهم من قبل الجهات المعنيّة.

ما قالته أم حسن أكّده قاسم زين الدين من بلدة يحمر الشقيف الذي أصاب الدمار منزله ومنزل ابنه وكثيرًا من منازل أقربائه. زين الدين قال لـ “مناطق نت”: “دفعت فاتورة المياه التي بلغت 16 مليون ليرة لبنانيّة، لكن عندما أتى جابي الكهرباء لم أدفع الفاتورة، على اعتبار أنّ منزلي أصابه الدمار خلال الحرب”. لم يعلم قاسم بقانون الإعفاء ولا بالطريقة الواجب اتّباعها لإتمام العمليّة، ويسأل عن كيفية استرداد أمواله؟
ما حصل مع زين الدين في يحمر وأم حسن في سلعا، يدلّ على التخبّط في تنفيذ قرار الإعفاء الضريبيّ، تتحمّل مسؤوليّته الإدارت والوزارات، وأيضًا البلديّات التي لم تُعلم مواطنيها وترشدهم إلى آليّة تقديم الطلبات من أجل تطبيق قرارات الإعفاء، وهذا ما بدا واضحًا في عديد من البلدات التي شملها الإعفاء.
ماذا تقول البلديات؟
من جهته يقول رئيس بلدية يحمر الشقيف (قضاء النبطية) كرم علّيق إنّه منذ لحظة تسلّمه مهامه في البلديّة والناس التي دُمّرت بيوتها تأتي إلى مبنى البلديّة، وتحصل على إفادة لتقدّم طلب إعفاء من دفع الفواتير لمؤسّسة مياه لبنان الجنوبيّ، ولم يكن هناك تعميم على البلديّات من المحافظة إلّا منذ ما يقارب أسبوعين، لذلك كان بعض أصحاب المنازل المدمّرة قد دفعوا مستحقّاتهم قبل صدور التعميم”.
يتابع لـ “مناطق نت”: “من لم يعلم بالتعميم ودفع مستحقّات سنة 2025 وبيته مدمّر أو متضرّر ولم يعد صالحًا للسكن، يستطيع أن يتواصل مع مؤسّسة المياه لإعفائه من رسوم سنة 2026” يضيف: “لقد فوجئنا بقرار إعفاء بلدات قضاء جزّين بالكامل، وسأتابع هذا الملف مع اتّحاد بلديّات الشقيف لمعرفة التفاصيل”.
تبدو الحقيقة على الأرض مختلفة تمامًا، فالنداءات التي أُطلقت عبر المساجد ووسائل التواصل الاجتماعيّ لدفع فواتير الخدمات المستحقّة في بعض بلدات إقليم التفّاح، ليست سوى تذكير قاسٍ بعبء الحرب الذي لا ينتهي. تقول سعاد متيرك من بلدة عدلون (قضاء صيدا): “لم نعلم بوجود أيّ قرار بالإعفاء الضريبيّ، حتّى إن من أعرفهم ممّن دُمّرت بيوتهم دفعوا ما هو مطلوب منهم. لو كان هناك قرار حقيقيّ بالإعفاء، لضجّت به القرية بأكملها”.
الأمر المريب هو الصمت المُطبق من قبل رؤساء البلديّات في الأقضية التي شهدت دمارًا واسعًا، والذين لم يتحرّكوا للاعتراض على القانون
وتتابع متيرك لـ “مناطق نت”: “على العكس تمامًا، وجدنا أنفسنا أمام ارتفاع في فواتير المياه والكهرباء، وتشديد أكبر من الجباة في تحصيل المستحقّات، مع تهديد صريح بقطع الخدمات عن المتأخّرين في الدفع”. وتتساءل سعاد بحسرة: “لماذا لا يشمل قرار الإعفاء العائلات التي فقدت معيلها خلال الحرب؟”. مستشهدةً بعائلة أحد شهداء الجيش اللبنانيّ التي دفعت ما عليها من فواتير، على رغم الوضع الاقتصاديّ الصعب، الذي غيّر حياتهم بعد استشهاد ابنهم.
بلديات غارقة في الصمت
الأمر المريب هو الصمت المُطبق من قبل رؤساء البلديّات في الأقضية التي شهدت دمارًا واسعًا، والذين لم يتحرّكوا للاعتراض على القانون الذي استثنى مناطقهم من الإعفاءات الشاملة، واقتصر فقط على المنازل المدمّرة بالكامل. هذا القرار ترك أصحاب المنازل المتضرّرة جزئيًّا– والتي أصبحت غير صالحة للسكن– خارج نطاق الإعفاء، مجبرين على دفع المستحقّات والرسوم على رغم ظروفهم الصعبة.
وفي سياق متّصل يأتي الصمت المريب لرؤساء البلديّات في ظلّ غياب أيّ مسح كافٍ ودقيق للبلدات المتضرّرة وغير المتضرّرة. ويتّضح أنّ هناك أقضية تأثّرت بشكل كبير في الاعتداءات الإسرائيليّة، ما أدّى إلى تهجير سكّانها وتوقّف أعمالهم، وهو ما يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار، لأنّ من خسر عمله لا يستطيع دفع مستحقّاته المتوجّبة عليه.
وفي هذا الإطار، يُعدّ قضاء النبطية الذي يضمّ 42 بلدة مثالاً صارخاً على ذلك، حيث لم تسلم أيّ من بلداته الـ 42 من القصف المباشر الذي استهدف المنازل والمؤسّسات والبلديّات، تاركاً دماراً واسعاً وأضراراً جسيمة في الممتلكات، بالإضافة إلى تدهور حادّ في الدورة الاقتصاديّة منذ بداية حرب “الإسناد”.
وينطبق الأمر ذاته على قضاء صيدا، الذي يضمّ 52 بلدة، حيث تعرّض ما يقارب 90 في المئة منها إلى القصف المباشر. ولم ينجُ قضاء بعلبك الذي يضمّ 113 بلدة، ولا قضاء الهرمل الذي يضمّ 32 بلدة، من هذا المصير، حيث تعرّض ما يقارب 70 في المئة من بلداتهما للقصف والأضرار المباشرة.