الاعتراض الشيعي.. لا صوت يعلو على الحزب
طويت صفحة الإنتخابات النيابية مُشرعة السؤال على أُفق المناخ الديمقراطي في البيئة الشيعية، بعد أن غُلّب صوت “اللا صوت يعلو على صوت المعركة” على أصوات الفئات الشعبية التي تجمعها الحالة الاجتماعية الصعبة. فبالرغم من الخرقين اللذين حققتهما لائحة معاً نحو التغيير في دائرة الجنوب الثالثة (المقعد الأورثوذكسي الياس جرادة، والمقعد الدرزي فراس حمدان)، والخرق الذي حققته لائحة بناء الدولة في بعلبك-الهرمل (المقعد الماروني أنطوان حبشي)، بقي التمثيل الشيعي على حاله، وظهّر ثنائي أمل وحزب الله أن البيئة الشيعية عصية على التغيير ويحكمها منطق تجديد البيعة ليس أكثر.
ففي المنطقة التي عُرفت اصطلاحاً بـ”خزان المقاومة”، حاول حزب الله جعل المعركة فيها أُم المعارك من خلال التركيز على اللائحة الأقوى بوجه لائحة الثنائي أي لائحة “بناء الدولة” التي ترشح ضمنها نائب القوات اللبنانية أنطوان حبشي والشيخ عباس الجوهري، إضافةً للوجه العشائري المعروف رفعت نايف المصري ورئيس بلدية اللبوة السابق رامز أمهز إضافة إلى وجوه شيعية أُخرى. لكن حسابات القمح السياسي اختلطت بحسابات بيادر “الحزب” فاستنفرت “مقاومة حزب الله” خزانها الإعلامي مصوبة رماحها على اللائحة المذكورة تحت حجة لا مكان للقوات قي بيئة الحزب. وهكذا حصل.
في الأُسبوع الأخير من نيسان، كثر الحديث في البيئة الشيعية المؤيدة للحزب عن قرار بتجريد أنطوان حبشي من غطاء طائفة الثنائي. وعلى الرغم من “صمود” عدد من المرشحين الشيعة، بيد أن حزب الله نجح في “المونة” على ثلاثة، فانضمّ المرشّح رفعت نايف المصري على لائحة “بناء الدولة”، التي يرأسها الشيخ عباس الجوهري، المدعومة من القوات اللبنانية، إلى المرشّحَيْن الشيعيَّيْن المنسحبَيْن من اللائحة، رامز ناصر قهمز وهيمن مشيك. والثلاثة أعلنوا انسحابهم لصالح لائحة “الثنائي الشيعي” و”المقاومة”.
وبقياس بعلبك الهرمل على الجنوب، فإن معركة “الثنائي الشيعي هناك “كانت بوجه لائحة “معاً نحو التغيير” التي تارة اتهمهوها بالعمالة من خلال صورة مركبة لنائبها الحالي فراس حمدان تتهمه بالعمالة وتارة اخرى بتوجيه سلاح الإتهام بالتمويل الخارجي.
وبين الدائرتين ذات الثقل الإنتخابي الشيعي، أي بعلبك- الهرمل والجنوب الثالثة، تتمثل نقطة الإلتقاء بـ “من يعارض توجهات الحزب فهو عدو”. بحسب أدبيات الثنائي الشيعي.
بين الدائرتين ذات الثقل الإنتخابي الشيعي، أي بعلبك- الهرمل والجنوب الثالثة، تتمثل نقطة الإلتقاء بـ “من يعارض توجهات الحزب فهو عدو”. بحسب أدبيات الثنائي الشيعي.
بما تختلف بعلبك الهرمل عن الجنوب؟
بحسب نائب بعلبك-الهرمل أنطوان حبشي، فإن “إدارة المعركة السياسية وشؤون هذه الدائرة بالمعنى الفعلي لا تخضع لثنائية حزب الله وحركة أمل بل هي حكراً على “الحزب” بالمطلق باستثناء بعض النتوءات الصغرى في بعض القرى أو العائلات والعشائر.
ففي هذه المنطقة ألغوا مساحة الديمقراطية خوفاً، من بروز حالة اعتراضية في البيئة الشيعية تشي بأن خطاب حزب الله لم يعد ينطلي على بيئته الحاضنة خاصة في الشقين الاقتصادي والاجتماعي. يعود حبشي في الذاكرة إلى دورة 2018 النيابية، لافتاً أن الصوت الاعتراضي الشيعي في بعلبك- الهرمل حصل حينها على 9,7 % من إجمالي المقترعين ما يعني أنه كان باستطاعة الاعتراض، في حال توحده، إيصال نائب بسهولة.
تغلغل الحزب في الوجدان البعلبكي
خضع النسيج الاجتماعي لبعلبك الهرمل لتحولات كبرى في الأعوام المنصرمة، فالحزب الذي واكب في ثمانينيات القرن الماضي أبناء منطقته بحرمانهم وثورتهم، وجد إجماعاً حوله خاصة عندما كان دعاة الحزب من الفقراء الذين تلقفتهم البيئة الشعبية. أما اليوم، فقد اختلف الوضع وفق حبشي، بحيث يعتبر أنه أصبح هناك داخل صفوف حزب الله طبقية غير عادية جعلتنا نشاهد مسؤولاً حزبياً يمتلك قصراً فيما لا تزال بيئته ترزح تحت وطأة الجوع والحرمان.
الطبقية أيضاً وأيضاً..
يحاول حبشي الذي كان مرشحاً أساسياً على قائمة بناء الدولة، أن يشدد على تغليب مصطلحات الدولة على مصطلحات الجماعات السياسية، مشدداً على أن حزب الله لا يمكنه أن يطرح نفسه بديلاً عن الدولة على مساحة الطائفة الشيعية. فبطاقة السجاد مثلاً لا يمكنها أن تكون بديلاً اقتصادياً ناجعاً كما أن اتكال القرى على متفرغي الحزب غير ناجع أيضاً لأن عديد هؤلاء ربما لا يتجاوز أكثر من 10 بالمئة من سكان أي قرية خاصة عندما نرى غير الدائرين في فلك الحزب من حملة الشهادات العليا العاطلين عن العمل.
هذه الطبقية داخل الطائفة وفق حبشي خلقت صوتاً اعتراضياً شيعياً. أما كبت الديمقراطية التي مارسها الحزب بمحاولة تفريغ اللائحة من المرشحين الشيعة، تشكل دلالة على خوف الحزب من تراجع الالتفاف الجماهيري حوله وذهابه بمنحىً عكسياً فلم يجد الحزب من سبيل للحفاظ على جماهريته سوى اللعب على وتر خطابات الشحن وتظهير الآخر بأنه عدو.
على سبيل المثال لا الحصر، وصلت حدّة الشحن الطائفي والحزبي إلى حدّ الاعتداء بالضرب على المرشح الشيعي الدكتور حسين رعد خلال استقباله وفوداً في حسينية آل رعد لمناسبة الذكرى الأولى لوفاة والدته وذلك قبل عشرة أيام من موعد الإنتخابات.
حبشي: أصبح هناك طبقية غير عادية داخل صفوف حزب الله، جعلتنا نشاهد مسؤولاً حزبياً يمتلك قصراً فيما لا تزال بيئته ترزح تحت وطأة الجوع والحرمان
اللوم على الدولة
حادثة الإعتداء هذه، تطرح السؤال على دور الدولة في حماية الاعتراض السياسي في المجتمعات ذات الطابع الأحادي؟ هنا يرى حبشي أنه قبل إلقاء اللوم على الحزب تقع المسؤولية على الدولة اللبنانية التي يتوجب عليها تأمين مساحات الحرية والأمان للمعترضين. وأكثر من ذلك فإن حجم الصوت الاعتراضي غير معلوم في هذه الدائرة لأنه لا يقتصر على المقترعين كون هناك صناديق جرى تغييرها بالكامل”. فإبن بعلبك الهرمل الذي يريد حياةً كريمة، وضعه غياب الدولة تحت رحمة الترغيب والترهيب، فإلهاء أبناء هذه المنطقة بمحاولة تحصيل قوتهم اليومي بمثابة الإغتيال الفكري للجيل الشاب ولكل أفق الحياة عند أبناء المنطقة إلى أي طائفة انتموا”.
توتاليتاريا الحزب
من الإنتخابات النيابية يعود حبشي إلى مرحلة الثمانينيات، فيرى أنه عندما لا تحتمل الشمولية مفكراً يتحدث عن الفكر الظلامي كمهدي عامل، كيف يمكنها أن تستطيع تقبل تغيراً في البيئة الشيعية. ويضيف: كل خطاب حزب الله بمحاولة سحب الشيعة إرتكز على محاولة تظهير أن هذه البيئة مقفلة له، وعندما يصطدم الحزب بحالة اعتراضية يلجأ للعنف كما حصل مع رعد.
يرد حبشي مسألة رفض الحزب للاعتراض إلى الخوف من تلاقي أبناء المنطقة. ويقول: إن الحزب خائف من اللحظة التي يصبح فيها في المنطقة جسراً للحوار ومكاناً للنقاش الفكري إن كان داخل الطائفة الشيعية أو بينها وبين المكونات الأخرى في بعلبك- الهرمل.
وفي هذا السياق، يسأل حبشي: “متى تكون ذاهباً إلى الحرب؟ يجيب: “عندما يكون لديك تصنيفاً للآخر أنه عدوك المطلق وأنت لم تتحدث معه. فعندما يتحدث الناس مع بعضهم بصبح هناك مساحة مشتركة مهما كانت صغيرة وهذه المساحة تتسع ولا تضيق. من هنا والكلام لحبشي، فإنه في منطقة ذات اقتصاد مشترك ووضع حياتي مشترك، كبعلبك الهرمل، جل ما قام به حزب الله هو محاولة منع خلق نقاش ديمقراطي داخل الطائفة الشيعية من جهة وبين المكون الشيعي والمحيط الطائفي المختلف من جهة ثانية.
وعليه، يشدد حبشي على ضرورة إيجاد مساحة وطنية لا تتكون إلا عند إلغاء الخوف بين كل المكونات الذين يؤلفون الوطن.
ما رأي قوى التغيير؟
ليس سراً أن تأثيرات الكتل الديموغرافية غير الشيعية في الجنوب أشد فاعلية من بعلبك-الهرمل، فالخروقات التي حصلت في الجنوب سواء بفراس حمدان عن المقعد الدرزي أو الياس جرادة عن المقعد الاورثوذكسي لها عوامل تبدأ بتأثير الصوت الدرزي في منطقة حاصبيا أولاً، ثم تأثير الخط اليساري الجنوبي الذي لعب دور المتفرج بقاعاً. هذه الرؤية تلتقي مع المرشح عن ائتلاف قوى التغيير في بعلبك- الهرمل الشريف سليمان، الذي يرى أن الخط اليساري موجود في بعلبك الهرمل ولكن الأمور حالت دون دخولهم في لائحة قوى التغيير ما خسّر اللائحة عدداً من الأصوات.
وفيما لا يخفي سليمان أنه في بعلبك الهرمل لعب غياب الدولة معطوفاً على التزوير دوراً بارزاً في تضعيف حالة الاعتراض، لفت إلى وجود أقلام اقتراع بصفر صوت للتغييريين فيما الإحصاءات تؤكد حصول قوى التغيير على أصوات فيها.
ويشير سليمان إلى أهمية الصوت المغترب في تغيير المعادلات، فيقول: “كيف يمكن لشاب تغييري مثلي أن يحصل على نسبة أصوات لدى الإغتراب في بعلبك الهرمل أعلى من نسبة الأصوات التي حصل عليها كل من مرشحي حزب الله حسين الحاج حسن وحركة أمل غازي زعيتر؟ يجيب:” هذا سببه أن اقتراع المغتربين حراً ولا يخضع لضغوط الدخول مع المواطن خلف العازل.
وبينما ضعفت حجة الثنائي بأن إئتلاف التغيير يناهض “مفهوم المقاومة”، جرى الضغط على مناصريها من خلال الدخول معهم خلف العازل ومحاولة ثنيهم عن عدم التصويت للثنائي الشيعي. وفق ما يقوله سليمان.
التخوين أيضاً وأيضاً
لكن رغم ضعف الثنائي بالتصويب على الإئتلاف من بوابة ما يعرف بـ”المقاومة”، استهدف “الحزب” الائتلاف من خلال اتهامه بتقاضي الأموال من الخارج، إذ يقول سليمان: “رغم أنهم استخدموه ضدنا إلا أن هذا الخطاب ارتد سلباً عليهم في بلدتي يدنايل التي تعرفني جيداً. فما كان منهم إلا محاولة التزوير والضغط على رؤساء الأقلام والمندوبين”
ماذا عن الدراسة السياسية المعمقة؟
يشير الباحث السياسي احمد مطر أن الإعتراض في بعلبك الهرمل استطاع عام 2018 فتح كوة في جدار الأحادية السياسية في المنطقة من خلال خرق كل من انطوان حبشي وبكر الحجيري للائحة الثنائي الشيعي في حينها، واضعاً هذان الخرقان في إطار الحالة التأسيسية التي يمكن البناء عليها للدورات اللاحقة، بيد أن الخطيئة التي حصلت تمثلت بغياب التواصل والعمل الميداني من أجل التحضير لانتخابات عام 2022 بحيث أن إعداد لوائح الاعتراض لم يبدأ إلا قبل أشهر من الانتخابات الأخيرة.
إلى ذلك، يعتبر مطر أن الإعتراض في بعلبك- الهرمل لم يكن يمتلك قراءة موضوعية لتبدل المزاج الشعبي بحيث أن الآفاق التي فتحتها انتفاضة 17 تشرين 2019 انحصرت بساحة المطران في بعلبك ولم تنجح قوى الاعتراض بتوسيع هذه الحالة في المنطقة الوسطى المنتشرة بين بعلبك والهرمل، فضلاً عن أن الإحتجاج الشعبي الذي بدأت نواته في الهرمل قمع قسراً، كما أنه لم يجر تقديم برنامج سياسي متكامل تحت عنوان التغيير.
الخطاب توصيفي فقط
اقتصر خطاب التغيير على التوصيف العام وتحميل المسؤولية للمنظومة فيما كان من المفترض بلورة برنامج إنتخابي لائتلاف قوى التغيير يحدد فيه كيفية مقاربة الملفات في مرحلة ما بعد الانتخابات وذلك بدءاً من اليوم الذي يلي الانتخابات أي في 16 أيار.
مطر: الاعتراض في بعلبك- الهرمل لم يكن يمتلك قراءة موضوعية لتبدل المزاج الشعبي بحيث أن الآفاق التي فتحتها انتفاضة 17 تشرين 2019 انحصرت بساحة المطران في بعلبك ولم تنجح قوى الاعتراض بتوسيع تلك الساحة لتشمل المنطقة الوسطى المنتشرة بين بعلبك والهرمل
لا ينكر مطر أن تشتت الاعتراض في بعلبك-الهرمل استفاد منه الخصم الأقوى المتمثل بحزب الله، فلو نجحت المعارضة في بعلبك-الهرمل بتوحيد صفوفها كما حصل في الجنوب كانت فرضت نفسها لاعباً قوياً وأساسيأً في مشهد المنطقة السياسي لكن العمل السياسي كان موسمياً وكان هناك شك في حصول الانتخابات، فضلا عن خطأ قوى التغيير بترشيح بعض الأسماء الذين سبق ترشيحهم في دورات سابقة، إضافة إلى ضعف المرشحين في محيطهم الاجتماعي.
خطأ القوات
يضيف مطر، “مشكلتنا مع القوات في الـ 2018 أننا كنا نرى ضرورة ألا يترشح أنطوان حبشي كحزب قوات إنما كإبن دير الأحمر الذي هو جزء من المكون الأساسي في المنطقة الذي يحمل العادات والتقاليد ذاتها ويقطع الطريق على حزب الله للقول إن الخصوم هم القوات، ولكن للأسف هذا لم تسر به القوات.
لائحة بناء الدولة شعار ضعيف
في القراءة الإجتماعية، يؤكد مطر أن خطاب بناء الدولة لا يشكل تأييداً اجتماعياً في منطقة ألفت الخروج عن القانون، والقانون لا تعتبره لمصلحتها. فحري على أي اعتراض مخاطبة الناس بهمومهم ومنطقهم، إضافة إلى أن حزب الله يتقدم على معارضيه بالموروث المذهبي والدولار الأخضر إضافة إلى بث فائض القوة بين الجمهور الشيعي.
الجنوب
إذا لعب كل من العامل المسيحي والدرزي دوراً أساسياً بتسجيل الخرق. لكن هناك خاصية أهم للجنوب بحسب مطر، تمثلت بفريق العمل المتكامل للائحة “معاً نحو التغيير” الذي نجح في تدوير الزوايا وتوحيد الاعتراض بشكل لا يفسح المجال أمام تفريخ لوائح، إضافة إلى عامل آخر ميز الجنوب تمثل بالاغتراب الذي يفتح للمقترع باب الاستقلالية برزقه. أما إبن بعلبك الهرمل الذي لا أفقاً كبيراً للاغتراب أمامه، لم يجد مصدراً لرزقه إلا بالتفرغ في حزب الله وبالتالي فإن التفرغ الحزبي كان عاملاً انتخابياً. من هنا فإن الإستقلال المادي هو أولى مفاتيح الحرية والتغيير، وفق مطر.
قراءة إنتخابية
وبين وجهة النظر السياسية والمقاربة العلمية للانتخابات، يشير الأستاذ الجامعي المتخصص بالشأن الانتخابي عباس بو زيد إلى أن نسبة المشاركة بين دورتي 2018 و2022 لم تختلف كثيراً، بحيث أن نسبة المشاركة في الجنوب الثالثة ارتفعت 1 % في هذه الدورة فأصبحت 47 % بعد أن كانت بحدود الـ46 % عام 2018.
لكن خرق الجنوب بحسب أبو زيد ارتكز على رافعة تعددية في دائرة مرجعيون حاصبيا التي يعتبر فيها الصوت الدرزي، السني والمسيحي وازناً رغم أن العنصر الشيعي يشكل 60% من الناخبين. بيد أن العامل المهم أيضاً للالتفاف حول المرشح الدرزي فراس حمدان تمثل بالتفاف جيل الألفية الذي يقترع لأول مرة حوله نتيجة البعد الاستفزازي لمرشح الثنائي مروان خيرالدين المالك لأحد المصارف، إضافة إلى الاستفزاز الذي شكله اتهام جمهور الثنائي لحمدان بالعمالة من خلال صورة مركبة.
بقاعاً
ومن الجنوب إلى البقاع، فالخرق الذي حققته لائحة بناء الدولة بشخص النائب أنطوان حبشي يضعه أبو زيد في إطار الامتداد للخرق الذي حصل عام 2018 بالمقعدين السني والماروني وبالتالي فهذا الخرق لم يشكل مفاجأة كتلك التي حصلت في الجنوب الذي يعتبره الثنائي منطقة تدور في فلكه السياسي بشكل مطلق.
بو زيد: الخرق في الجنوب ارتكز على رافعة تعددية في دائرة مرجعيون حاصبيا التي يعتبر فيها الصوت الدرزي، السني والمسيحي وازناً رغم أن العنصر الشيعي يشكل 60% من الناخبين. بيد أن العامل المهم أيضاً للالتفاف حول المرشح الدرزي فراس حمدان تمثل بالتفاف جيل الألفية الذي يقترع لأول مرة حوله نتيجة البعد الاستفزازي لمرشح الثنائي مروان خيرالدين المالك لأحد المصارف.
ويشرح أبو زيد أن استهداف الثنائي للائحة “بناء الدولة” التي فاز منها حبشي من خلال محاولة تفريغها من العنصر الشيعي (انسحاب كل رامز أمهز ورفعت المصري)، سببه أن هذه اللائحة هي الأقوى في وجه حزب الله خاصة أن الاعتراض الذي يدور في فلك 17 تشرين تشرذم ولم يكن يشكل خطراً على الثنائي كما حصل في الجنوب نتيجة توحد الاعتراض.
ماذا عن الشيعة؟
يكرر أبو زيد الموقف الدائم الذي يقول: “محظوظ حزب الله بمعارضيه الشيعة” واضعاً ما حصل بسحب المرشحين الشيعة من لائحة “بناء الدولة” في إطار ركاكة الرؤية السياسية للاعتراض الشيعي الذي كان في اللائحة وتعاملها مع الترشح على قاعدة زعامات القرى التي لا تمتلك أدوات المواجهة.
خرق.. لا خرق
على عكس اعتبار قوى الاعتراض التي تعتبر أن الاختراق الثلاثي طال بيئة الثنائي الشيعي، يرى المؤرخ اللبناني الدكتور منذر جابر أن الإختراق لم يطل بتاتاً البنية الطائفية للثنائي الشيعي سواء في الجنوب أم في البقاع. جل ما في الأمر وفق جابر أن الاعتراض الشيعي شكل رافعة إضافية للخروقات ذات اللون الطائفي غير الشيعي. هذا في العام. أما في الخاص فيشدد جابر على أن المقترع في بعلبك الهرمل لا ينتخب على أساس سياسي بل على أساس انتماء يتجلى في هذه المرحلة بالالتفاف الشيعي حول حزب الله.
وبين هذين المشهدين، لا يعتبر جابر أن الاغتراب الشيعي الجنوبي وحده الذي صنع التغيير، بل أساس الاغتراب المؤيد للاعتراض في القرى غير الشيعية لأن مقياس حجم الاعتراض يتجلى في تأثيره الاقتصادي، ما يعني أن الاغتراب الشيعي الذي يمتلك بين مصرفين أو ثلاث هذا كان داعماً للثنائية بعكس القوى الاقتصادية للاغتراب غير الشيعي التي أيدت المعارضة.
جابر: المقترع في بعلبك الهرمل لا ينتخب على أساس سياسي بل على أساس انتماء يتجلى في هذه المرحلة بالالتفاف الشيعي حول حزب الله
وبين الخروقات الثلاثة غير الشيعة للائحة الثنائي الشيعي في كل من الجنوب وبعلبك الهرمل، وتظهير الشيعة بأنهم الطائفة التي لا تخرق بصناديق الإقتراع، يبقى الأساس هو إنتاج خطاب سياسي إجتماعي في البيئة الشيعية يغلّب الحاجات المناطقية على الشعارات السياسية الفضفاضة، فملامسة الحقوق الاقتصادية لفقراء الجنوب وبعلبك-الهرمل هي العنوان الذي يمكن المراكمة عليه كمياً من أجل إحداث تحولاً نوعياً في البيئة الشيعية.