الاغتراب: جمعيات جديدة لانقسامات قديمة
زهير دبس
هل كان ينقص الشأن الاغترابي اللبناني جمعيات جديدة لكي تعمل ضمن إطار المغتربين وتنطق باسمهم، وهل هناك نقص في تلك الجمعيات لكي يُصار إلى تأسيس أربع جديدة دفعة واحدة نالت الترخيص والعلم والخبر ونُشرت جميعها في الجريدة الرسمية؟. المتابع للشأن الاغترابي ولعدد الجمعيات فيه ولطبيعة عملها يكتشف بسرعة أن عددها كبير جداً وقد يكون الأعلى في العالم. وهذا يطرح علامة استفهام كبرى حول ماهية عمل تلك الجمعيات التي تتشابه أهدافها والدوافع لإنشائها، وهذا يحيلنا إلى علامة استفهام أخرى حول حقيقة هذه الجمعيات وما إذا كان قسم كبير منها وهميا وله أهداف أخرى ويتلطى تحت إسم الاغتراب لتحقيق تلك الأهداف والمرامي.
لكن يبقى السبب الحقيقي في هذه الفوضى العارمة الذي يشهدها العمل الاغترابي وعدد الجمعيات والمؤسسات العاملة فيه هو الفراغ الكبير الذي تتركه الدولة ومؤسساتها في متابعة شؤون مواطنيها خارج لبنان، الأمر الذي يؤدي في الغالب إلى ملء هذا الفراغ من قبل تلك الجمعيات التي تلج من خلاله إلى حمل لواء المغتربين والمتاجرة بها تحت شعارات واهية لا تمتّ إلى الواقع الاغترابي بصلة.
المتابع للعلم والخبر الذي نُشر في الجريدة الرسمية لتلك الجمعيات يُلاحظ أن معظم المؤسسين لتلك الجمعيات هم يتبوأون مراكز ومسؤوليات في جمعيات ومؤسسات إغترابية أخرى وهذا يطرح علامة استفهام أخرى حول تأسيس تلك الجمعيات التي يرشح من خلال تأسيسها ما هو أبعد من الاغتراب وصولاً إلى جعلها أدوات جديدة في إطار الاشتباك السياسي الداخلي الذي امتدت حلباته إلى الاغتراب ومؤسساته تنهشها وتزيد الاغتراب تشرذماً وتفتيتاً.
في مؤتمر الطاقة الاغترابية الأخير أعلن وزير الخارجية جبران باسيل عن إطلاق «المجلس الوطني للإنتشار» الذي سيترأسه رئيس الجمهورية. وأيضاً إلغاء المادة ١٢ الشهيرة من نظام “الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم” والتي تتيح لوزارة الخارجية الوصاية عليها. والسؤال البديهي الذي يُطرح هل لتأسيس الجمعيات الاغترابية الأربع علاقة بمبادرة باسيل وهل هو ردٌّ عليها خصوصاً أنه من خلال الاطلاع على إسم واحدة من تلك الجمعيات “المنتدى اللبناني للهجرة والتنمية” يتبيّن أن معظم أعضائها هم من لون سياسي محدّد ومحسوبون على الرئيس بري وهؤلاء كما صدرت أسماؤهم في الجريدة الرسمية هم: هيثم جمعه (مدير عام المغتربين سابقا)، عبد المولى الصلح، القنصل رمزي حيدر (وهو الرئيس الحالي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم)، انطوان منسى (وهو رئيس المجلس الإقتصادي العالمي في الجامعة – الانتشار)، احمد عاصي.
الاصطفاف السياسي في الجمعيات الاغترابية الجديدة واضح خصوصاً إذا ما اطلعنا على اسم جمعية أخرى من الذين نالوا العلم والخبر وهي جمعية “الطاقة الاغترابية اللبنانية” Lebanese Diaspora Energy LDE الإسم ذاته الذي تنظّم تحته مؤتمرات الطاقة الاغترابية سنوياً ومؤسسوها هم: زياد النجار، فادي الخوري، إيلي الترك، جوزيف غصوب، بسكال دحروج، أنطوان قسطنطين، ورواد رزق. السؤال الذي يُطرح حول تأسيس هذه الجمعية تحديداً وعمّا يهدف من خلالها إلى حماية «مؤتمر الطاقة الاغترابية» الذي تنظمه وزارة الخارجية ويستبق الأمر بالاستمرار فيه من خلال تلك الجمعية في حال آلت الأمور في الوزارة إلى خارج التيار الوطني الحر. خصوصاً أن الأسماء المؤسسة لتلك الجمعية محسوبون بمعظمهم على التيار ومنهم من يشغلون مراكز رسمية كالسفير إيلي الترك وهو سفير في وزارة الخارجية وله دور فاعل في تنظيم مؤتمر الطاقة الاغترابية.
اللافت من خلال الاطلاع على الغاية من إنشاء هذه الجمعية يتبيّن أنها صورة طبق الأصل عن غايات مؤتمر الطاقة الذي ينظّم سنوياً وهذا يفضي إلى الاستنتاج أن المؤتمر الذي تنظمه وزارة الخارجية والمغتربين هو ملكية خاصة للتيار الوطني الحر يفعل به ما يشاء ويؤكد أن المؤتمر هو منصة للتراشق السياسي أكثر من كونه يؤدي المضمون الذي أُنشئ من أجله.
الأمر لا يقتصر على أهداف هذه الجمعية فقط فالجمعيات الأخرى التي تعتمد النسخ واللصق في أهدافها يبدو جلياً أنها أنشئت للغاية نفسها، ولا يبدو أن تلك الأهداف التي يجب أن تنحصر بمسؤولية الدولة فقط تجاه مواطنيها قادرة على النفاذ إلى العمل الاغترابي الذي من المؤكد أن القسم الغالب من المغتربين لم يسمعوا بتلك الجمعيات ولا يعنيهم أمرها لا من قريب ولا من بعيد وأن أعمال تلك الجمعيات لم تتخطَ الحبر الذي كُتب في بياناتها الذي يبقى ضمن الأدراج محفوظاً في الجريدة الرسمية فقط.
“الضرب في الميت حرام” هذا ما قاله السفير إيلي الترك عن الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وهي الجمعية شبه الرسمية التي تعتمدها الدولة في التعاطي مع المغتربين وقد تشظّت إلى أكثر من جامعة أصبح التمييز بينها أمرا صعبا، فالبعض أضاف على الإسم عبارة «الانتشار» والبعض الآخر أضاف عبارة «الشرعي» وهذا الأمر يذكرنا بالانقسام الذي كانت تعاني منه التنظيمات الفلسطينية وتحمل الإسم ذاته ويصح فيها أن نزيد عبارة «القيادة العامة» على إحدى الجامعات ليصبح «الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم – القيادة العامة».
إضافة إلى الجمعيتين المذكورتين طاول العلم والخبر جمعيتين أخريين وهما جمعية رجال الأعمال اللبنانيين المغتربين” The Lebanese Emigrants Businessmen Association LEBA ومؤسسوها: د. أسامة طبارة، د. طلال المقدسي، د. حسين الشاعر، عبدالله الزاخم، شوقي البستاني، وطلال ناصر الدين. وجمعية “برو ليبانون” Pro Lebanon ومؤسسوها: جورج جبر، جوي بشير، ريتا صعب، ميشال حبيس وغبريال عيسى. وهاتان الجمعيتان لن تكونا بعيدتين عن سياسة المحاور في الشأن الاغترابي التي تتعمّق هوته بين الأطراف المتصارعة وتنعكس حدة الصراع السياسي والحسابات الشخصية بشكل واضح فيه.
الجمعيات الاغترابية الجديدة التي نالت العلم والخبر لن تشكِّل قيمة مُضافة في الشأن الاغترابي بل تندرج ضمن الاصطفاف السياسي الذي يتخذ من الاغتراب ساحة فاعلة ومؤثرة، وهي لن تؤدي إلا إلى المزيد من التشرذم والانقسام في قطاع حيوي من المفترض أن يؤدي تضامنه وتماسكه والاستثمار فيه إلى دعامة حقيقية للوطن، نظراً لما يملكه هذا القطاع من إمكانيات هائلة لو أُحسن استثمارها ستعود بالمنفعة الأكيدة والمؤثرة في وضع المقيمين في بلدهم الذي يعاني ما يعانيه من ويلات ومصائب.