التخلص من ركام الحرب.. أزمة بيئية تلوح في الأفق
انتهت الحرب لكن مشاهد الدمار ستبقى إلى مدة طويلة شاهدة على العدوان الإسرائيليّ على لبنان. كمّيّات هائلة من الردم والركام والحجارة خلّفتها الحرب، أبنية مهدّمة بالكامل وأخرى متضرّرة بالكاد صامدة. خسائر كبيرة جرّاء تدمير البنى التحتيّة تقدّر على الأقلّ بنحو 8.5 مليار دولار، إضافة إلى الخسائر التي لحقت بقطاع الإسكان حيث دُمّر أو تضرّر أكثر من 100 ألف منزل بكلفة تصل إلى 3.4 مليار دولار، وفق تقرير نشره مركز باسل فليحان الماليّ والاقتصاديّ حول الأضرار التي خلّفتها الحرب.
البلديّات بانتظار الدعم:
حول عدد المباني المهدّمة في حارة حريك يقول رئيس بلديّتها زياد واكد لـ “مناطق نت”: “إنّ المباني المهدّمة في الحارة هي 102 مبنى وهناك 50 مبنى من المحتمل أن يتّم هدمها، ولكن بانتظار كشف اللجان المتخصّصّة لأخذ القرار”. ويشير واكد إلى “أنّ المباني التي دمّرت في حرب العام 2006 كان نحو 250 مبنى، لكن الأضرار اللاحقة بالأبنية في هذه الحرب يفوق ما شهدته الحارة في حرب العام 2006، مع الإشارة إلى أنّ الأبنية المنهارة أخيرًا هي أقّل من عدوان العام 2006”. مضيفًا “أن نسبة الأضرار في حارة حريك تشكّل 33 في المئة من مجمل الأضرار في الضاحية”.
حاولت البلديّات ضمن إمكانيّاتها المحدودة بذل المستطاع من أجل فتح الطرقات وتنحية الركام جانبًا، ولكنّ ماذا بعد هذه الخطوة؟ بحسب واكد: “تنتظر البلديّات الجهات المعنيّة من أجل اتّخاذ قرار إزالة الردم فهذه الخطوة تحتاج إلى آليّات ضخمة لا قدرة للبلديّات على تأمينها ولأنّها ليست من صلاحيّاتها، فالقرار متوقّف على الوزارات المعنيّة”.
أمّا بالنسبة للمدّة المتوقّعة لإزالة الردم بالكامل يضيف واكد: “يلزم الأمر فترة ثلاثة أشهر على الأقل ولكن هذا بعد اتّخاذ قرار الوزارات المعنيّة بالأمر لبدء سيرورة العمل”.
الجدير ذكره أنّ وزير الأشغال العامّة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حميّة كان قد صرّح بأنّه: “بناء لتوجيهات الرئيس ميقاتي ومتابعة مع الإدارات المعنيّة لاستكمال الملفّات الإداريّة والقانونيّة لموضوع رفع الأنقاض ومسح الأضرار في المناطق التي تعرّضت للعدوان الاسرائيليّ، فقد تمّ إنجاز دفاتر الشروط لأشغال تلزيم رفع الأنقاض التي وضعها المكتب الاستشاريّ بالتنسيق مع الإدارات ذات الصلة وموافقة هيئة الشراء العام وفقًا للأصول المرعيّة الإجراء”. ولكنّ ما هي الآليّة التي ستتّبع اليوم؟ وما هي التكلفة المترتّبة لإزالة أطنان الركام هذه؟
هل تتحقّق الشفافية؟
حاولنا التواصل مع وزير الأشغال العامّة والنقل حميّة لكنّنا لم نلقَ جوابًا، كذلك اعتذر مستشاره الإعلاميّ عن الإجابة كونه في إجازة. حول موضوع إنجاز دفتر الشروط علّق نقيب المقاولين مارون الحلو في حديث لـ “مناطق نت” قائلًا: “بحسب ما فهمته سيكون الأمر بالتراضي، أيّ سيتمّ تحديد أسعار محدّدة للتلزيم، لكنّ ضمن شروط، وهي أن يكون للجهات المسؤولة عن ذلك الإمكانيّة والكفاءة والطاقة، من أجل القيام بالعمل على أكمل وجه”. يتابع الحلو: “بالتأكيد هذه الخطوة درسها وزير الأشغال في الماضي ووفق تصوّري هذا أسهل من أن يقوموا بمناقصات، وبالنتيجة هم قاموا بدراسات محدّدة تتعلّق بكلفة الأسعار. ما يهمنّا هو أن يكون هناك شفافيّة بالعمل وأن يطبّق القانون بالشراء العام”.
ويلفت الحلو إلى “أنّ التمويل المخصّص لعمليّة إزالة الركام يقارب الأربعة آلاف مليار ليرة لبنانيّة وهو مبلغ لن يكون كافيًا، وبالتالي ستستغرق العمليّة وقتًا أطول بسبب الإمكانات الماليّة غير المتوافرة”.
الاستفادة من الردم
أطنان الردم هذه وقدرة لبنان على معالجتها تضعنا أمام تساؤلات حول آليّة معالجة هذه الأزمة التي خلّفتها الحرب، خصوصًا أمام المخاوف من خطوة ردم البحر والآثار البيئيّة المترتبّة عن ذلك.
الحلو: التمويل المخصّص لعمليّة إزالة الركام يقارب الأربعة آلاف مليار ليرة لبنانيّة وهو مبلغ لن يكون كافيًا، وبالتالي ستستغرق العمليّة وقتًا أطول بسبب الإمكانات الماليّة غير المتوافرة.
حول آليّة إزالة الردم والخطوات التي يجب اتّباعها، تشرح النائب نجاة عون صليبا لـ “مناطق نت” ذلك بالقول: “يجب على الجيش التأكّد أنّ المكان آمن كخطوة أولى، ومن ثمّ يجب أن يُجرى فحص طبّيّ إذا ما كان هناك من مفقودين. ومن المفترض أن يُجرى مسح وفحوصات مخبريّة وفحص للتربة والتأكّد من أنّه لا يوجد موادّ مشعّة أو أيّ موادّ يمكن أن تسبّب الأذى”.
تضيف صليبا: “يجب أن تكون آليّة التخلّص من الردم مستدامة وعلى الدولة مسؤوليّة هذا لأنّها موقّعة على تعهّدات واتّفاقيّات دوليّة منها اتفاقيّ برشلونة وباريس المتعلقين بالتغيّر المناخيّ”.
تطرّقت صليبا في حديثها إلى “أهمّيّة الاستفادة من الردم عوض اللجوء إلى خطوة ردم البحر المخالفة لكلّ القوانين الدوليّة، والتي ما هي إلّا منفعة لمصالح شخصيّة وحزبيّة، لأنّ البحر ملك عام، وإذا حصلت هذه الخطوة فهي مخالفة لكلّ القوانين اللبنانيّة والدوليّة”.
تجارب سابقة
ليست المرّة الأولى التي يواجه فيها لبنان مشكلة التخلُّص من الردم، فقد سبق وأن قام بهذه الخطوة بعد انتهاء الحرب الأهليّة في لبنان، أمّا في حرب العام 2006 ووفق صليبا: “في العام 2006 صدر قرار وزاريّ تمّ بموجبه تلزيم جهاد العرب وشركات أخرى (منها شركة تتبع لحزب الله تمّ تلزيمها بطريقة مبهمة) عمليّة إزالة الردم”. وأشارت صليبا إلى أنه “جرى طمر بعض الردم في الكوستابرافا والناعمة، مع العلم أنّ الردم في العام 2006 كان أقلّ بكثير من الردم في هذه الحرب”.
عن الاستفادة من الردم تضيف صليبا: “يجب إيجاد مكان مناسب لتجميع الردم في البلدات أو ضمن نطاق اتّحاد البلديّات والتخلّص من الحديد الذي يباع بأسعار مرتفعة، ومن الممكن الاستفادة من الباطون إلى حدّ 15 في المئة بتحويل الصالح منه إلى حجر الخفّان. أمّا الكمّيّة الكبيرة يجب أن يتّم طحنها وتحويلها إلى أماكن الكسّارات المجوّفة وهذه خطوة يجب أن تكون على عاتق الكسّارات لأنّها من مسؤوليّتها بعد تشويهها للبيئة من ثمّ تغطيتها بتراب وزرعها”.
وشدّدت صليبا على “الحدّ من عمل الكسّارات، وفتح باب استيراد الإسمنت على مصراعيه وإعادة تدوير كلّ ما يمكن إعادة تدويره من موادّ قابلة لإعادة التدوير لإعادة الإعمار”.
لا ردميّات في البحر
عن موضوع ردم البحر بالركام الناتج عن الدمار، يؤكّد النقيب الحلو أنّه لن يكون هناك ردم للبحر، لأنّ وزير البيئة اعترض على هذه الخطوة وهو محقّ بذلك، لكن إلى الآن لا يوجد اتّفاق حول أماكن التخلّص من هذا الركام، وبتصورّي إنّ المتفّق عليه هو توسيع مكبّ الكوستابرافا لقربه من الضاحية”.
ووفقًا لتقرير معهد باسل فليحان هناك تحدّيات كبيرة تواجهها الدولة اللبنانيّة في إعداد ميزانيّة العام 2025 نتيجة الانخفاض الحادّ في الإيرادات الناجم من تضرّر الأنشطة الاقتصاديّة بفعل الحرب. وبالتالي: “فإنّ إعادة إعمار البلاد تتطلّب استثمارات ضخمة تتجاوز الـ 15 مليار دولار”.