الثنائي الشيعي ومعارضتان: بعلبكية وجنوبية
حسين حمية
ليست حادثة شقرا بين المرشح علي الأمين مع بعض ابناء بلدته على خلفية تعليقه صورا له، هي التي استدعت عقد مقارنة بين المعارضين الشيعة للثنائي الشيعي في الجنوب ومع من يحملون ذات التسمية في منطقة بعلبك الهرمل، وهي مقارنة كان بالإمكان طرقها قبلُ، فهناك معارضتان لهذا الثنائي وليس معارضة واحدة، نظرا للفوارق الواضحة بينهما وفعالية كل منهما، وقدرته على مواجهة الثنائي الشيعي وبالأخص حزب الله.
لا اعتقد أن حزب الله يحتاج إلى ممارسة العنف للتضييق على مرشحي الشيعة المعارضين له في دوائر الجنوب، فللحزب فائض في الولاء والطاعة هناك، فإضافة إلى كثرة محازبيه وأنصاره على معارضيه، وهي كثرة كاسحة، هناك سطوته الذهنية في تلك المنطقة، وهذه تؤمن الردع الذاتي لهولاء الخارجين على سيطرته، وإذا من بؤر متفلتة من هذه السطوة، فأغلبها في البلدات والقرى غير الشيعية، بحكم انتمائها الطائفي.
حادثة المرشح علي الأمين، تنتمي لخلافات القرى، وليس للعبة السلطة (ممثلة بالثنائي الشيعي) والمعارضة، وأطراف الخلافات الانتخابية في القرى تتقوى عادة بالخارج وتسيّس مشاكلها للتمويه على داخليتها، وغالبا ما يكون هذا الخارج حزبا أو زعيما أو مسؤولا، ولن يغيّر من طبيعة هذا التوصيف ردود الفعل الإعلامية عن حرية الرأي والديموقراطية، فهذه ليست سوى وجبات كلامية جاهزة، يجري استحضارها بذات الأفواه وذات المفردات والعبارات والنبرات على حوادث أخرى، وهناك وجبات كلامية أخرى عن العمالة والوطنية يكرر استخدامها الفريق الآخر، وكلا الوجبتين مسؤول عن خلط الزيف بالحقيقة وخطف المعنى لتزوير الوقائع وتشغيل الجوقات المعروفة والمتخصصة في الإدانة والاستنكار.
لو استثنينا عسف حكم المخابرات السورية ماقبل ال 2005 وإبان الفتنة، نعرف أننا لا نشبه اميركا اللاتينية، عندما كانت سجونها مملوءة بآلاف سجناء الرأي، لم يُعدم شاعر هنا على قصيدة، ولم ينف كاتب عشرات السنين على رواية، والآن وقبل، ليس هناك سجين رأي واحد في لبنان، لدينا ما يفوق حاجتنا من هذه الحرية، وهذه الزيادة تستخدم في تعطيل بناء مشتركات وطنية، وما يجب الانكباب على بحثه ودراسته، ليس ندرة الحرية، إنما تلافي سوء استخدامها وأسباب عقمها في إحداث التغيير في بلدنا.
من متابعة شخصية لصفحات ناشطين مؤيدين لحزب الله، كان واضحا أنهم أذكى (وهم بحكم التجربة كانوا دائما الأذكى ليثبت العكس) من أن يخسروا بالإعلام أضعاف مضاعفة مما يجنونه من حادثة تستفيد منها الضحية بسهولة، أو ترك هذه الضحية تحمل لواء قيمة (هي حرية الرأي)، في بلد تتحين قواه السياسية كلها لأخذ دور الضحية باسم قيمة، فهي تتربص بأي قضية لتلهي الناس بها وتحلبها لتصنع لنفسها حيثية مثالية بعد أن انكشفت أمام ناسها بتبعيتها للخارج وتآمرها وفسادها واستباحتها للقوانين والدولة.
السؤال لماذا حزب الله لا يتحسب للمعارضة الشيعية الجنوبية بذات القدر للمعارضة في بعلبك الهرمل، لقد قال لي صديق جنوبي منذ فترة، ليس هناك انتخابات في الجنوب إلا لجهة مرشحي السنّة والمسيحيين، قارنوا بين جولات مرشحي الثنائي الشيعي في الجنوب وبين مرشحيه في بعلبك الهرمل، في الثانية أضعاف الأولى وتشمل المنازل وليس الحسينيات والساحات كما الجنوب، ومرشح الثنائي في بعلبك الهرمل يمارس كل اساليب الاسترضاء للناخب هناك. قارنوا عدد الكلمات التي وجهها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للبعلبكيين وتلك التي خصّ بها الجنوبيين، ألم يقل أنه قد تستدعي الحاجة أن يجول بنفسه على أهل منطقة بعلبك الهرمل؟ كل هذا، يؤكد فعالية المعارضة الشيعية وحجمها في تلك المنطقة.
معبرة كثيرا هذه الملاحظة التي التقطها أمس من على صفحة معارض جنوبي كان ينافح عن حرية الرأي، وإذ بأحدهم من أبناء منطقته، يعلق عنده (كومنت) كاتبا: وأنت لا تحذف من قائمة أصدقائك من يخالفك الرأي يا ديموقراطي، وبالحقيقة كان فعلا ينصحه.
يحيى شمص، علي صبري حمادة، رفعت المصري، خضر طليس، فايز شكر، محمد حمية، غالب ياغي (وليعذرني غيرهم ممن ترشحوا بوجه لائحة الثنائي الشيعي ولم اذكرهم)، وهناك من هم على ذات السوية معهم في الجنوب (وليس الكل) خاصة الذين خاضوا منافسة شرسة في الانتخابات البلدية بوجه الثنائي الشيعي، هؤلاء يعيشون مع ناسهم، بأفراحهم وأحزانهم، معهم بيومياتهم، يعرفون أسماءهم، يجالسونهم، يناقشونهم، يتابعونهم بمشاكلهم وهمومهم، يسمعون منهم، إنهم أسماء من لحم ودم، لم يهبطوا على الناس من مكاتبهم، أو من بيان، أو من مقالة، أو بوست أو تغريدة، وقد حاولت الآلة الإعلامية لحزب الله أن تقتلعهم من بيئتهم باتهامات شتى، ومع ذلك بقوا على الصورة التي رسمها ناسهم عنهم.
هؤلاء المعارضون، يعتمدون التواصل الأرضي، يتعاملون مع الانتخابات على أنها اقتراع، ويفهمون أن هذه انتخابات وليست لايكات، يتحدثون عن ناخب وليس عن فيسبوكي، ويدركون أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تصنع كتلة شعبية تقف إلى جانبهم وتحميهم في مناطقهم، عرفوا أن النت هي مخادعة وصادمة لمن يقرأ نصيحة الفيلسوف البولندي زيغمونت بومان، وهي أن الفيسبوك والتويتر وغيرها تخلق غرف الصدى، وهذه الغرف تُصنع بال آد والبلوك، هذه اللايكات ليست جمهورا ولا مؤيدين، هذه صدى أصحابها، الذين يحبون أن يسمعوا أنفسهم فقط، أما على الأرض والواقع فلا أثر لها ولا من سمع بها أو قرأها، أو يكون فعل ونسى. والباقي على من يعتبر، مع لفتة إلى فصل المعارضة عن الألعاب الأخرى ومنتوجات حضارة الفرجة.