الجامعات تزيد أقساطها من جديد.. ورئيس “العربية” لطلابه: “الدكاكين كثار انضموا لواحدة منها”
نعيش منذ سنتين حالة من الهذيان. سيناريو سوريالي يشبه أفلام نهاية العالم. نهرب من وحش يجب علينا أن نتجنب النظر إليه، نختبئ تارة، نحارب طورًا. نرتبك، نشتبك، نبكي، نغضب، نحاول الهرب وطمأنة بعضنا، نحاول البحث عن ما يبقينا على قيد الحياة، لكننا متنا بالفعل، وتحولنا الى أشباح، لا نموت، ولكننا في الوقت نفسه، لا نستطيع العيش أيضًا. إنها ابادة جماعية لجيل لم يعد يستطيع الاستمرار، لجيل لا أفق له، لا شيئ يستطيع أن يعالج كل صدماته ويطمئنه ويعيد له شعور الأمان. نحن جيل حُرمنا من الأمل، وسُرقت منا أحلامنا وحقوقنا كما أموال أهالينا. سُرق منا أي احتمال للعيش الكريم. والآن، تتم سرقة فرصتنا الوحيدة للنجاة والرحيل؛ حقنا في التعليم.
في ظل انشغال الدولة والمسؤولين ومجموعات المعارضة والإعلام والمجتمع الدولي وكل الجهات التي تهتم بالشأن اللبناني من انتخابات وغيرها، استغلت الجامعات الخاصة هذا الظرف، وعدم اكتراث وزارة التربية وغياب القرارات الحاسمة من القضاء وانعدام الرقابة، للتفرد بالطلاب وتعريض مستقبلهم للخطر من أجل تحقيق مصالح خاصة.
بعض قرارات الجامعات
بعدما أعلن مصرف لبنان زيادة الدولار المصرفي إلى 8000 ل.ل مقابل الدولار، عادت الجامعات مرة أخرى “لنغمة” زيادة الأقساط للمرة الثانية خلال سنتين فقط. إذ قامت الجامعة العربية بمضاعفة أقساطها بدءاً من فصل الربيع المقبل 2022، وإضافة مبلغ بالدولار “الفريش” يتراوح بين 300 و600 دولار في الفصل الواحد بحسب الكلية. أي أن الجامعة العربية ضاعفت الزيادة على القسط مرتين ونصف المرة نسبة للقسط الذي كانت تتقاضاه منذ سنتين. هذا دون احتساب المبلغ المخصص بالدولار والذي قد يلامس قيمة القسط نفسه إن عادت قيمة الليرة للهبوط من جديد.
“العربية” ليست وحدها من قام بذلك، إذ أقدمت جامعات أخرى كاللبنانية الأميركية برفع جزء من الأقساط، أي 35 % بعد احتساب المنح المالية، على سعر 8000 ليرة مقابل الدولار. أما الجامعة الانطونية فقد فرضت مبلغ 180 دولار فريش اضافي للفصل الواحد. ولمحت جامعت أخرى كالأميركية، بزيادة مشابهة قريبة. أما الجامعة اليسوعية، فقد كانت تسعر نصف القسط بالليرة والآخر بالدولار ولكن سمحت سابقًا بتقاضيه على سعر الصرف 1500 ليرة، لكنها أيضًا رفعت القسط كاملًا إلى ما يعادل سعر 2700 ليرة مقابل الدولار. والآن تدور الشائعات حول زيادة جديدة آتية قريبًا.
الجامعة العربية ستزيد أقساطها ابتداءً من فصل الربيع المقبل، وإضافة مبلغ بالدولار “الفريش” يتراوح بين 300 و600 دولار في الفصل الواحد بحسب الكلية
رد فعل الطلاب
الزيادة المختلفة للأقساط والتي أقرتها الجامعات، تقودنا إلى خلاصة واحدة وهي أن الطلاب الآن ضحية غياب قانون يشرع ويضمن حقهم في التعليم. وفي ظل التخبط الحاصل في الجامعة اللبنانية وعدم قدرتها على استيعاب المزيد من الطلاب والاقتطاع المستمر من ميزانياتها السنوية، نحن أمام كارثة تعليمية تعرض مستقبل آلاف الطلاب للخطر.
خلال هذه المدة، لم يقف الطلاب مكتوفي الأيدي، بل بادروا إلى رفع الصوت ونظموا العديد من التحركات المختلفة بوجه الادارات. بدأت هذه التحركات بوجه الجامعتين الأميركيتين، وامتدت لتصل إلى وزارة التربية وصولاً إلى الدعوى للامتناع عن دفع الأقساط وأخيرًا اللجوء للقضاء. إذ نظّم الطلاب في الجامعتين الأميركيتين حملة لدفع الأقساط من خلال إيداع الأقساط عند كاتب العدل وفق سعر 1500 ليرة مقابل الدولار.
بعد رفض الجامعتين لما لجأ إليه الطلاب، تحولت القضية إلى قضاء العجلة، والأخير لم يبت بالدعاوى التي تقدمت أمامه منذ شهر شباط من العام الماضي. وبعد عشرات الجلسات التي توكل فيها عن الطلاب المحامي جاد طعمة، ماطلت وهددت الجامعتين تلاميذهما، وساومت وكادت أن تصل إلى حل أخير، لكنها عادت وتراجعت ولجأت إلى المماطلة من جديد.
لم تقتصر زيادات الأقساط على الجامعتين المذكورتين، فقد بادرت جامعة بيروت العربية الأسبوع المنصرم لتعديل على جدول الأقساط حيث تضمن أقسام منه بالدولار الفريش. اعتصم الطلاب أمام جامعتهم فجاء رد رئيس الجامعة بأنه سيفتتح الصفوف مهما كلفه الأمر، وأنه في كل فصل سيكون هناك مبلغ محدد بالدولار الفريش حسب ما تراه الجامعة مناسبًا. وعلق على اعتصام الطلاب “الدكاكين كثار، فلينضموا لواحدة منها”.
المستقبل الأسود
آلاف الطلاب يواجهون بأسوأ أساليب الضغط، من رابطة جامعات خاصة انضمت الى قافلة الكارتيلات والمحتكرين. آلاف الطلاب تركوا للمجهول أمام ذلك الوحش الأخضر الذي سُمِّيَ بالدولار، وأصبح لمن استطاع إليه سبيلا، ذاك الوحش الذي ترك جيلا كاملا في العتمة. دون أي اهتمام من أي وزارة أو كتلة نيابية، سوى تعهد من الجامعات من هنا، ووعد بمناقشة القانون في جلسة مجلس النواب من هناك.
إنقاذ الطلاب وانتشالهم من الظروف الصعبة التي يمرون بها بات أمراً ملحاً. والانقاذ يتطلب “عقد طلابي” يُبرم بين الطالب وجامعته وترعاه وزارة التربية، ويقضي بعدم زيادة الأقساط طوال فترة دراسته
ما الحل؟
إنقاذ الطلاب وانتشالهم من الظروف الصعبة التي يمرون بها بات أمراً ملحاً. والانقاذ يتطلب “عقد طلابي” يُبرم بين الطالب وجامعته وترعاه وزارة التربية، ويقضي بعدم زيادة الأقساط طوال فترة دراسته. أيضاً تعيين مديرين عامين متخصصين بالتعليم العالي ورفض دولرة الأقساط، كما يفرض على الجامعات أن تنشر ميزانيتها الخاصة التي سيتم على أساسها تسعير الأقساط للسنة المقبلة، وإشراك الطلاب في عملية أخذ القرار. كذلك وضع معايير محددة لتلقي المنح الجامعية، التي تتلقى بسببها الجامعات الملايين من الدولارات على شكل تبرعات نقدية. وأخيراً وليس آخراً إعطاء الأساتذة والعمال حقوقهم على حساب كبار الموظفين. والأهم وقف اغتيال الجامعة اللبنانية وزيادة ميزانيتها وحمايتها. المطلوب هو حق الطلاب في الأمل والحلم.
يتمنى الطلاب لو أن هذا الانهيار قضى عليهم، بدل أن يتخذهم رهائن ويحبسهم في دوامة من الانهيارات اليومية التي لا تنتهي. لو أنهم استراحوا مرة، بدل الحياة المنعدمة الأفق أمامهم. كانوا استطاعوا الصمود في حال لم تتغير الأقساط ولم ترتفع أسعار البنزين، فهمهم هو أن يتخرجوا ويلتقون أصدقائهم بين الحين والآخر. إلا أن رياح الواقع لم تكن على قدر تطلعات الطلاب فتم رفع الدعم عن المحروقات ومعه عن الخبز والأدوية، وارتفعت المواصلات عشرة أضعاف.
لم يمت الطلاب بعد؛ إلا أنهم ليسوا على قيد الحياة أيضًا، هم شيئ في المنتصف، في برزخ بين الحياة والموت، لا مكان لهم في الجنة، لكن لا يستحقون النار، يقفون على العتبة، وينتظرون النهاية. وإعلان نهاية حقبة لبنان الجامعة، لتبدأ بعدها حقبة التسرب المدرسي والتي نتيجتها حتماً تعميم الأمية.