الحرب، الطقس والتهريب.. خسائر مزارعي “شعت” تتفاقم

“انتهينا من الكارثة التي حلّت بنا جرّاء الحرب، إذ إنّ 500 دونم من البندورة “التشرينيّة” لم يستطع أحد من مزارعي البلدة قطافها بسبب الغارات التي كانت مستمرّة آنذاك على البلدة، لتأتي موجة الصقيع وتطيح بموسم البطاطا”. لعلّ ما قاله المزارع محمّد الحاج حسن من بلدة شعت في البقاع الشماليّ لـ “مناطق نت” يلخّص بعضًا من معاناة مزارعي البلدة، فهم على الرغم من أنّهم لم يزرعوا كمّيّات كبيرة جريًا على العادة (زرعوا نحو 1000 دونم فقط)، إلّا أنّ موجة الصقيع التي ضربت المنطقة في الـ 17 من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، وكانت عادةً تتأخّر إلى تشرين الثاني (نوفمبر)، ضربت الموسم، إذ كانت البطاطا لا تزال في بداياتها، فكانت النتيجة أنّ الإنتاج جاء ضعيفًا، يضاف إلى ذلك البطاطا المهرّبة وسواها.

باتت الخيبة تلو الأخرى هو ما يحصده المزارعون في منطقة البقاع الشماليّ، وما كانوا يعانون منه قبل الحرب تضاعف بعدها، حيث إنّ الخسائر الناتجة عنها جسيمة، سواء بالأضرار المباشرة إن في الأراضي أو المعدّات أو الممتلكات، أو لناحية خسارة المواسم والمحاصيل والتي لم يتمكّن المزارعون من قطافها، فبقيت “على أمّها” وأكلها التلف واليباس، وهذا ما جعل الخسائر مزدوجة، إن لجهة كلفة الزراعة أو لفقدان الموسم بحدّ ذاته.

لكن وعلى قاعدة “تبقى إرادة الحياة أقوى”، بادر المزارعون في هذه المنطقة إلى نفض غبار الحرب، والتوجّه إلى حقولهم وزراعتها من جديد، على رغم المخاطر والتحدّيات والعقبات التي تواجههم. مع ذلك عادت المعاناة تثقل كاهلهم، فمزارعو البطاطا والبصل ممّن قطفوا مواسمهم ووضّبوها في المخازن بانتظار تصريفها، يواجهون صعوبات كبيرة لناحيتيّ التصدير إلى الخارج بسبب الأوضاع في سوريا، وكذلك جرّاء إغراق السوق اللبنانيّة بالمنتجات السوريّة من خلال معابر التهريب، ممّا يؤدّي إلى تهاوي الأسعار وتضاعف خسارة المزارعين. لكن لم تنته المشكلة عند هذا الحدّ ليواجهوا مشاكل أخرى.

تلف موسم البندورة في شعت أثناء الحرب
بعد البندورة.. البطاطا

بعد خسارتهم في الحرب موسم البندورة إذ بقي المحصول على الشتول من دون قطاف، أمل المزارعون أن يعوّضوا في موسمي البطاطا والبصل. يروي المزارع خليل مصطفى من بلدة مجدلون قضاء بعلبك لـ “مناطق نت” معاناته فيقول: “زرعت نحو خمسين دونمًا من البطاطا، وكان من المفترض أن يعطي الدونم الواحد من ثلاثة إلى أربعة أطنان بطاطا، لكن بسبب الصقيع لم يعطِ الدونم الواحد أكثر من 200 كيلوغرام، ما يعني أنّني خسرت ما نسبته 80 في المئة من الموسم”.

ما حصل مع المزارع خليل مصطفى لم يكن عينه مع المزارع الحاج حسن الذي كان موسمه من البصل ناجحًا، وكان إنتاجه بكميات كبيرة قياسًا مع البطاطا، لكن معاناة الأخير تمثّلت في أنّ موسم البصل بقي لديه من دون تصريف، سواءً في السوق المحلّيّة أو الخارجيّة. الأوّل بسبب أزمة التهريب والثاني بسبب توقّف التصدير نهائيًّا عبر سوريا إلى الأردن. “لم يستطع أحد أن يصدّر إنتاجه بسبب الحرب، فوضعها في المخازن واليوم فرّخ البصل فيها ولم يتمّ تصريفه” يقول الحاج حسن.

بصل شعت

تتراوح مساحات الأراضي المزروعة بصلًا في بلدة شعت ما بين الـ 400 و500 دونم، حيث ينتج كلّ دونم ما بين خمسة أو ستّة أطنان، وأحيانًا يصل إلى سبعة أطنان. يشير المزارع الحاج حسن إلى أنّه “كان يصدّر 75 في المئة من الإنتاج إلى الخارج، والإبقاء على الربع لتصريفه في السوق المحلّيّة، اليوم بقي الموسم على حاله في المخازن بسبب عدم التصريف عبر سوريا، إثر الأحداث الأخيرة”.

حصاد موسم البصل في شعت مكدّس في المخازن وبدأ يأكله التلف

من ناحيته يشير المزارع مصطفى الذي غرس ما يقارب الـ 50 دونمًا من البصل، وحصد نحو 250 طنًا منه، أنّ محصوله “لا يزال من دون تصريف، وبات عرضة للتلف، إذ ما بقي التصريف متوقّفًا، سواء إلى الخليج أو إلى أوروبّا. يبقى التصريف فقط في السوق المحلّيّة، وهو يخضع للعرض والطلب”. يضيف مصطفى أنّ خسائره تُقدّر بنحو 10 آلاف دولار في موسم البطاطا، ومثلها في موسم البصل.

التهريب من سوريا

يتنامى تهريب البضائع والمنتوجات الزراعيّة بشكل يوميّ عبر المعابر غير الشرعيّة من سوريا إلى لبنان، وهذا يؤدّي إلى إغراق السوق المحلّيّة وتعاظم خسارة المزارعين لمواسمهم بسبب المنافسة غير المشروعة، في ظلّ غياب أيّ حماية لصغار المزارعين ممّن باتوا يعانون الأمرّين.

حول ذلك يتحدث وزير الزراعة الدكتور عبّاس الحاج حسن لـ “مناطق نت” فيؤكّد أنّ “المشكلة الحقيقيّة في كساد المحاصيل الزراعيّة هي في التهريب من سوريا إلى لبنان”، لافتًا إلى أنه “ليس هناك أيّ صعوبات في التصدير”. وقال إنّه أتّخذ عديدًا من الإجراءات وراسل مختلف الأجهزة الأمنيّة والجيش اللبنانيّ للتشدّد في الإجراءات عند الحدود “لأنّ التهريب يقضي على مواسم مزارعينا وعلى تعبهم”.

يتنامى تهريب البضائع والمنتوجات الزراعيّة بشكل يوميّ عبر المعابر غير الشرعيّة من سوريا إلى لبنان، وهذا يؤدّي إلى إغراق السوق المحلّيّة وتعاظم خسارة المزارعين لمواسمهم بسبب المنافسة غير المشروعة

وأضاف الحاج حسن أنّه أتّخذ قرارًا يقضي بعدم استيراد أيّ حبّة بطاطا أو بصل من أجل حماية المنتج المحلّيّ من المنتج المستورد، مؤكّدًا أنّ “التصريف إلى الأردن عبر سوريا تأثّر قليلًا في بداية الأزمة في سوريّا، حيث تعطلت الحركة لأيّام معدودات ثمّ عادت الأمور إلى ما كانت عليه”. ولا ينفي الحاج حسن “مخاوف المزارعين من أن يؤثّر الوضع في سوريا في حركة التصدير مستقبَلًا وهذا ممكن جدًّا”.

صعوبات وتحدّيات إضافيّة

كأن لم يكفِ مزارعي البقاع الذين يشكّلون ركيزة القطاع الزراعيّ في لبنان خسائرهم المتأتّية من كلّ حدب وصوب، سواء جرّاء الحرب التي استمرّت 66 يومًا متواصلة، أو بسبب موجة الصقيع التي ضربت مزروعاتهم، أو إغراق الأسواق بالخضار المهرّبة، لتأتي مغادرة العمالة السوريّة إلى بلدها وتزيد الطين بلّة.

وفي هذا الإطار يشير المزارع الحاج حسن إلى “مغادرة جزء كبير من العائلات السوريّة التي تعمل في الزراعة إلى سوريّا بعد سقوط النظام، وكانت هذه العمالة تشكّل نحو 80 إلى 85 في المئة من اليد العاملة في القطاع الزراعيّ. فضلًا عن غلاء أسعار البذور إذ وصل سعر طنّ بذور البطاطا إلى 1350 دولارًا، وهي كلفة عالية لا يستطيع المزارع البقاعيّ تحمّلها، بالإضافة إلى تقلّبات الطقس، والوضع الأمنيّ في لبنان والمنطقة”.

بدوره يتحدّث المزارع مصطفى عن غلاء أجرة اليد العاملة ويقول: “كان العامل في السابق يتقاضى 300 ألف ليرة كبدل أجرة خمس ساعات عمل في اليوم، لكنّ هذا الوضع تغيّر كلّيًّا، إذ يطلب العامل السوريّ المبلغ نفسه لكن كبدل أجر للساعة الواحدة وليس ليوم عمل كامل، أيّ بزيادة قدرها ثلاثة إلى أربعة أضعاف عن الأجرة السابقة وهذا ما لا يستطيع المزارع تحمّله”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى