الحرب اغتالت مشروع علي ناصر الزراعيّ في جباع
أربع سنوات من المغامرة أمضاها ابن بلدة جباع في إقليم التفاح علي ناصر، بعدما عاد إلى قريته من بيروت إبّان جائحة كورونا، ليكتشف كنز الأرض المدفون، حيث الزراعة العضويّة المرويّة من مياه جبل صافي عند ارتفاع 1100 متر عن سطح البحر.
في الموسم الذي يشبّهه ناصر “بمشروع التخرُّج”، حيث نضجت التجربة طوال أربع سنوات، قضت الحرب الأخيرة التي حلّت بمآسيها ونالت بلدة جباع حصّة كبيرة منها، على محصوله الزراعيّ الذي كان ينتظره. وميزة مشروع ناصر الزراعيّ، أنّه لا يعتمد على الزراعة التقليديّة، وكان مشروعًا مميّزًا ينتج أغرب أنواع الخضار والفواكه المزروعة في أرضه، من البندورة السوداء والفليفلة أيضًا، إلى الذرة الحمراء وغيرها من المزروعات المميّزة، كلّها كان لها زبائنها الخاصّون في بيروت، مضيفًا إليها بعض الزراعات التقليديّة، وفق ما نقل ناصر لـ “مناطق نت”.
البداية النموذجيّة
كان مشروع ناصر نموذجيًّا، بدأه بمساحة أرض صغيرة، وبعد نجاحه قام بتوسعته إلى 11 ألف متر مربّع من أراض زرعها بأصناف شتّى. يقول ناصر لـ”مناطق نت”، “الحرب كبّدتني خسائر تفوق الـ 25 ألف دولار أميركيّ، منها خسارة قرابة 500 شتلة بندورة مميّزة أعتمد عليها في مشروعي الزراعيّ”.
لم تقضِ الحرب على مشروع ناصر فحسب، بل قضت على حلمه في البقاء بأرضه وقريته الجنوبيّة. في هذا الإطار يقول علي: “أفكّر في أن أنقل مشروعي الزراعيّ إلى منطقة أكثر أمنًا، لا تتعرّض لأيّ أحداث أو حروب، فلا يمكنني أن أعيش تحت هاجس الحرب ورحمتها، وأن أخسر مجهودي ومحصولي بسبب احتمال اندلاعها مرّة أخرى وفي أيّ وقت، لذا من الممكن أن أبحث عن مكانٍ آخر لمشروعي، عن قطعة أرض في مناطق كسروان أو جبيل أو عكّار”.
عن سبب اختياره للحقل قريبًا من جبل صافي يُوضح ناصر “كونها منطقة بعيدة من الأبنية والسكن والازدحام، والأهمّ أنّ التربة فيها ما زالت تحافظ على نضارتها، بعيدة من التلوّث، وعن شبكات الصرف الصحّيّ، وهذا يشكّل ضمانة لجودة المنتجات الزراعيّة العضويّة الخالية من أيّ مواد كيميائيّة”. من الأسباب والدوافع أيضًا التي جعلته يختار المنطقة لمشروعه “غنى المكان بالمياه، وهذا يوفّر في الكلف الماليّة للمشروع، خصوصًا أنّ مياه ريّ المزروعات موجودة كينابيع عذبة في أرض المشروع”.
إحدى قطع الأرض التي يتألف منها المشروع ويمتلكها ناصر، تقع مباشرة تحت جبل صافي، وقد حالت الظروف الأمنيّة منذ اندلاع الحرب العام الماضي دون زراعتها، منها أنّه طُلب إليه وإلى غيره عدم التوجه إلى هناك، مخافة الاستهداف المباشر من قبل المسيّرات الإسيرائيليّة وغيرها.
التعويضات غير كافية
عن تعويضات الخسائر يلفت ناصر إلى أنّه على الرغم من الكشف على الأضرار من قبل “جهاد البناء” و”مجلس الجنوب”، إلّا “أنّني أعلم أنّ التعويضات التي سوف تُدفع لن تكون كافية، وستكون هزيلة أمام خسارة المزارعين”.
ناصر: أفكّر في أن أنقل مشروعي الزراعيّ إلى منطقة أكثر أمنًا، لا تتعرّض لأيّ أحداث أو حروب، فلا يمكنني أن أعيش تحت هاجس الحرب ورحمتها، وأن أخسر مجهودي ومحصولي بسبب احتمال اندلاعها مرّة أخرى
يعدّد ناصر الخسائر فيشير إلى أنّها تنقسم إلى قسمين، منها المباشرة ومنها غير المباشرة “إنّ خسارة المزارعين تبدأ من الشتول وصولًا إلى الموسم الذي لم يقطف، بالإضافة إلى توقّف تصريف المحصول الزراعيّ للزبائن ممّن اعتادوا الشراء من مشروعي”.
خسائر ناصر لم تتوقّف على المحصول الزراعيّ، بل تعدّى ذلك إلى مشروع آخر يتعلّق بالمؤونة البلديّة كان ناصر عمل على تأسيسه وإطلاقه كمشروع عائليّ. وكان يحاول من خلاله العودة إلى “المونة” التقليديّة التي كانت تحضّرها جدّاتنا، لا سيّما لناحية طرائق تحضيرها. في هذا الإطار يقول ناصر “خسرنا أيضًا موسم المونة الذي كان يسندنا مع بعض الزراعات الشتويّة خلال فصل الشتاء، ولم نستطع إنقاذ أيّ من المحاصيل الزراعيّة التي نستعملها في إعداد المؤونة والتي تأخذ وقتًا في التحضير”.
خسارة الزبائن
غياب ناصر عن مشروعه الزراعيّ بسبب الحرب، وعدم قدرته على قطاف المواسم، نتج عنه خسارة الزبائن أيضًا، فهم ينتظرون منتجاته الزراعيّة الغريبة من نوعها”. بحسرة يعبّر ناصر عن ذلك فيقول: “طلبات الزبائن يجب تلبيتها وأن تكون جاهزة، وإذا لم يتوافر ذلك، فيلجأون ويبحثون عن بدائل أخرى”.
كلّ ما أسّس وخطط له الشاب علي ناصر في مشروعه وجعله مشروعًا متكاملًا يجمع بين السياحة الريفيّة أو المناطقيّة ذهبت به الحرب. كان يسعى ناصر إلى تطبيق فكرة سوق الأحد الذي يُقام في بيروت كلّ أسبوع في قريته جباع، التي تضمّ عددًا لا بأس به من المزارعين، إذ كان يرمي من خلاله “إلى تشجيع السياحة الريفيّة في المنطقة”.
إدارة الأعمال فالزراعة
لم يأتِ تميُّز مشروع ناصر من خلفية زراعيّة، فهو بعيد كلّيًّا عنها. علي الآتي من عالم إدارة الأعمال والتسويق يؤمن بالاستثمار في الأرض، “الاستثمار في القطاع الزراعيّ من أنجع الاستثمارات، من هنا نجد كبار السياسيّين يستثمرون في هذا القطاع، وهو ما نراه في عديد من القرى البقاعيّة والعكّاريّة”.
عن المخاطر التي تهدّد القطاع يقول ناصر: “الخطر الفعليّ الذي يهدّد القطاع الزراعيّ هو الأحداث الأمنيّة. لقد رأينا منذ اندلاع الحرب ما جرى في القرى الحدوديّة التي تُعتبر مجتمعات ريفيّة”. ويشير ناصر إلى أنّ “الخسائر في الزراعة تأتي الثانية من حيث الترتيب بعد الخسائر البشريّة”.
على الرغم من قيامه بتعبئة الاستمارة التي عمّمتها وزارة الزراعة وخصّصتها للمزارعين المتضرّرين، إلّا أنّ ناصرًا يعتبرها “مجرّد حبر على ورق ولا جدوى منها”. مشيرًا إلى أنّ “ميزانيّة وزارة الزراعة تشكّل 0.6 في المئة من الموازنة العامّة، وهي على النسبة عينها منذ 20 عامًا، وهذا أكبر دليل على ألّا تعويضات ستبلغ المزارعين سواء في الحرب أو في غيرها”.