الحرب تبدّد آمال مزارعي الجنوب.. ضياع الموسم يهدّد الإنتاج والأسعار
لا تزال الإعتداءات الإسرائيليّة المستمرّة على البلدات والقرى الجنوبيّة الحدودية، تلقي بتبعاتها على مختلف شؤون الحياة، ومنها القطاع الزراعي الذي يُعتبر أساسياً وتعتاش منه آلاف العائلات اللبنانيّة والسوريّة، في القرى والبلدات الحدوديّة.
لم تقتصر خسائر المزارعين ومربّي الماشية على كساد المواسم الخريفيّة المختلفة ونفوق أعداد كبيرة من مواشيهم المُنتِجة، بل إنّ استمرار الاعتداءات يلقي بظلاله على الموسم الزراعي المقبل، إذ لم يتمكّن المزارعون حتّى الآن من حرث حقولهم وبذرها والتحضير للموسم الزراعي الجديد، الموسم الشتويّ.
الوزّاني منكوبة زراعيًّا
سابقًا كانت معاناة منطقة الوزّاني الزراعيّة تكمن في كيفيّة تصريف الإنتاج في السوق المحلّيّة في ظلّ استمرار الاستيراد قبل دخول المواسم اللبنانيّة، كحال زراعة البطّيخ مثلاً، اليوم تختلف المعاناة وتتفاقم، بسبب الوضع الأمنيّ والعسكريّ القائم جنوبًا، ومعها ستنعكس هذه المعاناة ليس على أرباب العمل والعمّال والمزارعين فحسب، بل كذلك على المستهلك اللبنانيّ بأكمله.
شجريّات السهول في خطر
يحذّر أمين سر نقابة تجّار الخضار بالجملة علي فاضل، (أحد أصحاب شركة فاضل للزراعة في منطقة الوزّاني) “من أنّ الحرب الدائرة جنوبًا باتت على قاب قوسين أو أدنى من ضرب الموسم الزراعيّ المقبل في الوزّاني”، مشيرًا في حديث لـ”مناطق نت” إلى “أن المشكلة تتعلّق بموسم الخضار الذي كان يجب مباشرة زراعته منذ أسبوعين منصرمين، وكذلك بموسم الفواكه إذ تحتاج الأشجار إلى عناية واهتمام وتقليم في هذا الشهر لكي تُنتج مع بداية فصل الربيع”.
يكشف فاضل في حديثه “أنّ الحرب دفعت كلّ العمال الزراعيّين في منطقة الوزّاني إلى مغادرتها، ما أدى إلى نقص حادّ في اليد العاملة، وهذا سيؤدّي حتمًا إلى تدهور موسم الحشائش (الخضار) والخيار والبندورة، ما يعني أنّ السوق اللبنانيّة التي كانت تعتمد على إنتاج هذه المنطقة بعد فصل الشتاء مباشرة، ستشكو من النقص الحاد”. لافتًا إلى “أنّ هذا الأمر سيحتّم اللجوء إلى الاستيراد من الخارج، ما يعني أن الكلفة ستتضاعف على المستهلك اللبنانيّ. أمّا المزارع الصغير الذي يعتمد على إنتاجه ليعيش، فلن يكون قادرًا على الاستمرار هذا الموسم”.
علي فاضل: الحرب دفعت كلّ العمال الزراعيّين في منطقة الوزّاني إلى مغادرتها، ما أدى إلى نقص حادّ في اليد العاملة، وهذا سيؤدّي حتمًا إلى تدهور موسم الحشائش (الخضار) والخيار والبندورة.
كذلك هناك “مشكلة الشجريّات، كأشجار الدرّاق والمشمش والخوخ والعنب”، فهي بحسب فاضل “بحاجة إلى عناية ضروريّة الآن لكي تُنتج، وإلّا سيكون مصير الموسم مجهولًا مع كلّ التداعيات المترتّبة على ذلك، حيث أنّ المحصول يغطّي حاجة لبنان لشهرين، من هذه الفواكه”.
سهل الخيام لم يُبذر قمحه
ما يمكن أن يُقال عن الوضع المأسويّ في سهل الوزّاني، ينطبق على سهل الخيام الذي لا يزال ينتظر زراعة موسم القمح الذي اعتاد عليه أبناء المنطقة في السنوات الأخيرة. ويُشير المزارع عبّاس خريس إلى “أنّ الأرض تنتظر من يزرعها”.
يكشف خريس الذي يزرع نحو أربعمائة دونم قمحًا في سهل الخيام، ويدفع أجرة استثمارها سنويًّا ما يُقارب نحو عشرين ألف دولار أميركي، “أنّ الوقت أصبح داهمًا، وبحال لم نتمكّن من زراعة القمح قبل نهاية هذا الشهر فقد يضيع الموسم، وبالتالي الخسارة ستكون كبيرة جدًّا”.
يُنتج خريس نحو مئة وخمسين طنًّا من القمح سنويًّا، لم يزرع منها حبّة واحدة حتّى الآن، ويشير في حديث لـ”مناطق نت” إلى “أنّ الأرض بحاجة للفلاحة والتجهيز والبذر، وبحال توقف إطلاق النار، نهائيًّا أو من خلال هدنة إنسانيّة، سنحاول تعويض ما فات، وبحال لم يحصل ذلك سيضيع الموسم، إذ إنّ زراعة القمح هي زراعة شتويّة”.
أمّا بالنسبة إلى الخضار التي يزرعها خريس، البامية والباذنجان وبعض الخضار الأخرى، “فيمكن زراعتها كموسم صيفيّ، لكنّ المشكلة بالقمح” يقول ويؤكّد أنّه يحتفظ في مستودعه في الخيام بسبعين طنًّا من القمح، “لكنّني لا أستطيع الوصول إليه في هذه الفترة العصيبة، علمًا أنّ المبنى الذي يضمّ المستودع تعرّض لقذيفة إسرائيليّة، أدّت إلى خسائر مادّيّة كبيرة في البناء وفي المعدّات الزراعيّة”.
إن ضاع الموسم إلى الغلاء درّ
في حال لم تتوقّف الحرب قبل مطلع العام المقبل، فإنّ ذلك قد يعني ضياع موسم الحشائش، عندها سيجري الاعتماد على إنتاج سهول عكّار والبقاع، لكنّ قلق أرباب المشاريع الزراعيّة في سهول الخيام والوزّاني وسرده وحقول الجنوب الحدوديّة سيبقى على موسم الشجريّات. ومع كلّ يوم يمرّ تزيد خسارة المزارعين جنوبًا التي ستنعكس بشكل أكيد على أسعار الخضار في شهر رمضان المقبل، إذ يصدف في بداية شهر آذار المقبل.
إلى جانب أزمة الدولار، وارتفاع كلفة الإنتاج، وكلفة اليد العاملة، وأسعار المحروقات والمبيدات والبذار والنقل، تأتي اليوم أزمة الحرب والعدوان ومغادرة الحقول قسرًا، ويؤكّد فاضل “أن غياب الإنتاج المحلّي سيعني الاستيراد، وعندها ستُضرب الأسعار الحاليّة بثلاثة أضعاف، بسبب كلفة النقل والضرائب وغيرها من التكاليف الكبيرة للاستيراد”. مذكّرًا “بما حصل يوم فقدان البصل من الأسواق اللبنانيّة وكيف أصبح سعره مرتفعًا للغاية بعد استيراده”.
بعد التحرير في العام 2000 تحوّلت المنطقة الحدوديّة في القطاع الشرقيّ إلى منطقة زراعيّة بامتياز، ومنها سهول وحقول الوزّاني، سهول الماري والمجيديّة وسرده والعمرة، والتي تُقدّر بأكثر من ثلاثين ألف متر مربع، فازدهرت واخضوضرت، وباتت تشكّل حيّزًا أساسًا من أمن لبنان الغذائيّ، إذ تمدّ هذه السهول الأسواق اللبنانيّة بالخضار والفاكهة قبل شهرين تقريبًا من نضوج إنتاج سهل البقاع، وأراضي عكّار الزراعيّة.
تكاد حقول الوزّاني تتخطّى سهول عكّار بجودة إنتاجها، لذلك كانت محطّ أنظار كبار رجال الأعمال الذين استصلحوا الأراضي فيها بعد التحرير وزرعوها بأجود أنواع الأشجار المثمرة، التي تبيع إنتاجها في السوق المحلّيّة وتصدّر كميّات منه إلى الخارج، فأضحت مداخيل الزراعة في الوزّاني ومحيطها تزيد على ثلاثة وعشرين مليون دولار سنويًّا.
ليس في الوزّاني أو في الخيام وجاراتها، ثمّة من يسأل عن أحوال المزارعين، فالدولة ووزراؤها ونوابها غائبون تمامًا، على عهدهم، عن هموم الناس هنا، علمًا أنّ الزراعة تدخل في أساس الأمن الغذائيّ للبنانيّين. لذلك يبدو في الأشهر المقبلة، بحال لم يتوقف العدوان، سنكون أمام نقص كبير في الحاجات الزراعيّة والغذاء الخضاريّ، وبالتالي المزيد من الاستيراد في بلد يعاني من أزمات اقتصاديّة خانقة.