الحرب تجتاح بساتين شبعا وحقولها وخسائر المزارعين والرعاة بالملايين
طالما تغنّت بلدة شبعا جارة جبل الشيخ بمواسمها الزراعيّة ومحاصيلها، ساهمت في تعدّدها وجودتها أرض خصبة ووفرة مياه من ينابيع تنتشر في جبالها ووديانها ووهدانها. ونالت ثمار أشجارها ومساكبها وألبان مواشيها مكانة وسمعة مرموقتين في مدن وبلدات الجوار وأقضية الجنوب المختلفة، وصولًا إلى العاصمة بيروت، فتعتاش من مردودها أكثر من 400 عائلة مقيمة في البلدة الحدوديّة صيفًا وشتاء.
اليوم تبدّل الوضع وحلّت الكارثة على القطاع الزراعيّ برمّته، ففيما بقيت بساتين وحقول شبعا تفيض بالخير، ويدخل فيها الموسم تلو الموسم، أدّت الحرب الدائرة منذ ثمانية أشهر ونصف الشهر في غزّة الفلسطينيّة ومناطق الجنوب اللبنانيّة الحدوديّة، وتنال شبعا وجوارها النصيب الكبير من الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة، إلى سدّ منافذ حصاد الرزق وتصريف المستطاع إليه، ما سبّب خسائر جسيمة مباشرة بفعل ما تعرّضت له البساتين والكروم من قصف مستمرّ، وغير مباشرة تمثّلت بانعدام الأسواق التي كان يباع فيها إنتاج شبعا الزراعيّ والحيوانيّ، ويمتدّ بين مناطق حاصبيّا ومرجعيون وبنت جبيل والنبطية وغيرها.
اعتداءات تحاصر المواسم
وتلعب عوامل عديدة في سلبيّة البحث عن حلول مؤقّتة قد تجنّب مزارعي شبعا تراكم الخسائر من فصل إلى فصل، منها عدم إمكانيّة نقل كمّيّات كبيرة من المحاصيل بسبب الحصار الجويّ الناريّ الذي تفرضه الطائرات والمسيّرات الإسرائيليّة على أجواء البلدة، فتمنع باستهدافاتها المتواصلة المزارعين من الوصول إلى المساحات الكبيرة من البساتين المفتوحة التي تنتشر فيها مواسم الزيتون والتفاح والكرز والخوخ والإجّاص والرمّان والصبّار وغيرها من أصناف الحشائش.
أمّا الكمّيّات القليلة المقدور عليها، وهي من بساتين قريبة من البيوت المأهولة، فيغدو نقلها إلى أسواق بعيدة أكثر كلفة مقارنة مع البضاع المتوافرة في الأسواق ما يحتّم على أصحابها خسائر فوق خسائرهم.
إلى الخسائر الزراعيّة، أصيب قطاعا الماشية والنحل في شبعا بأضرار بنيويّة فادحة، وهما قطاعان كانا يدرّان على أكثر من 150 عائلة إنتاجًا وافرًا يرفده نحو 15 ألف رأس ماشية جلّها من الماعز، وقرابة 1300 قفير نحل بلديّ أو هجين دفع بأصحابها منذ سنوات إلى تأسيس جمعيّة تعاونيّة لتربية النحل ومصنعًا للتوضيب. تمثّلت خسائر الرعاة في شبعا باضطرار عدد كبير منهم إلى بيع مواشيهم بأسعار بخسة بعد فقدان المراعي ونفوق مئات المواشي بفعل الاعتداءات وعدم تمكّنهم من نقلها إلى زرائب خارج المنطقة نظرًا للكلفة العالية.
خسائر النحّالين فادحة
أمّا خسائر قطاع النحل فتبدّت بانقطاع التواصل بين النحّالين وقفرانهم التي تقع قريبة من خطوط النار والتماس وفي المرتفعات العالية أو بين قرى القطاع الأوسط أو الغربي، إذ إنّ النحالين يعمدون إلى نقل قفرانهم في موسم الشتاء والثلوج إلى المناطق الساحليّة أو المتوسّطة الارتفاع تداركًا للصقيع، وقد فقد عديدون منهم قفرانهم بين قرى الناقورة وبنت جبيل.
أصيب قطاعا الماشية والنحل في شبعا بأضرار بنيويّة فادحة، وهما قطاعان كانا يدرّان على أكثر من 150 عائلة إنتاجًا وافرًا يرفده نحو 15 ألف رأس ماشية جلّها من الماعز، وقرابة 1300 قفير نحل بلديّ أو هجين
لقد دمّرت الاعتداءات حيّزًا كبيرًا من هذا القطاع، بين القصف المباشر والحرائق بالقذائف الفوسفوريّة، فيما منعت الاعتداءات أصحاب المناحل من الوصول إلى قفرانهم لرعايتها والاهتمام بها، فنفقت من الجوع.
يضاف إلى ذلك، ما سبّبته أجواء الصقيع التي تضرب مرتفعات شبعا وجبل الشيخ في القضاء على أعداد كبيرة من النحل التي اضطر أصحابها إلى إبقائها هناك الشتاء المنصرم بعد تعذر الوصول إلى أماكن آمنة في المناطق التي كانوا ينقلون إليها قفرانهم في موسم البرد.
إنّ أكثر ما يخشاه مزارعو شبعا، أن يؤثّر فقدان هذه الكمّيّات الكبيرة من أعداد النحل في الطبيعة الزراعيّة لشبعا، إذ قد يسبّب هذا الأمر خللّا بيئيّا سيؤدّي لاحقًا إلى تراجع الإنتاج الزراعيّ الذي يعتمد على النحل في التلقيح وانعقاد الثمر.
خسائر بمفعول رجعي
نسأل رئيس “جمعيّة المزارع” في بلدة شبعا وعضو “الجمعيّة التعاونيّة لتربية النحل” هناك المهندس الزراعي إحسان ضاهر عن تقييمه لخسارات المزارعين، فيردّ على “مناطق نت” قائلًا: “نحن بالإجمال بدأت مشكلتنا منذ اليوم الأوّل لبدء الحرب في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، دخل عندنا موسم التفّاح، وهو بالنسبة للمزارعين يعتبر الركيزة الثانية بعد موسم الكرز، منذ تشرين الأوّل ذاك لم يستطع أحد من المزارعين أن يقطف بستانه، فبقي الموسم على أمّه، وهذا يشير تمامًا إلى أنّ معاناة مزارعي شبعا بدأت مذ بدأت الحرب، فما بالنا اليوم؟”.
ويضيف: “بالنسبة للمواسم التي نحن فيها اليوم، عندنا موسم الكرز، ثم يأتي بعده الخوخ ويليه الإجّاص، يمكن القول إنّ الأراضي معدمة باستثناء الأراضي القريبة جدًّا من البيوت، بحيث يستطيع أصحابها الوصول إليها، لكنّ الأراضي المفتوحة، لا يمكن لأحد أن يصل إليها وهي الكمّ الأكبر من المواسم”.
ويقول: “لقد تعرّضت بساتين شبعا المفتوحة إلى قصف مدفعيّ واستهداف بالمسيّرات، وهناك حقول يتجنّب الناس الذهاب إليها كي لا تصطادهم القذائف والغارات، وهي مناطق بعيدة عن الطرقات العامّة وعن المناطق المأهولة، إذ إنّ المزارعين الذين حاولوا التحرّك باتّجاهها تعرّضوا للقصف من المسيّرات. لذلك فإنّ الأماكن الوحيدة التي يستطيع المزارعون الوصول إليها، هي تلك القريبة من البيوت أو الطرقات، أمّا البعيدة صعودًا أو نزولًا، فقد أضحت مناطق خطرة”.
ويتابع ضاهر: “إنّ من تعرّضوا للاستهداف كانوا يحاولون متابعة أرزاقهم ورعايتها. لذلك فإنّ الأرض اليوم تتّجه بعد قرابة تسعة أشهر نحو البَوار، إذ لا حرث ولا رشّ للمبيدات ولا متابعة ولا أسمدة، لقد بدأ اليباس يظهر على البساتين البعيدة، إذ إنّ أشجارها ذات حساسيّة عالية، وفي ظلّ عدم وجود ريّ ورشّ للمبيدات ومتابعة مستمرّة فهي أضحت في دائرة الخطر، ونحكي هنا عن مساحات كبيرة تتفوّق على القريبة من البيوت بأضعاف مضاعفة، فالقريبة من البيوت لا تتجاوز مساحاتها 500 متر، أو 700 أو دونم بأقصاها ليس أكثر”.
أضرار تفوق المتوقّع
وعن المواسم الزراعيّة التي ضربتها الاعتداءات وقوضتها يقول المهندس ضاهر: “بالنسبة للمزروعات الموسميّة التي نعتمد عليها كزراعة الخضار، أعطي مثلًا موسم الثوم الشتويّ، وهو موسم يركّز عليه مزارعو شبعا؛ لم يتمكّن أيّ مزارع وبسبب الاعتداءات المتواصلة من التعامل مع الموسم كالسنوات السالفة، لذلك تراجع محصول الثوم كثيرًا عمّا كان عليه سابقًا”.
ويتابع: “وفي تقديرنا للخسائر التي مني بها المزارعون جرّاء الحرب، يمكن القول إنّ القطاع الزراعيّ برمّته بات مشلولًا شللًا تامًّا. لا أرقام دقيقة لدينا بسبب تعدّد الخسائر بين بساتين التفّاح والكرز والخوخ والإجّاص والجوز والرمّان، والزراعات الموسميّة وقطاع المواشي، وكذلك قطاع النحل. لذلك أيّ إحصاء تحت الحرب والعدوان لن يحمل نسبًا عالية من الدقّة، إذ يحتاج الأمر إلى حملة منظّمة لإحصاء الأضرار على مختلف المستويات، وهي كبيرة وتفوق المتوقّع”.
ويردف: “حتّى لا نقول إنّ الزراعة تضرّرت مئة بالمئة، يمكن أن نضع تقديرًا لنسبة الخسائر في دائرة تراوح بين 80 و90 بالمئة، وهذا يشمل الزراعة على أنواعها وتربية المواشي وقفران النحل، هذه القطاعات الثلاثة ضربت بنسبة عالية جدًّا”.
قطاع النحل
وحول خسائر قطاع النحل، يشير ضاهر إلى “أنّ النحّالين خسروا قفرانهم إمّا بسبب القصف أو الجوع لعدم تمكّنهم من الوصول إليها، أو بسبب الحرائق جراء القصف المجاور لأماكن انتشارها، وقد أعددنا إحصائيّة وأرسلناها إلى وزارة الزراعة بأضرار النحالين”.
ويعتبر ضاهر أنّ “قطاع النحل بات مدمّرًا حاليًا، لأنّ نحلنا ننشره عادة من شبعا إلى الناقورة، على هذا الخطّ الحدوديّ كلّه، بحسب الفصول. صودف أنّ الحرب عندما بدأت في تشرين الأوّل، وكنّا ننتظر موسم “الشنديب” التشرينيّ (يعتمد النحل في غذائه في براري جبل الشيخ على الأعشاب الشوكيّة وفي مقدّمتها شوكة الشنديب التي تنتج مادّة الرحيق) ظننّا أنّ قفران النحل المنتشرة بين بنت جبيل والناقورة سوف تنجو، لكن مع انطلاق الحرب أضحى أصحاب القفران لا يمكنهم الوصول إليها، وما وصلوا إليه كان قد تأثّر بالاعتداءات، ولم نقطف الموسم التشرينيّ، ثمّ أتى موسم الربيع بلا نحل”.
ضاهر: قطاع النحل بات مدمّرًا حاليًا، لأنّ نحلنا ننشره عادة من شبعا إلى الناقورة، على هذا الخطّ الحدوديّ كلّه، بحسب الفصول
ويتناول ضاهر حجم الخسائر في هذا القطاع فيقول: “في قطاع النحل عندنا أكثر من 70 نحّالًا، منهم حوالي 50 نحّالًا فقدوا قفرانهم بسبب القصف والحرائق وعدم إمكانيّة الوصول الى المناحل لمتابعة أمورها ممّا أدّى الى نفوق النحل. أمّا بقيّة النحّالين فهم يعملون قدر الإمكان كي يحافظوا على حياة النحل، لكن، لا مواسم قطاف عسل ولا عمليّات إكثار للنحل عبر ما يسمّى بالتفسيخ. النّحالون اليوم نشروا قفرانهم الخاوية كمصائد لعلّهم يحصلون على طرود برّيّة تائهة كي يشتغلوا عليها، هو شغل على فتات ليس أكثر”.
قطاع المواشي
وردًّا على سؤال حول قطاع المواشي في شبعا يجيب المهندس ضاهر: “الرعيان في مثل هذه الأيّام يصلون إلى محلّة عيون شبعا، منطقة يطلق عليها اسم “جنعم” وهي برارٍ مرتفعة جدًّا، يصعدون إليها شيئًا فشيئًا حتّى يصلوا إلى الجرد. حتّى الآن الرعيان لم يصعدوا، هم يحاولون البقاء في المنطقة الآمنة، ومن لم يقدر منهم يلجأ إلى العلف، وهذا يعني كلفة إضافيّة باهظة. لقد بدأ برميل الحليب (20 كيلوغرامًا) بـ25 دولارًا، كان سابقًا يبدأ بـ10 دولارات، ثمّ 15 دولارًا، وفي أقصاه ومع ازدياد الطلب لا سيما في موسم المؤونة ومجيء الناس صيفًا إلى البلدة لتحضيرها يرتفع إلى 20 دولارًا”.
وهذا سببه برأي ضاهر “أنّ الراعي الذي ينتج حليبًا بات يدفع كلف العلف عوضًا عن الرعي المجّاني، ومعروف لدى الجميع أن الماعز لا يُعلف عادة”.
يؤكّد المزارع محمّد حسين زهرا “أبو فارس” أنّ الرعيان وبسبب الحرب “لم ينزلوا بقطعانهم مطلع هذا العام وما قبله من نهاية العام الماضي إلى المشاتي (مفردها مُشتّى) بين مرجعيون والساحل على عادتهم في كلّ سنة لحماية قطعانهم من البرد القارس الذي يسيطر على مناطق جبل الشيخ شتاءً”.
أرقام خسائر المواشي
ويقول زهرا لـ”مناطق نت”: “لقد حُرم الرعيان من المشتّى هذا العام، ومن شتّى منهم فبين عين عطا وجنعم والبركة وراشيّا الوادي، هذا من بقي عنده ماعز إذ من باع معزاته بين التشرينين 2023، كأنّه رماها هكذا بين 40 دولارًا و50 دولارًا للرأس، ومن عاد واشترى منهم عنزة في الربيع فقد دفع ثمنها بين 150 دولارًا و200 دولار هي وابنها، يعني من باع 150 رأس ماعز عاد واشترى بين 30 و40 رأسًا حتى يموّن بيته. ومن شتّى هنا في شبعا، أمضى الفصل يطعم معزاته تبنًا وشعيرًا وعلفًا حتّى ذوبان الثلج ونبت الحشائش”.
ويضيف: “كان عديد الرعيان في شبعا يبلغ حوالي 60 راعيًا، اليوم باتوا 30. كانت “الشَلْعَة” (القطيع) تبدأ من 100 رأس إلى 400 و500 رأس، ولدينا شلعة واحدة تبلغ 700 رأس موجودة حاليًّا في القليعة قرب مرجعيون. لقد تراجع عديد القطعان إلى 50 و100 و150 أو أكثر بقليل، وهي تتواجد اليوم في منطقة جنعم، إذ إنّ أرضنا في الضيعة هنا في شبعا احترقت، والجهة القبليّة (الجنوبيّة) عند الحدود لا يجرؤ أحد على أن يسرح أو يرعى فيها، لقد حُشر الرعيان جميعهم في منطقة جنعم التي يفترض أن تطعم الرجال بالشتاء والصيف، وأعتقد ألّا أحدَ يحصل على أتعابه”.
يُذكر أنّ قطاع المواشي في شبعا وكفرشوبا والجوار كان يتجاوز 15 ألف رأس، قبل الحرب، معظمها من الماعز التي تؤمّن الحليب الذي يستخدم في صناعة الأجبان والألبان، وقد انخفض هذا العدد إلى الثلث بعدما باع كثيرون من الرعيان قطعانهم، مع اندلاع الحرب وانحسار المراعي وارتفاع كلف البحث عن زرائب بديلة ومراع خارج مناطق العدوان والقصف.
ضياع الرزق والأسواق
يقول المزارع فادي جرّار من شبعا لـ”مناطق نت”: “هذا العام لم نستطع أن نفعل لأراضينا وبساتيننا شيئًا، إنّ أيّ شجرة كرز، أو غيرها من الأشجار، تحتاج إلى عناية سنة كاملة كي تعطيك الثمر المطلوب كتغذيتها بالسماد والمواد العضويّة ورشّها بالمبيدات الشتويّة وتشذيبها، ومتابعة الأمراض التي يمكن أن تصيب الشجر بشكل دوريّ، نحن لم نتمكّن من العناية بالكرز هذه السنة. يضاف إلى ذلك أنّ الموسم دخل بحبّات صغيرة لأنّه لم ينل حقوقه الغذائيّة والوقائيّة، وصارت غير جيّدة للتسويق أو لبيع المحصول. هناك أشجار لم نستطع قطافها وهناك أشجار لم نستطع بيع موسمها، وما بعناه فبثمن زهيد جدًّا”.
وعن أسواق التصريف، يشير جرّار إلى “أنّنا أصلًا كنّا نبيع 90 بالمئة من موسم الكرز في الجنوب، من شبعا إلى الخيام وكفركلا وصولًا إلى بنت جبيل، هذه المناطق جميعها خالية ومهجّرة، ولا يمكننا أن ننقل كمّيّات كبيرة من صناديق الكرز لأنّنا لا يمكن أن نقطف بيوم واحد جرّاء الوضع القائم حمولة شاحنة كي نوفر علينا كلفة النقل، وإلّا فإنّ الكمّيّة القليلة التي سننقلها إلى خارج المنطقة ستصبح كلفتها علينا مضاعفة ولن نستردّ ثمنها، فآثرنا عدم القطاف”.
المزارع فادي جرّار: كنّا نبيع 90 بالمئة من موسم الكرز في الجنوب، من شبعا إلى الخيام وكفركلا وصولًا إلى بنت جبيل، هذه المناطق جميعها خالية ومهجّرة
ويشير إلى “أنّ شجرة الكرز شجرة حسّاسة جدًّا، وهناك بساتين تعرّضت للقصف بقذائف فوسفوريّة، ولم يستطع أحد الدخول إليها. لذلك تقدّر خسارة كلّ مزارع من شبعا بما لا يقلّ عن 1500 دولار، وبلدتنا فيها بين 300 و400 مزراع، بل إنّ معظم أهالي أبناء البلدة هم مزارعون، لذلك تقدّر الخسائر الإجماليّة بما يفوق 700 ألف دولار”.
الحرب تطيح بتعب السنين
ويؤكّد جرّار “أنّ هذه الخسائر تنعكس على جميع المواسم الزراعيّة في شبعا، وهي كثيرة وكلّها تحتاج إلى عناية واهتمام وريّ في موسم الصيف. حتّى أنّ موسم الجوز تضرّر، ربّما بفعل الموادّ السامّة التي تحملها القذائف، فحبّاته تذبل على أمّها ثمّ تتساقط قبل نضوجها. نحن كبيت مزارع من بيوت شبعا، خسارتنا منذ تشرين الأوّل وحتّى اليوم تخطّت 5000 دولار، إضافة إلى أنّ كلّ الجهد الذي بذلناه أكثر من خمس سنوات على كلّ بستان من زراعة وعناية واهتمام حتّى وصل إلى ما هو عليه اليوم، قد نخسره إذا ما استمرّ الوضع على هذه الحال، وهذا يعني أنّنا سوف نعود إلى نقطة الصفر”.
ويضيف: “عندي بستانان فيهما ما يقارب 150 شجرة كرز، مشكلتي تكمن في أنّ خزّان البلديّة توقّف عن الضخّ بعد تعرّضه للقصف، فأضطرُّ إلى شراء صهاريج مياه كي لا ييبس، هذا البستان زرعناه في العام 2015، وإذا يبس يعني سنخسر تعب تسع سنوات وسنعود للزراعة من جديد، تحتاج إلى أكثر من خمس سنوات لكي تعطي ثمارها. أدفع ثمن صهريج المياه 25 دولارًا، فقط كي أساعد الأشجار على الصمود تحت حرارة الصيف، وحالي هي حال كثيرين من مزارعي شبعا”.
ويختم جرّار: “للأسف، منذ تشرين الأوّل وحتّى اليوم، كأن لا دولة في لبنان نحن من أبنائها، لا أحد يسأل ماذا حصل لكم؟ والسؤال الآخر: هل ستعوّض هذه الدولة على خسائرنا الكبيرة؟”.
الصامدون المجهولون
يؤكّد المطّلعون أنّ شبعا يوجد فيها اليوم نصف أهلها ممّن كانوا يقطنونها شتاء، وغالبيتهم من الرجال بعدما أرسلوا عائلاتهم بعيدًا من المنطقة إلى بيروت والبقاع، بسبب القصف. تضاف إلى الصامدين العائلات السوريّة التي تسكن شبعا ولا خيارات لديها بالنزوح، وهم يخلقون نوعًا من الحياة في البلدة.
وعمّا يفعله المزارعون في شبعا اليوم، يختم المهندس إحسان ضاهر: “المزارعون اليوم في بيوتهم ينتظرون ويراقبون من بعيد كيف أنّ مواسمهم تنهار أمام عيونهم، ولا حول لهم أو قوّة سوى الانتظار. يمكن القول في استعراضنا للأضرار غير المباشرة إنّ المزارعين هم الصامدون المجهولون، ولا حلّ آخر يلجأون إليه، فالمزارعون هنا ليس لهم إلّا أراضيهم كي يعتاشوا منها”.