الحرب تخلط أوراق اللجوء.. عودة 300 ألف سوري إلى موطنهم
منذ مدّة ليست طويلة، يُفكر الشاب السوري جلال الدين جبري، الذي انتقل بشكل كامل إلى لبنان منذ نحو ثلاث سنوات ويعمل في مجال التوثيق البصري، العودة بشكل نهائي إلى سوريا، إلا أن الحرب الإسرائيلية على لبنان “سرعت من اتخاذي هذا القرار، وأسمع أن كثيرًا من السوريين قرروا كذلك العودة إلى بلدهم”، وفق ما قال لـ”مناطق نت”.
يبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان نحو 1.5 مليون لاجئ بحسب التقديرات الحكومية، ولطالما شكل هذا اللجوء ملفاً دسماً على طاولة الساسة اللبنانيين، فيما يميل معظمهم إلى ضرورة عودة اللاجئين إلى بلدهم لما يُشكله هذا الملف من “خطر وجودي”. تصدر أصوات أخرى تُطالب بمعالجة الملف من منطلق إنساني بالدرجة الأولى.
نحو 300 ألف لاجئ عادوا إلى سوريا
في جميع الأحوال، إن ما لم تستطع الحكومات المتعاقبة وحملات “العودة الطوعية” التي نظمها الأمن العام اللبناني على تحقيقه، تمكنت الحرب الإسرائيلية على لبنان من إنجاز جزء منه. فقد سجّل الأمن العام اللبناني عبور 300,774 مواطن سوري إلى بلدهم من تاريخ الـ 23 من أيلول (سبتمبر) لغاية الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) العام الحالي، وفقاً لوحدة إدارة مخاطر الكوارث. إلى جانب هؤلاء، سجّل الأمن العام نزوح 102,283 مواطن لبناني إلى الأراضي السورية هرباً من الحرب الإسرائيلية.
ولُوحظ لجوء عدد كبير من اللاجئين- النازحين السوريين إلى افتراش أرصفة الطرقات والحدائق العامة لعدم تمكنهم من إيجاد مراكز إيواء، في ظل تخبّط لجنة الطوارئ الحكومية وضعف الإمكانات وإعطاء رؤساء البلديات ومراكز الإيواء استنسابية القرار بقبول استقبال اللاجئين السوريين من عدمه.
أمام هذا الواقع، تكشف المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين في اتصال مع “مناطق نت” أنه “مع تزايد أعداد النازحين كل يوم، وصلت الملاجئ التي أنشأتها الحكومة اللبنانية والتي يبلغ عددها 892 إلى طاقتها الكاملة لاستضافة كل النازحين”، مشيرةً إلى أنه “في شوارع بيروت، وحتى في أماكن بارزة مثل الكورنيش، ينام مئات الرجال والنساء والأطفال العالقين في العراء”.
وأكدت المفوضية أنها “تعمل مع الشركاء الإنسانيين والسلطات اللبنانية على إيجاد مآو آمنة على وجه السرعة لأولئك الذين ليس لديهم أي مأوى”.
رقم مبالغ به
في المقابل، يُشكك رئيس بلدية المرج (البقاع الغربي)، منور الجراح، في حديث لـ”مناطق نت” بالرقم المعلن للسوريين العائدين إلى بلدهم. ويلفت إلى أنه يتمنى أن “يكون الرقم الذي أعلنته لجنة الطوارئ صحيحًا ولكنني أعتقد أن هذا الرقم مبالغ به، وفي حال انتقال كل هؤلاء إلى سوريا فإن ذلك يخفف العبء علينا كثيراً”.
ويوضح الجراح أن “أعداد النازحين في مخيمات المرج ما زالت كما هي”. وأكد أنه “ربما هناك بعض اللاجئين السوريين الذين ذهبوا إلى بلدهم، إلا أن هؤلاء لديهم القدرة أساساً على الانتقال إلى سوريا وكانوا يفضلون البقاء في لبنان، غير أن الحرب دفعتهم إلى اتخاذ هذا الخيار”.
لُوحظ لجوء عدد كبير من اللاجئين- النازحين السوريين إلى افتراش أرصفة الطرقات والحدائق العامة لعدم تمكنهم من إيجاد مراكز إيواء، في ظل تخبّط لجنة الطوارئ الحكومية وضعف الإمكانات
ويُشير الجراح إلى أن “نسبة هؤلاء في المرج لا تتجاوز الاثنين في المئة”، مضيفاً أن “البلدة تستضيف نحو 20 ألف نازح سوري يتوزعون على 55 مخيّمًا”، وهي تُعد من أكثر البلدات اللبنانية التي تستضيف لاجئين سوريين.
ويوضح الجراح أن “البلدية قامت، بناءً على أوامر المحافظ، بافتتاح المدرسة المتوسطة وثانوية المرج كمراكز إيواء للنازحين، ولكن العدد الأكبر منهم استقر في منازل خاصة خارج مراكز الإيواء”. أما على صعيد اللاجئين- النازحين السوريين، فإن “البلدة لم تشهد أي نزوح إلى مخيماتها باستثناء بعض الحالات الفردية التي يمكن أن تكون قد حصلت”. ويلفت إلى أن “الدولة خصصت بعض المراكز في البقاع لإيواء النازحين السوريين، ونحن بدورنا نقوم بتوجيههم إلى هذه المراكز، ولا يمكننا أن ندمج بين اللبنانيين والسوريين في مراكز الإيواء”.
ووفقاً للجراح، فإن العوائق الأساسية التي تحول دون عودة السوريين إلى بلادهم “هو الدعم الذين يتلقونه من المنظمات الدولية غير الحكومية ومفوضية اللاجئين، وهذا ما يساعدهم على تحسين أوضاعهم المادية، فضلاً عن غياب القرار الدولي بعودتهم”.
300 عائلة قررت العودة
هذا في المرج، أما في عرسال التي ضم 60 ألف لاجئ موزعين على 144 مخيمًا، فالوضع مختلف قليلاً، إذ يلفت منسق اللاجئين السوريين في عرسال والعضو في لجنة التنسيق والمتابعة، سامر عامر ابو عدي، في حديث لـ”مناطق نت” إلى أن “هناك تشجيعًا من قبل بعض الأحزاب والشخصيات، ولكن لم نسجّل موجة عودة إلى سوريا”. ويلفت إلى أنه “حتّى الآن سجّل حزب الاشتراكيين العرب بالتنسيق مع الأمن العام نحو 300 عائلة تُريد العودة إلى سوريا، وهناك تسهيل مرور لأي عائلة ترغب في ذلك”.
ويوضح أبو عدي “أن معظم هذه العائلات من خارج مخيمات عرسال، جاءت إلى البلدة أخيراً، وعندما لاحظت أن الوضع سيئ جداً قرر أرباب عدد منها التسجيل بفية العودة إلى سوريا”. ويلفت إلى أن “هذه العائلات معظمها من أهالي القلمون، ومن المقرر أن تعود عبر معبر الزمراني، إذ إن كل عودة طوعية تتم عبره”.
وعن وجود جو عام لدى اللاجئين السوريين للعودة إلى سوريا، يؤكد أبو عدي أن “كل عائلة لها ظروفها، وفي حملات العودة الطوعية السابقة كان يتم الإعلان عن أرقام مبالغ بها في حين أن العدد الحقيقي الذي يعود قليل جداً”.
اللجوء إلى مخيمات عرسال
ويلفت أبو عدي إلى “انتقال نحو 850 عائلة، معظمها من اللاجئين السوريين، إلى البلدة، فضلاً عن العائلات التي نزحت إلى مراكز الإيواء التي جرى افتتاحها أخيراً”. ويوضح أن “هناك عددًا من اللبنانيين الذين تمّت استضافتهم من قبل لاجئين سوريين في مخيمات اللجوء”.
ويشبر إلى أن “المدارس الرسمية تضم فقط النازحين اللبنانيين، في حين أن بعض المدارس الصغيرة خُصصت للاجئين- النازحين السوريين كمراكز إيواء”. ويعدّد هذه المراكز، وهي: “مركز إيواء قرية حياة الذي يضم 18 عائلة، مركز إيواء مدرسة الملعب الذي يضم 12 عائلة، ومركز إيواء مدرسة أبناء الشهداء الذي يضم 11 عائلة”.
وعلى صعيد المساعدات، يقول أبو عدي: “إن العائلات الجديدة ضمن المخيمات لم تتلق أي مساعدات، سواء من المفوضية أو شركائها أو بقية الجمعيات غير الحكومية”، مشيراً إلى أن “المساعدات تقتصر على النازحين السوريين في مراكز الإيواء، وهي مساعدات بسيطة جداً”.